ريهام حجاج .. جميلة شاشة دراما رمضان 2023
بقلم : محمد حبوشة
إن الأداء التمثيلي عند الفنانة الشابة ريهام حجاج ، يعتمد على التكوين الجسماني وفق بناء جسم الممثل نفسه وقدرته على التكيف وما يمتلكه من مرونة مطاوعة تؤثر في شكله وملامحه على الشاشة، وطالما هناك اختلاف بين الشخصيات المؤدية بعضهم عن بعض سواء في الهيئة، الإحساس، التفكير، المشاعر الداخلية فإن جميعها تمثل تطوراته، ومن هنا فإن ما تخزنه الممثلة ريهام حجاج من تجارب وخبرات في الذاكرة تجعل للأداء عندها مفهومان مختلفان، أحدهما يشتمل على استعراض المهارات والآخر يشتمل على استعراض الشكل أيضا، ولكنه استعراض لأنماط معروفة ومقنعة من السلوك أكثر من استعراض لمهارات معينة مثل فن أداء الممثل.
إقرأ أيضا : صرخة (جميلة) التى تأخرت كثيرا.. هل تصل لرئيس الجمهورية؟!
ولعله يبدو ملحوظا تطور أداء ريهام حجاج ، بشكل يكشف أن الأداء التمثيلي لديها كممثلة إلى إبرز الصفات الشخصية الفنية للدور والتي ترتكز في تفسيرها وتحليلها على مرجعيات فلسفية، جمالية، ثقافية، اجتماعية تتحول عن طريق التجسيد المادي إلى حقيقة صورية أمام المتلقي، وأداء (ريهام) يتجلى من خلال الفعل الذي يحقق الوصول إلى اكتشاف القيم الجمالية والمعرفية والعاطفية عن طريق جعل المشاعر محسوسة للمتفرج في تقيم العمل الفني، الذي هو ليس انعكاسا للواقع أي ليس وثيقة تاريخية أو اجتماعية وليس تعبيرا عن ذاتيتها كممثلة، بل هو وسيط بين الممثل والمتلقي، وعلى وفق هذا التصوير يتحرر العمل الفني الذي تقدمه ومنها على سبيل المثال تجلياتها الإبداعية في دورها بمسلسل (جميلة) في لوحة رمضان 2023.
تنوع أداء ريهام حجاج
وبمتابعتي لطريقة أداء ريهام حجاج ، أقول: إنه تتنوع أساليب أدائها ومعرفة أسلوب الأداء لكل شخصية تؤديها، كما تؤكد (جوليان هلتون)، أن الأداء التمثيلي ليس فنا تاريخيا ووصفيا فقط يعيد بناء التاريخ في صورة الشعر، بل هو أيضا فن ذهني نظري معرفي يتخيل عوالم بديلة ممكنة وهو ليس نشاطا تنفيذيا بل هو فن إبداعي ينشأ شيئا جديدا معتمدا الأصالة، ولأن عملية الإبداع في أسلوب أداء الممثل عند (ستانسلافسكي) هو تجسيد الدور وتقمـص الشخـصية ورفض الشكل الخارجي برمته وأن يعبر الممثل عن حقيقة الشخصية ودواخلها، فإن (ريهام) تدرك تداخل الوعي واللاواعي، أما الوجود في منطق عمل الشخصية، وهو مايطلق عليه بالمعايشة أي انسلاخ ذاتي حقيقي للممثـل عن شخصيته أي اغتراب حقيقي حتمي، فإن جانبا من هذا لاحظناه في شخصية (جميلة) التي استطاعت أن تتقمصها جيدا وتقدم دورا يضيف كثيرا إلى مسيرتها الفنية التي تتطور يوما تلو الآخر.
إقرأ أيضا : تخاريف محمد أمين راضي وبلادة إحساس ريهام حجاج
الورد كان وما زال جميلا رغم عدم تبديل ثوبه!، هذا الكلام ينطبق على ريهام حجاج ، على الرغم من بعض عثرات الطريق مثل مسلسل (وكل ما نفترق)، لكن ظني أن ريهام حجاج قدمت في مسلسل (جميلة)، واحدا من أجمل أدوارها، بمشاعر متناقضة، لفتاة تعيش أحداثا صعبة، بسبب صراع على الميراث بينها وبين شقيقها وشقيقتها، حيث أمسكت ريهام حجاج بخيوط الشخصية التي صاغها المؤلف أيمن سلامة باقتدار وبراعة مطلقة، وأن النجاح والتألق الذى وصلت له حجاج لم يكن وليد الصدفة ولم تأتيها النجومية منحة أو بدون وجه حق، فمنذ بداية دخولها الفن منذ عام 2010 وعملت على تطوير موهبتها والعمل عليها وفضلت التقدم بخطوات متأنية ومدروسة، ولم تسعى يوميا للانتشار على حساب قيمة الدور الذى تجسده، فكانت دائما صاحبة اختيارات صائبة بداية من تألقها في (سجن النساء، مرورا بالكبريت الأحمر، نصيبي وقسمتك، يونس ولد فضة، كارمن، لما كنا صغيرين، يوتيرن)، وتوالت النجاحات.
ريهام حجاج لا ترفض النقد
أهم ما يميز حجاج أنها لا ترفض النقد البناء ولم تهاجم يوما أى قلم وجه لها نقدا على العكس تقبلت النقد واشتغلت على العمل على نقاط ضعفها وجدوت من أدائها وإمكاناتها الفنية، وهذا أحد أهم أسباب تألقها وصعودها كنجمة تنافس نجمات الصف الأول واستطاعت أن تحجز لنفسها مقعداً ثابت في الصفوف الأولى، أيضا من أهم أسباب نجوميتها أنها لا تحتكر النجاح لنفسها كبعض النجمات التى تفرض شروطا على القائمين على العمل وأهم هذه الشروط تكون غالبا أن يكون النجم/ة محور الأحداث ويستأثر بالمساحة الأكبر له في العمل في محاولة لتهميش باقي الأدوار مما ينتج عنه ظهور عمل ضعيف غير متكافئ، وهذا من أهم أسباب عدم نجاح الأعمال الفنية الأخرى.
إقرأ أيضا : النساء يتفوقن على الرجال في دراما رمضان 2023!
على العكس ريهام حجاج تمتلك ثقة فى إمكاناتها الفنية ولا تخشى المنافسة امام أى ممثل أمامها بل على العكس فهى تعطى فرص كبيرة لزملائها وتشيد بهم، ولا تتدخل في صناعة العمل، بل الأمر متروك للمؤلف والمخرج فى تسكين الأدوار و إعطاء مساحات متساوية في الأدوار لكل أبطال العمل مما ينتج عنه نجاح العمل وشعور الارتياح لدى كل أبطال العمل، فكل ممثل يؤدي دور مهم وقد كتب بشكل يتوفر فيه كل مقومات النجاح من رسم الشخصيات بدقة وفرد مساحات متساوية لكل المشاركين في العمل، ولنا في مسلسل (جميلة) المثل في ذلك، فقد تألق إلى جوارها كل من (يسرا اللوزي، عبير صبري، هشام إسماعيل، أحمد وفيق، نبيل عيسى) وغيرهم.
أطلت ريهام حجاج في مسلسل (جميلة) بنضج وتميز شديد فظهرت بمنتهى النضج والاحترافية والتفاني، بفضل سيناريو أيمن سلامة المصنوع بدقة شديدة، ولأول مرة نرى بطولة جماعية حقيقية تتساوى فيها الأدوار، كما نرى ريهام بطلة العمل تسعى لنجاح العمل بأكمله وهذا نابع عن شخصية مثقفة محترفة ملمة وعلى دراية كافية أن النجاح لا ينسب للبطل بمفرده، ولن ينجح عمل استأثر فيه بطل العمل بكل النجومية والظهور لنفسه كما يحدث في غالبية الأعمال الفنية ويصبح باقى الشخصيات مجرد سنيده لهذا البطل الأوحد، وربما يرجع سبب ذلك إلى أن (ريهام) فنانة حقيقية تتطور بشكل كبير، وقد احتضنت كل الشخصيات وتركت لهم مساحات كبيرة بل متساوية مع دورها كبطلة مطلقة للعمل، كل هذه العوامل كانت السبب في تصدر العمل قائمة الأفضل في رمضان لذلك يحظى العمل بنسب مشاهدات كبيرة.
ريهام حجاج رئيس نيابة
كما قدمت ريهام حجاج شخصية جديدة عليها، فهى تقدم شخصية رئيس نيابة، شخصية حاسمة لا تحيد عن الحق، كما ظهرت لأول مرة وقد تخلت عن أناقتها المعتادة كما ظهرت في أغلب المشاهد بمكياج خفيف وأحيانا بدون مكياج تماما مما أعطى مصداقية للدور، بالإضافة لمعايشتها للدور وإلمامها بما يقتضيه تقديم دور شخصية قانونية رفيعة المستوى سواء على مستوى الدراسة النفسية والحقيقة لأبعاد الشخصية أو بالنسبة للمظهر الخارجي أو الانفعالات الداخلية للشخصية بشكل احترافي يؤكد موهبتها الحقيقية في التمثيل الحي.
الفنانة الشابة ريهام حجاج ولدت في مدينة ميلانو في إيطاليا وعاشت معظم حياتها هناك، درست في كلية الإعلام ثم تخرجت وعملت لفترة في مجال التسويق، وبدأت الفنانة الشابة مسيرتها الفنية عندما قدمت دور في فيلم بعنوان (سفاري)، والذي تم عرضه في عام 2010، ثم شاركت في الدراما من خلال دورها في مسلسل بعنوان (أزمة سكر)، ثم قدمت بعد ذلك دور في فيلم (وبعد الطوفان) والذي تم عرضه في عام 2012، وشاركت مع يوسف الشريف في مسلسل (اسم مؤقت)، والذي تم عرضه في عام 2013 وذلك بمشاركة النجمة شيري عادل، ثم قدمت دور فريدة في مسلسل (هبة رجل الغراب) والذي تم عرضه في عام 2014، 2015، ثم شاركت في مسلسل (سجن النسا) مع النجمة نيللي كريم وذلك في عام 2014، وجسدت ريهام دور نوارة.
إقرأ أيضا : صراع الأشقاء على الميراث.. تيمة تتكرر في الدراما الرمضانية الحالية
ثم شاركت بدور نورا مع النجم محمود عبد المغني وذلك في فيلم (كرم الكينج)، والذي تم عرضه في عام 2015، ثم قدمت دور صفا في مسلسل (يونس ولد فضة) مع النجم عمرو سعد، وقدمت العديد من الأعمال الفنية المتنوعة ومن أبرز أعمالها هو دورها في مسلسل (لما كنا صغيرين)، والذي تم عرضه في عام 2020 في الموسم الرمضاني وذلك مع الفنان القدير محمود حميدة والنجم خالد النبوي، ونخبة من النجوم.
أعمال ريهام حجاج الأولى
وكانت قد قدمت ريهام حجاج أدوراها الأولى في مسلسل (كاريوكا) في عام 2012، شربات لوز – 2012، وفي نفس العام رقم مجهول، نقطة ضعف – 2013، السيدة الأولى – 2014، بنات خارقات والكبريت الأحمر – 2016، وضع أمني – 2017، وقدمت لليينما غير فيلم (سفاري – 2010، أفلام : واحد صعيدي – 2014، يوم مالوش لازمة، كرم الكينج، سوء تفاهم – 2015، سطو مثلث – 2016، مولانا، القرد بيتكلم – 2017، رغدة متوحشة – 2018، لعنة الزمان في عام 2021.
أثارت الفنانة ريهام حجاج ضجة كبيرة في الموسم الرمضاني 2020، بعدما تصدرت بوستر مسلسل لما كنا صغيرين، والذي عرض في هذا الموسم، وأثارت الجدل بسبب الأسماء التي تشارك معها في المسلسل، وهم خالد النبوي، محمود حميدة، وتعرضت لبعض الانتقادات بسبب هذا الأمر، لكن بعد عرض المسلسل وإثباتها أنها تستحق مكانتها التي وصلت لها في التمثيل، تمكنت من جعل النُقاد في صفها، وكانت حملة الهجوم غير مبررة ضد بطلة العمل ريهام حجاج، جراء أن البعض يكره ريهام حجاج، لأسباب تخصهم، فيتحدثون عن فشلها في تمثيل الدور، كما يتحدثون عن فشل العمل الدرامي الذي تقوم ببطولته، وهو الفشل الذي لا يراه أحد غيرهم.
الهجوم على ريهام حجاج
تعمد الهجوم على ريهام حجاج؛ شديد الدلالة على كراهية البعض لها، والحكم على عملها الدرامي مسبقا بالفشل، ربما دون رؤيته أصلا؛ وهو ما يبرر انتشار الصورة المتداولة لها بأحد أزياء الدور الذي تقدمه، مع تعليقات السخرية اللاذعة من لبسها، في مشهد الخيانة، الذي أراه واحدا من أجمل مشاهد المسلسل، في تجسيد مشاعر صدمة الزوجة عند رؤية زوجها الخائن مع صديقتها (الأنتيم) التي تكشف لها كل أسرارها، وهما على سريرها، وفي غرفة نومها، مع تماس التحدي، وتغيير المشاعر، من الحب إلى الكراهية في نفس الوقت.
هذه الصورة لم تكن وحدها المؤشر على كراهية البعض لـ ريهام حجاج، بل شكل خبر إعلان الفنان توفيق عبد الحميد اعتزاله الفن؛ بمجرد انتهاء تصوير مسلسل يوتيرن، دليلا جديدا على هذه الكراهية، حين حمّلها البعض مسؤولية قراره بالاعتزال، رغم أن الفنان المعتزل نفسه، أكد أنه يعتزل الفن لأسباب صحية، ورغم أن مخرج ومؤلف العمل نفسه نفى هو الآخر أن تكون ريهام حجاج السبب – وهو أمر منطقي جدا- لأن ريهام كبطلة للعمل، من المؤكد أنها وافقت على عودته بعد غياب سنين طويلة لمشاركتها العمل، فضلا عن علاقتهما في الكواليس التي كانت جيدة جدا، ونظرة سريعة لتفاعل ريهام حجاج على تعليقاته على حسابه على السوشيال ميديا تكفي للتدليل على حسن علاقتهما.
لقد نجح معظم ممثلي المسلسل في تجسيد أدوارهم باقتدار، وعلى رأسهم الفنان الكبير توفيق عبد الحميد، وزوجته في العمل، صفاء الطوخي، فضلا عن عبير صبري وزوجها الذي يصغرها عمرا في المسلسل – كريم قاسم، حيث قدم الجميع أداء تمثيليا لافتا، واستطاعوا تجسيد شخصياتهم بقدرة لافتة للأنظار، والآن عزيزي الذي كنت تهاجم مسلسل (يوتيرن)، إذا كنت شاهدت العمل ولم يعجبك؛ فأنت حر، وأحترم رأيك، حتى إن اختلفت معه، أما إذا كنت تهاجم المسلسل بسبب فقط كراهيتك لـ ريهام حجاج، وحتى دون أن تراه؛ فنصيحتي لك بـ أن تعمل (يوتيرن) وتعود إلى الطريق الصحيح تشاهد المسلسل بتركيز أكبر، كما أنصحك بمشاهدة تحفتها الرائعة (جميلة) في موسم رمضان 2023.
وفي النهاية لابد من تحية وتقدير احترام للنجمة المتألقة ريهام حجاج – رغم أنف الكارهين – والتي وهبها الله عز وجل جمالا طبيعيا لم ينقص أبدا من موهبته الكبيرة في التمثيل، فقد تفوقت على نفسها فى أداء شخصية (جميلة) في رمضان 2023، إنطلاقا من فهمها العميق أن التمثيل كما هو معروف لون من ألوان الفنون التعبيرية التي هى بحاجة لتظافر كافة العوامل الإخراجية والفنية والأدائية الممكنة، والتي يعكس نجاحها عن مدى استيعاب المخرج للنص ومدى نجاحه في تجسيده واستشعار الممثل للدور الذي يقوم على تأديته، والذي يعتمد في أحد أوجهه على بلاغة الحوار والبناء الروائي بحسب قصة الكاتب الكبير أيمن سلامة الذي صنع حبكة درامية كفلت لها التفوق ولكل فريق العمل.