نادية مصطفى تعود بقوة من خلال (يسلملي ذوقهم)
كتب: أحمد السماحي
سر شعبية نادية مصطفى الكبيرة يكمن في صوتها الذي حقق لها على امتداد عمرها الفني تميزا كبيرا، وذلك نظرا لما يتمتع به من حميمية، فصوتها صديق للأذن المصرية، بل لعله من أعز الأصدقاء، صوت دونت على أوتاره تفاصيل هويته كالبطاقة الشخصية ما أن تسمعه الأذن حتى تتعرف عليه في الحال دون احتياج لمذيع يقدمه، أو نوته بيانات تشرحه، والجميل أن صوتها مصريا خالصا لو غنت وسط عشرات الأصوات ستقول هذه السيدة مصرية.
لمست نادية مصطفى بصوتها أجمل الأوتار في المشاعر الإنسانية، لهذا كانت قبلة لعدد كبير من أساطين اللحن، فبعد تقديمها لألبومها الأول (مسافات) مع مكتشفها الملحن الكبير محمد سلطان، أقبل عليها العبقري بليغ حمدي، ولحن لها (ولا ينقصنا إلا رؤياك، ولأ ده كتير)، وغنت للمبدع المظلوم حسن نشأت (سلامات، والصلح خير)، واختارها كمال الطويل المقل جدا لغناء واحد من أجمل ألحانه الإنسانية (ويهل من تاني القمر)، ولحن لها المبدع محمد الموجي (عرفاه على قد حاله)، كما خاض معها الموسيقار حلمي بكر تجربة الأغنية الطويلة في (قلت ايه)، وقدم لها العبقري عمار الشريعي ألبوما كاملا بعنوان (جوابات)، وكانت من أوائل من قدموا الأغنية الخليجية من خلال لحن (بكل لغات العالم) ليوسف المهنا.
إقرأ أيضا : بعد تصدر حفله التريند .. هاني شاكر هو العلاج الرسمي للقضاء على الغناء الهابط !
ولم يقتصر عطاء (التمرحنة) نادية مصطفى على هؤلاء فقط، ولكنها تعاونت مع أبناء جيلها من الملحنيين الرائعين مثل (سامي الحفناوي، صلاح وفاروق الشرنوبي، جمال سلامه، محمد ضياء) وغيرهم، وكل هؤلاء أبرزوا جمال صوت نادية مصطفى، وأشجونا من مناطق غنية بالانفعال في صوتها، وشدوا أحلى ما في صوتها من أوتار، وعرفوا كيف يستثمرون الحزن الأصيل في صوتها، ورنة الفرح المنطلقة التى تحث على البهجة والسرور، من خلال ألحان عاطفية وشعبية بارعة نافذة مؤثرة في تبهيج الحزن وتخليصه من المشاعر المريضة الباعثة على الكآبة، والتكريس للمشاعر الصحية المشرقة الباعثة على التعاطف الإنساني والتواد والمؤانسة.
نادية مصطفى.. يسلملي ذوقهم
الحديث عن مشوار نادية مصطفى يطول ويطول لأنها قدمت كل ما هو جميل وراقي ومحترم عبر مشوارها الفني الثري، والواحد منا ما بيصدق يجد لها عمل فني جديد للحديث عن هذه الراقية المهذبة التى سعدت جدا بأغنيتها الجديدة المصورة التي طرحتها أول أمس بعنوان (يسلملي ذوقهم)، كلمات الشاعرة الرقيقة نور عبدالله، ألحان مصطفى العسال، توزيع الهامي دهيمة، أحمد حسام، اخراج المخرجة اللبنانية رودينا حاطوم.
كتبت كلمات الأغنية الشاعرة المقلة في كتاباتها نور عبدالله صاحبة الأيقونة الوطنية العاطفية الشهيرة (ماشربتش من نيلها) التى قامت بغنائها شيرين عبدالوهاب، الجميل في كلمات أغنية نادية مصطفى الجديدة (يسلملي ذوقهم) أنها تحمل مفردات مختلفة وغير مستهلكة، ويمكن أن تعتبرها أغنية وطنية تتحدث عن الشعب المصري وصفاته الكريمة، وتقول دون أن تصرح أن مصر ستظل أم الدنيا قلب العروبة النابض رغم أنف كل حاقد وكاره، ومواقف مصر الثابتة تجاه الأشقاء العرب كانت ولاتزال وستظل ثابتة لا تتغير، تتميز بالوفاء والحب والإخلاص.
إقرأ أيضا : النجاح التجاري أبعد (مهرجان الموسيقى العربية) عن رسالته الحقيقية!
ويمكن أيضا أن يفهم البعض كلماتها على أنها تتحدث عن الوفاء والشهامة والإخلاص والحب الذي يجمع مصر والأشقاء العرب، حيث تقول في بدايتها:
يسلملي ذوقهم اللي احنا ذوقهم
عاليين فى عينا ولا حد فوقهم
غاليين فى سوقنا غاليين فى سوقهم
وان غابوا ندعى الله يسوقهم
هما اللي الدلع يبقالهم لايق
بيقيدوا قلبي بنظرة حرايق
هما وبس لقلبي شقايق
دول موصوفين لدوايا
نادية مصطفى.. أصالة ووفاء
وبعيدا عن هذا التفسير أوذاك يمكن للبعض من العامة أن يعتبر أن الأغنية تتحدث عن طبع الوفاء والعشم الذي يميز الحبايب والأصدقاء الذين يشبهون بعض، والذين مهما غابوا عن بعض، تجد الأصالة والوفاء عنوانهم حيث تقول في جزء منها :
فينا عشمهم وعشمنا فيهم
ومهما غبنا نيجي نلاقيهم
وان غابوا عمر ييجوا يلاقونا
على ماسابونا بحطة ايديهم
مصطفى العسال ومقام البياتي
لحن الدكتور مصطفى العسال أغنية (يسلملي ذوقهم) من مقام البياتي، وهو مقام يجمع بين الشجن والرقة والحزن والفرح، وهو أيضا مقام الشوق والحب والعتب، ويحمل إحساس النداء والانتظار واللهفة، وفي نفس الوقت هو مقام متقلب المزاج، فهو يمكن أن يكون هادئا وذو شجون ويأخذك بعيدا في خيالاتك وأحلامك عندما يتطلب اللحن ذلك، وقد يكون حَرِكا مطربًا إذا جاءت ألحانه مقلوبة وعلى إيقاع سريع، وقد لحن (العسال) الأغنية من الإيقاع المقسوم، وساعده في إبراز جمال الألأت توزيع الهامي دهيمة، وأحمد حسام حيث ترجما الحالة العاطفية للأغنية بشكل متميز جدا، وكانا موفقين جدا في إختيار (السيد الحسيني) عازف المزمار البلدي الشهير ليفتتحوا به الأغنية مع (دندنات وليالي من نادية مصطفى).
جمال صورة نادية مصطفى
قامت بإخراج أغنية (يسلملي ذوقهم) ككليب المخرجة اللبنانية الواعدة رودينا حاطوم، التى تفوقت في تصوير الكليب وملأت الكادرات بالجمال والحركة، ولجأت إلى أماكن سياحية هامة، وأبرزت جمال هذه الأماكن التى شاهدنها مئات المرات من قبل، لكننا هنا شعرنا أننا نشاهدها لأول مرة، حيث صورت الكليب في منطقة الأهرامات، ونصبت (جلسة عربي) تجمع بين نادية مصطفى التى تمثل الفتاة المصرية، ومجموعة من الفتيات العربيات، كما صورت أيضا في قصر (الأمير محمد علي)، وشكلت أماكن التصوير التى اخترتها (رودينا) تكاملاً مع الأجواء التى تتحدث عنها الأغنية بشكل رائع.
كانت نادية مصطفى في هذا الكليب في أجمل حالاتها، كصوت ومظهر، حيث أطلت بأربع إطلالات مختلفة تميزت فيهم جميعا، وكانت موفقة مع (الاستايلست) في اختياراتهم، وبعيدا عن (اللوك) الجميل الراقي، وبحكم خبرتها الطويلة في عالم الغناء فهمت أن اللحن شحنة انفعالية تترجم مدلول الكلمات وتكاد تشرح معانيها وأبعادها، لهذا ترجمت اللحن بكل مشاعرها ومن قلبها، وقلب نادية مصطفى هو صندوق النغم الحساس، مبطن من الداخل بمادة عاطفية سخنة ذات وهج، ذات عراقة نغمية مسجلة على جيناتها الوراثية، مما يضاعف من رنين النغم في قلبها قبل الصعود إلى صدرها لتصفيته وتنقيته لكي ترسله الحنجرة أطيافا شديدة النقاء ترسم في الأسماع حدائق للبهجة والسرور ونشوة الشعور.
في النهاية لابد من توجيه كلمة شكر للشركة المحترمة الراقية (Lifestylez Studios) التى للأسف لا أعرف أصحابها حتى أشكرهم جميعا، لأنني بحكم متابعتي لإنتاجها وجدتها شركة يبدو أن القائمين عليها لديهم ذوق فني عالي، من خلال حسن اختياراتهم للأصوات التى يقومون بالإنتاج لها، ويكفى أنهم أعادوا لنا صوت التمرحنة نادية مصطفى بشكل جميل ومحترم، لا أملك إلا أن أقول (يسلملي ذوقهم).