عبدالله غيث .. الفنان الذي أنصف الفلاح في السينما (1/2)
* توفى والده وعمره عام وعاش في منزل خاله العالم الديني الذي عشق منه اللغة العربية
* كان يعتبر شقيقه حمدي غيث مثله الأعلى وقدوته، وصلاح قابيل أطلق عليه (الشديد) !
* في سن التاسعة شاهد (مصرع كليوباترا) على المسرح القومي، وفي سن الحادية عشر سلم على يوسف وهبي
* فشل فى الدراسة فعمل في أرض العائلة كفلاح لمدة عشر سنوات
كتب : أحمد السماحي
عن الفنان الكبير الراحل عبد الله غيث، قالت الفنانة الكبيرة أمينة رزق في حوار جمع بيني وبينها أثناء بطولتها لواحدة من آواخر مسرحياتها وهى (الأرنب الأسود) على مسرح الطليعة الذي تقاسمت بطولتها مع الفنانة (سناء يونس)، وإخراج (عصام السيد) : هناك نوعين من الممثلين نوع يعاني من خمول روحي يؤدي دوره على نحو فردي، قد يكون مرضيا فى حدود كونه ينفذ المطلوب ويقوم بواجبه، ونوع آخر يتمتع بنشاط روحي على درجة كبيرة من اليقظة يحس بالمشهد كله، ويتفهم الشخصيات التى أمامه، وبالتالي يتيح لهم بأدائه فرصة لكي يعبروا عن أبعادهم على نحو أعمق وأكثر اكتمالا)، وعبد الله غيث هو واحد من أولئك الممثلين الأكثر عمقا واكتمالا.
الفنان عبدالله غيث، الذي كرمه المهرجان القومي للمسرح في دورته الرابعة عشر من هذا النوع إنه ممثل (شداد) بمعنى أنه يشد أذر الممثل الذي أمامه يعطيه بسخاء ويأخذ منه ويجعله أكثر تألقا، لهذا لم يكن غريبا أن يطلق عليه زميله الفنان (صلاح قابيل) بعد مشهد جمعهما فى أحد أعمالهما الدرامية لقب (الشديد)، الذي أصبح لصيقا به طوال مشواره.
عبدالله غيث.. مدرسة التلقائية
هذا الأسبوع سنتوقف مع العملاق عبدالله غيث، في باب (مظاليم الفن) لنتحدث عن مشواره الفني الذي لا يحظى بالحفاوة التى يستحقها، يجوز لأن كل فتوته الفنية كانت من خلال المسرح، وكل أعماله المسرحية لا تعرض إطلاقا، باستثناء عرض أو اثنين وعلى فترات متباعدة، أما أعماله السينمائية فمعظمها كانت أدوارا بسيطة لم تكشف عن موهبته الحقيقية باستثناء أفلام قليلة.
ينتمي عبدالله غيث لمدرسة الأداء التلقائي، والتلقائية الحقيقية لا تعني تلقائية الممثل كشخص كما يقول (توني بار) صاحب كتاب (التمثيل للسينما والتليفزيون)، بل تعني تلقائية الشخصية، وعلى هذا، ولكي يكون سلوك الممثل تلقائيا وصحيحا عن صدق فيما يتعلق بالأداء، فيلزم أن تكون كل تحضيراته جاهزة، بحيث يعتقد بكل ما يتطلبه الدور، وليس كما قد يستجيب الممثل شخصيا.
إقرأ أيضا : المهرجان القومي للمسرح يكرم سمير غانم ودلال عبدالعزيز وعبدالله غيث وإلهام شاهين
فالتلقائية الحقيقية لا تكون صادقة وحقيقية إلا إذا انغمس الممثل بالكامل في الدور، ويعني هذا أنه يوجد بعض أجزاء من الممثل عليه أن يضعها جانبا في سلة بحيث لا تتدخل فى أدائه، فالشخصية هى التى تعيش على الشاشة وليس الممثل، لذا يجب على الممثل أن تكون استجاباته ملائمة ومنسجمة مع الحياة التى يشكلها الدور وليست مع حياته هو الشخصية.
عبدالله غيث أنصف الفلاح المصري
يحسب للفنان عبدالله غيث أنه واحد من الفنانيين القلائل الذين أصلحوا المفهوم الفني عن الفلاح المصري، وغير صورته على الشاشة سواء في السينما أو المسرح أو التليفزيون، حيث كان يتضايق – كما ذكر هو في أحد البرامج – عندما كانت السينما في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات تقدم الفلاح المصري بطريقه مشوهه غير صحيحة، وتظهره على أنه ساذج أو أبله أو عبيط، فكان الفلاحين في القرى يسخرون من صورة الفلاح الفنية، حتى جاء (غيث) وغير هذه الصورة، وقدم تنويعات مختلفة للفلاح منها الفلاح الثائر، والمتمرد، واللئيم، والمطحون، والشجاع، وغيرها من النماذج البشرية للفلاح المصري الواقعي.
عبدالله غيث من بيت ديني
ولد عبدالله غيث، فى كفر شلشلمون مركز منيا القمح محافظة الشرقية، وبعد مولده بعام مات والده، وانتقلت والدته للعيش عند شقيقها العالم الديني الذي كان أحد أساتذة اللغة العربية، ويتحدث بها بطلاقة طول الوقت، ومن هذا (الخال) أحب الطفل (عبدالله غيث) اللغة العربية، وفى سن الطفولة عندما بدأ يدرك ويعي الحياة، كان شقيقه حمدي غيث مثله الأعلى وقدوته، رغم أن فارق السن بينهما ليس كبيرا – خمس سنوات – وفى هذه الفترة التحق (حمدي) بالمدرسة الابتدائية، وعشق الفن، حيث كانت تقام في نهاية العام حفلات مسرحية وغنائية، كان يشارك فيها (حمدي) بحكم كونه رئيس فريق التمثيل بعروض مسرحية من روائع المسرح المصري، وعندما كان يعود للبيت كان يقص لوالدته وشقيقه ما حدث بينه وبين زملائه الطلبة الممثلين، وبدون أن يدري زرع بداخل شقيقه الأصغرعشق الفن.
عام 1939 و عبدالله غيث في سن التاسعة ذهب فى إجازة الصيف مع شقيقه حمدي غيث لزيارة أحد أقاربهما في القاهرة، فأحب قريبهما أن يرفه عنهما فأخذهما إلى المسرح القومي لمشاهدة مسرحية (مصرع كليوباترا) تأليف أمير الشعراء (أحمد شوقي)، وإخراج (سراج منير) وانبهر الأخوين (غيث) بالعرض وبنجومه (حسين رياض، زكي رستم، أنور وجدي، زينب صدقي، عباس فارس) وسحر (عبدالله) بهذا العالم، وكان يعتقد أن هؤلاء النجوم مخلوقات أخرى غير البشر، حتى أن لمعة عنيي (حسين رياض) فى المسرحية ظل يتذكرها طوال مشواره.
وأحب (عبدالله) وهو فى هذا السن وعكس كل الأطفال المسرح التراجيدي، لدرجه أنه لم يكن يحلم فى طفولته إلا بشيئين لا ثالث لهما بالنسبة لمستقبله، أن يصبح فنانا شهيرا مثل (يوسف بك وهبي) مثله الأعلى فى هذه الفترة، أو فلاحا يزرع ويحرث أرضهم فى (كفر شلشلمون).
عبد الله غيث ويوسف وهبي
بعد عامين وهو في الحادية عشر ذهب عبد الله غيث، عام 1941 لزيارة شقيقة حمدي غيث، الذي استقر في القاهرة لظروف دراسته في معهد الفنون المسرحية، وفى أحد الأيام أخذه (حمدي) إلى السينما وبالمصادفة كان العرض الخاص لفيلم (ليلى بنت الريف) بحضور أبطاله (ليلى مراد، ويوسف وهبي)، وبعد انتهاء العرض التف الجمهور حول أبطال الفيلم، لكن إدارة السينما استطاعت أن تهرب (ليلى مراد) وتركت (يوسف وهبي) وحوله المئات من الجماهير، وحاول الطفل (عبدالله) أن يقترب من نجمه المفضل لكنه فشل، وحاول شقيقه (حمدي) أن يثنيه عن هذه المغامرة، لكنه شق الزحام حتى وصل إلى (يوسف وهبي) وسلم عليه، ولم يستطع أن يتفوه بأي كلمة عندما وقعت عينيه على عيني (يوسف وهبي).!
فشل عبدالله غيث في الدراسة
كان لزيارة عبد الله غيث الأخيرة للقاهرة ومشاهدته عن قرب لـ يوسف وهبي أثرا سلبيا في حياته، حيث عشق الفن أكثر، مما جعله يهمل دراسته، خاصة أنه كان تلميذاً شقياً يحب الهروب من المدرسة ليذهب إلى السينما والمسارح والحفلات الصباحية، وبالكاد حصل على الإعدادية، ثم التوجيهية، وظل بعدها يعمل بالزراعة فى قريته، ويشرف على أرضه لمدة عشر سنوات ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بمعهد الفنون المسرحية بإشراف أخيه (حمدي غيث) الذي عمل أستاذاً بالمعهد بعد رجوعه من بعثته بباريس.