بقلم الإعلامي: أسامة كامل
أنقذتها المطربة (حياة صبري) وفتحت لها طريق الفن لترد لها الجميل وتنقذها من أزمتها بعد 40 عاما، تبدأ القصة فى عام 1920 و بعد انتهاء ثورة 1919 رغبت سيدة مصرية يهودية في أن تقوم بشراء بعض الأقمشة التي تحتاجها، وقامت باصطحاب طفلتها الصغيرة معها (بوليني) التي اقتربت من عمر الست سنوات، نزلت السيدة اليهودية بصحبة ابنتها إلى أسواق الغورية لرؤية أنواع القماش الصالحة للاستعمال.
ولأنَّ السيدة اليهودية المصرية مثلها مثل أى سيدة مصرية أصيلة فلقد كانت مهتمة جداً بمعرفة أنواع وأحوال القماش وطبعاً أسعاره فانشغلت عن ابنتها التي اصطحبتها فتاهت الطفلة (بوليني) من أمها، جلست بوليني على رصيف الشارع تبكي بشدة فلمحتها سيدة مصرية وهى المطربة (حياة صبري)، وهي مطربة مصرية لمع اسمها في الربع الأول من القرن العشرين بالاقتران مع أباها الروحي الموسيقار سيد درويش.
رقَّ قلب المطربة (حياة) لمنظر الطفلة فقامت بتهدئتها حتى توقفت الطفلة عن البكاء، وذهبت بها إلى قسم الشرطة للإبلاغ عنها لكن لم يطاوعها قلبها أن تترك الطفلة فى قسم البوليس تقضى ليلتها فطلبت من مأمور القسم أن تحتفظ بالطفلة حتى يظهر أهلها وتقوم بتسليمها لهم، فوافق مأمور القسم على هذا الطلب.
بعد خروجها من القسم ذهبت المطربة (حياة صبري) مع الطفلة بوليني إلى إحدى المسارح في القاهرة لأداء بروفات إحدى الأوبريتات، وكان في انتظارها الموسيقار (سيد درويش ونجيب الريحاني وبديع خيري) الذين عرفوا بقصة الفتاة، فقام الريحاني بالمزاح معها وغنى لها سيد درويش للتخفيف عنها، و بعد انتهاء البروفات عادت المطربة حياة صبري مع الطفلة بوليني إلى منزلها، وقضت الطفلة (بوليني) ليلتها في منزل المطربة، وفي منتصف الليل حضر أبوى الطفلة إلى منزل المطربة بعد أن أخذا العنوان من القسم، ولكن المطربة رفضت أن تعطيهم الطفلة إلا فى الصباح لأنها نائمة ثم استضافتهم عندها هذه الليلة.
وجاء الصباح واستيقظت الفتاة لتجد أباها وأمها، ارتدت ملابسها واستعدت لمغادرة منزل المطربة حياة صبري وتوديعها.. كانت تلك الليلة هى ليلة فارقة في حياة (بوليني) ، لم تصدق الفتاة نفسها أنها صافحت (الريحاني و سيد درويش وبديع خيري) و بدأ تعلق قلب الفتاة بعالم الفن، كانت أسرة (بوليني) مهتمة جداً بتعليم الفتاة تعليماً راقياً كونها سليلة عائلة ثرية ﻭراقية في المجتمع اليهودي المصري، لكن بوليني خذلتهم فلقد سحرها عالم الفن، بدأت بوليني تعد نفسها للدخول إلى عالم الفن فالتحقت بفرقة (فاطمة رشدي) كمغنية وعملت مع (بديعة مصابني وبشارة واكيم)، خطوه خطوه تدرجت في الفن ورغم أنها تخصصت بعد ذلك في أدوار الشر إلا أنها نجحت بمهارة في أن تكون (أيقونة الشر) في العصر الكلاسيكي للسينما المصرية وأصبح اسمها الفني (نجمة إبراهيم).
كانت الفنانة (نجمة إبراهيم) على خلاف أدوراها في السينما المصرية، فقد كانت سيدة حنون طيبة ورقيقة القلب تمد يد العون للمحتاج والفقير ﻭالمسكين، وعرف عنها وطنيتها فكانت مؤيدة للملك فاروق رحمه الله ﻭعند قيام حركة يوليو 1952 لم تتوقف مواقفها الوطنية حيث دعمت المجهود الحربي مراراً، ولم تلق هى ﻭأسرتها مصير كل العائلات اليهودية المصرية.
فى يوم أخبرتها خادمتها أنَّ هناك أم تبيت ليلتها في المقابر بعد أن انقطع سبل العيش بها بعد استشهاد ابنها الضابط في القوات المسلحة في حرب العدوان الثلاثي عام 1956، كانت هذه الأم تدعى (أم جميل)، فطلبت الخادمة منها أن تساعدها ولو بالقليل فرقَّ قلب (نجمة إبراهيم) لتلك السيدة، وذهبت بنفسها إلى المقابر لتشاهد تلك السيدة، وبعد أن وصلت لها اكتشفت الفنانة (نجمة إبراهيم) أن تلك السيدة هى المطربة (حياة صبري)!
بكت الفنانة العظيمة وهي تشاهد الزمان وغدره من مطربة كانت تُفتح لها أبواب أضخم المسارح إلى امرأة عجوز متسولة تنام في المقابر، فأخذت (نجمة إبراهيم) تتحدث إليها و تُذكِّرها بليلةٍ مَرَّ عليها أكثر من أربعين ﻋﺎﻣﺎً، واصطحبتها نجمة إبراهيم إلى منزلها و كأنَّ القدر يُعيد نفسه، واتصلت نجمة إبراهيم بنقابة الموسيقين وبالزملاء في الوسط الفني بالقوات المسلحة تطلب منهم العون لامرأه غدر بها الزمان و فقدت ابنها فداءاً للوطن، و نجحت فى مسعاها ونالت المطربة (حياة صبري) بعد ذلك بعض التقدير حتى توافاها الله بعد شهور قليلة!