بقلم : بهاء الدين يوسف
في كل عام تقريبا يثار الجدل حول إعلانات الفنانين التي يشاركون فيها، فمعروفون أنها تعد استغلالا لشعبيتهم وحب المشاهدين لهم، ففيه بعض الجدل المثار لا يخلو من نفسنة تجاه بعض الفنانين ربما للمبالغ الضخمة التي يتقاضاها بعضهم، أو لأن طبيعة الإعلان ومستواه يتعارض مع الصورة الذهنية (الإيمج) التي اعتاد الفنان أن يقدمها لجمهوره.
لكن بين الرافض والمؤيد لـ إعلانات الفنانين هناك مساحة لم أر أحدا يشغلها حتى الآن على الأقل وهى التي تتعلق بمضمون الإعلان الذي يقدمه هذا الفنان أو ذاك ومدى إيجابية الرسالة القيمية التي يقدمها أو سلبيتها.
أحمد عز والتحرش في إعلانات الفنانين
في هذا السياق لفت انتباهي تحديدا إعلان الفنان أحمد عز لشركة اتصالات الذي يعاد بمعدلات مملة في القنوات المصرية المختلفة، وهو الإعلان الذي يظهر فيه في نفق تحت الأرض مع مجموعة من الممثلين المساعدين خلال تصوير مشهد من فيلم افتراضي له، وفجأة يرن جرس المحمول فيتوقف عز ليؤنب زملائه على أن أحدهم لا يحترم التصوير بدليل أنه ترك هاتفه مفتوحا وهم يصورون في نفق تحت الأرض، لترد عليه فتاة من زميلاته :ده أنت يا عز) فما كان من الفنان إلا أن تحول مزاجه وبدلا من إعطاء الفنانين المساعدين درسا في احترام التصوير وإطفاء الهواتف أو عدم الرد عليها فإنه يلتقط هاتفه وينخرط في حوار بدا إنه غير مهم مع أحد أصدقائه الذي يدعوه الى سبوع طفلته، دون أن يهتم عز النجم الأول للفيلم بتوقف التصوير.
إقرأ أيضا : دراما وإعلانات رمضان.. تسطيح الأفكار وسفه يخاصم البسطاء !
ما استفزني في الواقع في إعلانات الفنانين القيمة السلبية التي يرسخها إعلان مثل هذا بين الشباب خصوصا في مجتمعنا الذي يعاني منذ عقود طويلة من تراجع مخيف ومؤسف في منظومته القيمية، وهى أن من حق النجم أن يوقف التصوير ليرد على أي مكالمة مهما كانت تافهة وغير مهمة باعتباره مغفور الذنب بفضل نجوميته، لكن نفس التصرف إذا صدر من أي ممثل مساعد أو حتى من طاقم العمل فهو كفيل بتعريضه لوابل من التأنيب وربما الخصم من مستحقاته أو حتى استبعاده من العمل نهائيا، في تجسيد مؤسف وقبيح لأفعال الأقوام التي تنبأ لها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف قديما بالهلاك لأنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد!
سلبية إعلانات الفنانين
صحيح أن إعلان عز ليس الوحيد في إعلانات الفنانين الذي يحمل قيمة سلبية للمشاهدين ويرسخ مفاهيم لا يجب أن تسود بين الناس في المجتمعات التي تحترم نفسها، لكن تكرار الإعلان بمعدلات كبيرة جدا، وشعبية عز نفسه بين الشباب كفيل بتمرير الرسالة السلبية في مناطق اللاوعي لدى الكثيرين، وبالتالي كفيل بتحولها إلى نمط سلوكي متفق عليه مجتمعيا في وقت قريب، ومن الغريب بالنسبة لي على الأقل أن يكون عز نفسه شريكا في إعلان ثان يجمّل فكرة التحرش بالجنس الناعم من خلال سلسلة مشاهد بينه وبين الفنانة ياسمين صبري في إعلان للترويج العقاري، حيث يقدم التحرش في صورة لطيفة خصوصا في استقبال ياسمين له وإعجابها بما يفعله عز المتحرش، وهى رسالة لا تخطئها الأعين للشباب بأن الاصرار على التحرش بالفتيات ليس بالضرورة سلوك سيء وغير أخلاقي ومؤذ لللبنات، وإنما على العكس إنهم في حقيقة الأمر يفتنّ بالمتحرشين خاصة إذا كانوا يملكون الوسامة والمال مثل عز في الإعلان.
وغني عن التذكير كم حوادث التحرش التي ينتظرها مجتمعنا المسكين في الفترة القادمة من أبناء الطبقة التي يصطلح على تسميتها (الأثرياء الجدد) الذي راكموا أموالا ضخمة في فترات وظروف اقتصادية معينة دون أن يواكبها امتلاك منظومة قيم محترمة، وبالتالي لا يوجد لدى شباب هذه الطبقة في الأساس موانع أخلاقية تردعهم عن محاولة الحصول على ما يريدونه أو من يريدونها بأي طريقة فما بالك حين يزين لهم إعلان تليفزيوني مرخص السلوك المتحرش؟!
بالنسبة لي مثل إعلانات الفنانين تمثل حقول ألغام مدفونة في رمال المجتمع تنتظر الانفجار في أي وقت، وهى أخطر بكثير من مشاركة فنان في الإعلان عن بوكسرات أو غناء مطرب كبير أغنية مؤلفة خصيصا لمشروع سكني عادي يقل كثيرا عن قيمة الفنان وتاريخه الطويل، لأن مثل هذه الاعلانات وإن لم تكن محل ترحيب من المتلقين لأسباب مختلفة فإنها على الأقل لا تقدم السم في العسل ولا تحاول تجميل سلوكيات مرفوضة تزيد من حالة التدهور الأخلاقي المتفشية بين المصريين في السنوات الأخيرة.