هشام شربتجي.. رحيل شيخ كار الدراما السورية
كتب: سامر عوض
خيم الحزن على الوسط الفني السوري أمس واليوم وسيظل طويلا خلال الأيام القادمة، برحيل شيخ كار الدراما السورية المخرج هشام شربتجي، عن عمر ناهز 75 عاما، أحد أهم وأبرز صناع الدراما، وأكثرهم تأثيرا من خلال ما قدمه من أعمال تلفزيونية رسمت الابتسامة على وجوه المشاهدين السوريين والعرب، وشكلت جزءا من وعيهم، وذاكرتهم على مدى سنوات، ولم يقتصر تأثير المخرج الراحل (هشام شربتجي) على ما قدمه من الأعمال الكوميدية، بل قدم أعمالا تلفزيونية سورية أخرى رصدت تحولات المجتمع السوري وجسدت همومه، ودقت جرس الإنذار لتنبه لخطورة هذه التحولات الاجتماعية، منها (تآكل الطبقة الوسطى، الفساد، واليوميات القاسية التي يعيشها سكان ما يعرف بمناطق العشوائيات المحيطة بدمشق، والمجاورة لها)، من خلال عدة أعمال تظل علامات بارزة في صدارة المشهد الدرامي السوري.
هشام شربتجي شيخ الكار بجدارة
نعم خطف الموت اليوم شخصية سورية لها أثر على صعيد تقدم الدراما العربية، هو شيخ الكار بجدارة المخرج هشام شربتجي، صاحب الهم الوطني الذي منه انطلق ليؤدي رسالته الفنية والثقافية الغنية التي ستتوالد أجيال وأجيال.. هو من صناع الدراما السورية الراقية، قائد العمل الفني والغني بما قدم لسوريا، حين أسهم في رفع ذائفة شعبها، لم يقبل هذا المضحي أن يبيع القضية بثلاثين من الفضة كما فعل غيره، من تجار الدراما وفجارها.
إقرأ أيضا : منافسة شرسة بين نجوم شاشة دراما رمضان 2023 العربية
هو شخصية عاقلة مثقفة يعرف ما له وما عليه، حافظ على شغفه الأول حتى الاخر.. يرحل الجسد وتبقى الروح متوالدة من جيل إلى آخر، فكيف ننسى (يوميات مدير عام، ومرايا) وغيرها الكثير من الأعمال العربية التي نقلته ونقلتنا الى مكان آخر.. قل لمن غادرنا إن وضع الدراما ليس بخير بسبب حفنة من الجهلة، على أمل أن تعود الرسالة إلى الولادة من جديد بيد من حديد.
أعمال بارزة لـ هشام شربتجي
رحل (هشام شربتجي) بعد مسيرة فنية غنية أثرى من خلالها الدراما السورية والعربية بأعمال بارزة ومتنوعة، وفارق شربتجي الحياة في أحدى مستشفيات دمشق، بعد تراجع حالته الصحية في الفترة الأخيرة، إثر تعرضه لجلطة دماغية قبل نحو عامين، ونعت نقابة الفنانين في سوريا المخرج الكبير، وجاء في تغريدة لوزارة الإعلام السورية على موقع تويتر: (نقابة الفنانين في سوريا تنعي المخرج الكبير هشام شربتجي الذي توفي صباح اليوم عن عمر يناهز الـ 75 عاما بعد معاناة مع المرض)، وكتب ابنه (يزن) على صفحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي: (شكرا على كلّ شيء، الرحمة لروحك).
كما نعاه عدد كبير من نجوم الفن السوري الذين عملوا معه طوال رحلته الطويلة، فكتب النجم والممثل السوري (بسام كوسا): (الرحمة لروح شيخ الكار والمخرج الكبير)، وكتب (عابد فهد): (رحل عني اليوم من كان معلمي الأول، رحل جسدا فقط لكن روحه ستبقى عالقة معي بكل تفاصيلي، في كل لحظة علمني فيها كيف أقف خلف الكاميرا وأدير حركتها، في كل لحظة ناديتها فيه (بابا) ووجدته بجانبي، في كل كلمة قالها لي يوما وتقبلتها أو حتى رفضتها، في كل عناق وحب وفخر).
ياسر العظمة وهشام شربتجي
أما (ياسر العظمة) الذي رفيق درب مرايه فنعاه قائلا: (في يوم ميلادي يرحل عنا صديق عزيز بدأنا معا مسيرة الفن الطويل، فاستعذبنا البدايات، رحمة الله عليك ياصديقي الغالي (هشام) وتعازيَّ الحارة لابنته (رشا) ولابنه المخرج والمصور (يزن) ولكافة أسرته وأقربائه.. أسكنه الله جنانه، وغفر ذنوبه جميعا وماا لبقاء الا لوجه الله)، ومن جانبها نعته النجمة الكبيرة (أمل عرفة) قائلة: شيخ الكار صاحب الفضل على الكثيرين من الممثلين والممثلات (وأنا منهم) والفنيين وعلى الدراما السورية.. اليوم يرحل.. اليوم ترتاح روحه من عناء مرض طويل.. تاريخك باق معنا حتى نرحل نحن أيضا.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
إقرأ أيضا : قصي خولي .. ابتسامة ساحرة تصحبها حالة من النضج الدرامي
وكتب (قصي خولي) كلمة مؤثرة ومصحوبة بنبرة حزن حار حيث قال: شيخ الكار، لم تطلق مجانا أبدا على (هشام شربتجي)، لكل شيء يسأل في هذه المهنة، لكل تفصيل ابتداء من الكاميرا، الصوت، الصورة، العدسات، المونتاج التقنيات الأحدث والاقدم، عن إدارة الممثل، النص وأخيرا الإخراج كان جوابه عندك.. كل التفاصيل كانت تلقى تحت هذا الحاجب الشامخ ونظرة الصقر التي لن ننساها جميعا، الكل تعامل معك محبين كانوا أم غير محبين لا أحد يستطيع أن ينكر شيخ الكار وما ترك في درامانا السورية والعربية. سنفتقد كثيرا ولكن الكبار أمثالك إرثهم حاضر دائما.. وداعا أستاذي.. وداعا يا شيخ الكار.. وداعا هشام شربتجي.. إنا لله وإنا اليه راجعون، عزائي لـ السيدة رشا شربتجي والسيد يزن شربتجي والسيد أيمن شربتجي وكل الأهل والأقارب.
شكران مرتجى: صانع الفرح
وكتبت النجمة الكوميديا صاحبة البصمة الخاصة في أعماله (شكران مرتجى): أستاذي صانع الفرح نساج الحكايات الماهر، يامن صنعت للكثيرين ذكريات وللجميع أنت في الذاكرة، أنا اليوم أفتقد أحد أفراد عائلتي والله والله والله، ذهبت يا أستاذ أيامنا الحلوة، كان الأستاذ يحب اقتناء الساعات والآن توقف الزمن يا حبيبي، أرقد بسلام، إنا لله وإنا إليه راجعون)، وجاءت كلمة النجمة المتألقة (كاريس بشار) على نحو مقتضب قائلة: جمعتنا الأيام الحلوة والكثير من المذكرات والأعمال التي لا تنسى.. هشام شربتجي لروحك الرحمة والسلام وعزائي لعائلتك الكريمة وللأصدقاء (رشا ويزن)، كما نعاه النجم السوري (باسم ياخور) الذي شاركه في عدة أعمال، في منشور عبر صفحته على (فيسبوك)، وصفه فيه بأنه (صانع الضحكة) و(معلم المهنة).
إقرأ أيضا : محمود نصر.. يقود كتيبة المبدعين في (مربى العز)
أما الفنانة (سوزان نجم الدين) فقد نزلت خصيصا من دبي إلى سوريا لتقديم واجب العزاء في المخرج الراحل وقد نعته بهذه الكلمات المؤثرة : هشام شربتجي إسم أكبر من كل السطور والكلمات، حفر اسمه عميقاً في تاريخ الدراما السورية فقدّم تحفاً فنية لاتنسى، وأضافت نجم الدين: على الصعيد الشخصي فقد كان أبا وصديقا مفعما بالحب والحياة والوطن، رحيلك محزن جدا خاصة لمن يعرف ذلك الشغف الفني والوطني والإنساني الذي لم يغادرك أبدا حتى مع رحلة المرض.
فنم قرير العين أيها الغالي فلعلك ذهبت إلى مكان أجمل وأرحب بإذن الله، رحمك الله أيها الأب والصديق وعزائي الشديد لنا ولأختي الحبيبة وصديقتي رشا شربتجي التى نهلت منك حب الفن، وصعدت به إلى أعلى المراتب لتكون لك فخرا، ولنا، وفي النهاية العزاء لكل عائلته الحبيبة لهذا الفقدان الأليم، انا لله وانا اليه راجعون).
جدير بالذكر أن هشام شربتجي يعد أحد مؤسسي صناعة الدراما في سوريا، وأحد أبرز المخرجين عبر تاريخ الدراما السورية والعربية، ولد في 2 مارس من عام 1948 في حي المهاجرين في العاصمة السورية دمشق، وذهب إلى مصر ليحقق حلمه في أن يصبح طيارا، وقرر الدراسة في معهد الطيران في إمبابة، لكن المعهد تعرض للدمار بسبب الحرب، مما دفع به لدراسة الفنون والأدب المقارن، وقال شربتجي عن حلمه هذا: (كنت في شبابي أحلم بأن أصبح طيارا، لكن الأقدار شاءت أن أصبح مخرجا)، درس شربتجي في المعهد العالي للفنون المسرحية في مصر حيث حصل على درجة البكالوريوس، ثم سافر إلى ألمانيا وتابع دراسته الفنية هناك وحصل على ماجستير في المسرح.
أبناء هشام شربتجي
وتزوج (شربتجي) من سيدة مصرية، لكنه انفصل عنها فيما بعد، وأنجب منها ثلاثة أبناء من بينهم ابنته المخرجة (رشا شربتجي) التي ورثت المهنة عن أبيها وبرزت في مجال الدراما، وابنه المخرج والمصور (يزن شربتجي)، وفي إحدى المقابلات التلفزيونية قال (شربتجي) إن عمله في مجال الإخراج أفقده الكثير على الصعيد الاجتماعي والأسري فبحسب تصريح له قال: (مشواري الفني منحني محبة الناس، وربما كراهية عائلتي، فقد جعلني أخسر حياتي الاجتماعية)، ومع ذلك كان متصالحا مع فكرة الموت حيث قال: (لقد اكتشفت بعد رحلة طويلة أن الحياة أقصر من الحلم، وأنا أحب الحياة، لكني أيضا أحب الموت لأنه شكل آخر للحياة).
هذا ويعد المخرج السوري الراحل (هشام شربتجي) من مؤسسي نهضة الدراما السورية، وقد قدم أعمالا شكلت علامات فارقة في المشهد التلفزيوني السوري والعربي، إذ أخرج العديد من الأعمال المميزة التي تناولت قضايا مهمة سواء بقالب جدي درامي، أم بأسلوب ساخر ناقد، وكانت بداياته في إذاعة دمشق، إذ أخرج أعمالا إذاعية عديدة، وقدم تجربته الإخراجية الأولى في التلفزيون في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان أول ما أخرج برنامج (الأنيس والجليس)، ثم أخرج مسلسل (تلفزيون المرح).
إقرأ أيضا : ياسر العظمة .. فيلسوف الكوميديا الغائب عن المشهد
في عام 1982 بدأ (هشام شربتجي) في إخراج سلسلة مسلسل (مرايا) الشهير إلى جانب النجم والممثل الكبير والقدير ياسر العظمة، وهو مسلسل كوميدي ناقد يتناول في حلقاته العديد من القصص والحكايات بأسلوب كوميدي ساخر، ينتقد فيه الأوضاع السياسية والاجتماعية في سوريا والبلاد العربية، وحقق مسلسل مرايا نجاحا جماهيريا كبيرا، وقد شارك فيه مجموعة من أهم الفنانين السوريين، كما في جعبة (شربتجي) العديد من المسلسلات الكوميدية التي حفرت في الذاكرة السورية ولاقت رواجا عربيا، أبرزها إلى جانب مسلسل (مرايا) مسلسلات (عيلة خمس نجوم، يوميات مدير عام، بقعة ضوء،مبروك)، ومن أبرز أعماله الدرامية أيضا (أسرار المدينة، أيامنا الحلوة، رجال تحت الطربوش، جرن الشاويش، رياح الخماسين، والمفتاح).
هشام شربتجي وصدق عين المشاهد
تميز أسلوب الراحل الكبير (هشام شربتجي) بقربه من الواقع، وكان يرى أن عين المشاهد هى الأصدق على الإطلاق فعلى حد قوله: (عندما بدأت مسيرتي المهنية جئت إلى بيئة مختلفة تماما عما تعلمته أكاديميا، وكان ينبغي على التنازل عن كل شيء تعلمته، ووجدت أن الأصدق في الفعل أن أتبع إحساس عين المشاهد لأنها أفضل من عين المخرج، وبالمحصلة فإن المخرج يحاول أن يحقق المعادلة بين تجريد الورق والنصوص، وواقعية الحياة).
وقد انسحبت ألقاب عديدة على المخرج الراحل (هشام شربتجي)، أشهرها (شيخ الكار)، و(ملك الكوميديا)، لما له من بصمة لا تمحى وأعمال لا يمكن نسيانها، لكنه لم يكن يحفل بالألقاب، وفي هذا الصدد قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية: (لدي ألم لا أريد أن يظهر للناس، أسموني شيخ الكار كذبا، وأسموني ملك الكوميديا كذبا، فبداخلي ألم كبير لا أريده أن يخرج للجمهور، فلندع الناس متفائلين.. لأني للأسف متشائم جدا)، ولكن (شربتجي) الذي أغنى الدراما السورية والعربية كان يأمل بأن يترك بصمة خاصة، ومما لا شك فيه أنه قد حقق أمله كما عبر عن ذلك بنفسه: (حاولت أن أقدم محبة.. أن أقدم صناعة مهنة أشخاصها يكنون الاحترام لبعضهم البعض، ويكملون بعضهم البعض.. ويكفيني شرف المحاولة.. فأنا أحب هذه المهنة).
ولهذا أكد له كل تلاميذه ومن تعاونوا معه في لوحة الدراما السورية وهم يودعونه إلى مثواه الأخير، قائلين في صوت واحد: (لن نذكرك لأننا لن ننساك، ولن يرحل سوى جسدك أما رسالتك فباقية)..سلم على حاتم علي وخالد تاجا وعبه جي وكلاس.. رحمك الله!