بقلم: علا السنجري
رواية (كونت دي مونت كريستو)، ما تزال ملهمة للدراما العالمية والمصرية، فكرة الظلم غير المتوقع من أقرب الناس ثم الانتقام لتظهر الحقيقة، ففي الدراما المصرية فيلم (أمير الانتقام )، من بطولة أنور وجدي، ثم إعادة العمل بالألوان في (أمير الدهاء)، من بطولة فريد شوقي، ثم إنتاجه بشكل حديث في فيلم (دائرة الانتقام) بطولة نور الشريف، يعود هذا العمل من جديد للظهور لكن هذه المرة عمل درامي وليس فيلم في 15 حلقة، كما ذكر صناع العمل في بداية التتر، فهل استطاع مسلسل (رشيد) تقديم العمل بفكر وإبداع مختلف؟
الاختلاف جاء في حبكة السيناريو الذي كتبه (وسام صبري)، استخدم تقنية التوازن الزمني بين الحاضر والماضي ليجعل المشاهد في شغف ليعرف الحقيقة التي تظهر بالتدريج وفي سلسلة أحداث منطقية إلى حد كبير، حوار غير تقليدي ومشاهد غير معتادة، وذلك لخلق قصة جديدة وليست معادة أو تقليد لعمل آخر، وتأتي النهاية بشكل قانوني لتحقيق الانتقام للبطل ممن ظلموه وإظهار الحقيقة.
رسم الشخصيات في كل المراحل جيد إلى حد كبير، جاء تركيز الكاتب على دوافع كل واحد منهم لارتكاب الشر، فهي شخصيات تحب (رشيد) ولديها وفاء له، فلم يكن غرضهم القتل وتوريط (رشيد)، لكنهم في ذات الوقت لديهم نوازع لارتكاب الشر والاستمرار فيه، خاصة بعد ما عرفوا هروب (رشيد) من السجن وحصل على سبائك الذهب، ربما كان هناك بعض الأخطاء في تفاصيل القضية التي تورط فيها (رشيد)، وتفاصيل تورط ابنه في المخدرات وبيع الأعضاء، أعتقد أنها أخطاء يتغاضى عنها المشاهد العادي أمام التمثيل الجيد والرتم السريع، لكنه وقع في خطأ النهاية السريعة التي جاءت في آخر حلقة بعد شرح مطول للتفاصيل والأحداث.
أظهر السيناريو دور الدولة ورجال الشرطة في تطوير السجون وتعقب الجريمة بأحدث الطرق، لكنه أيضا أظهر أن تحقيق العدالة بالقانون جاء بإرادة (رشيد) في النهاية، وليس على يد المحقق العقيد فؤاد، وفي ذات الوقت أوجد مساحة لنقد غياب دور الدولة في متابعة دور الرعاية الاجتماعية للمشردين، من خلال شخصية ابن رشيد (سيف) الذي قضى في الملجأ سبع سنوات وهرب منه دون أن يجيد الكتابة والقراءة، تحول إلى مروج مخدرات وتجارة الأعضاء، ولا احد يخرجه من هذه الدائرة دون عقاب قانوني سوى والده رشيد.
يبدأ العمل بمشهد افتتاح مركب سياحي يمتلكه رشيد، يحضر له صديقه (صلاح) شابا معتقدا انه ابن رشيد، لتكون نقطة البداية في البحث عن سيف ابن رشيد، ويثبت براءته خاصة أنه هارب من السجن ليعود بنا إلى الماضي لنجمع قطع البازل لقصة رشيد .
إدارة السيناريو بشكل ناجح على يد المخرجة (مي ممدوح)، في أول أعمالها، جعلت الصورة قطع متناثرة من السرد في الانتقال بين الماضي والحاضر، الانتقال بين المشاهد جاء بإتقان شديد في كل التفاصيل، مثل الأغاني والأحداث التي تظهر في خلفية السرد للماضي، تفاصيل الأماكن ورنات الموبايل وأنواعه لتستحضر الزمن الماضي جيدا، ويظل المشاهد في حالة التركيز لجمع قطع اللغز من الماضي.
موسيقى (راجح داود) أحد عناصر العمل الناجحة جدا، جاءت معبرة عن الشخصيات وما يدور في داخلها، مثل مشاهد (رشيد) في السجن واسترجاعه للأحداث وحزنه، كما أنه قدم موسيقى تساعد جعل المشاهد في حالة ترقب لما سيحدث، ومعبرة جدا عن شخصية رشيد.
من أجمل مميزات العمل ظهور الفنان (أشرف عبد الغفور) في أعمال درامية من جديد، ليعطي درسا في الأداء جيدا للأجيال الشابة، صوت واضح وأداء طبيعي بلا تكلف أو انفعال زائد، قدم دور (المهندس فاروق) الداعم النفسي والمادي وأيضا معلم الفلسفة لرشيد بهدوء وجداره.
الفنان (صلاح عبدالله) القمر الذي ينير أي عمل درامي يتواجد به، أداء سهل للشخصية يجعلك تنسى أنه يمثل، قدم دور (الحاج فهمي) المتزوج من أكثر من زوجة واحدة بأدائه الجيد وتمكنه من الشخصية بروحه المرحة.
(محمد ممدوح)، أداء جيد، أنا واحدة من متابعيه لكن ماتزال لدي مشكلة مع صوته ومخارج الحروف والنطق السريع رغم أنه قدم أكثر من مشهد يعتبروا علامة في تاريخه، المشهد الأول عند القبض عليه وهو لا يعرف السبب وخوفه على والده وابنه، المشهد الثاني عند وفاة والده، والمشهد الأكثر تأثيرا في المشاهدين هو مشهد علمه بهروب ابنه من الملجأ.
حمل (محمد ممدوح) وجه المظلوم في كل المشاهد، وعندما تحول لرجل عصابات وتملكت روح الانتقام بداخله حافظ على أداء هادئ وترك القانون يكمل العدالة ليكمل حياته مع ابنه دون مشاكل قانونية.
النجمة (ريهام عبد الغفور) أثبتت في هذا العمل أنها حقا حرباء كما أطلقت عليها من قبل، حيث استطاعت أن تبهر الجميع وتتلون في دور (أسماء) بأكثر من شخصية، الشخصية الهاربة من والدها والتي تتزوج من (رشيد) لتهرب من حياتها السابقة، وهى أيضا (أسماء) فتاة الليل التى تآمرت على (رشيد) مع صديقه (صلاح)، وهى صاحبة صالون التجميل والتي تدير شبكة دعارة، وهى العاشقة التي تقف إلى جوار (رشيد) ليرجع ابنه وحقه، كل ذلك قامت به في أداء مخادع، حتى النهاية لا تعرف إذا كنت تتعاطف معها أو تتهمها بالاشتراك في ظلم رشيد.
الفنانين (تامر نبيل وخالد كمال) قدم كل منهما الشخصية في مباراة فنية، إتقان لطبيعة العمل واللغة المطلوبة والتغير الذي يطرأ عليهما، ويثبت كل منهما أنه في حالة نضج فني وتطوير في الأداء مع كل عمل.
الفنان (محسن منصور) قمة في الأداء الدرامي كضابط، وأتمنى ألا يتم حصره في هذا الدور كما تم حصره لسنوات في أدوار أقل بكثير من موهبته، وأجاد (حسن العدل) في دور الجد والأب الطيب المصدوم لما حدث لابنه، أما القديرة (ميمي جمال) فكانت إضافة جميلة للعمل، كذلك الفنان (علاء قوقة) حيث تمكن في الأداء بسلاسة، وأيضا قدم الشاب (حسن مالك) دور الهارب من الملجأ والمتشرد والمتورط في أعمال إجرامية بسبب العيش بالشوارع، ليتقن الحركة ونبرة الصوت وطريقة الكلام، لكن من وجهة نظري الموهبة الصاعدة والتي كانت مفاجأة العمل هو الفنان (أحمد محارب) في دور (بالتة)، (أمينة خليل) دور صغير في مشهد واحد أدت فيه دور المدمنة في طور التعافي بتخبط في المشاعر والكلام، العمل مملوء بمبدعين أجادوا أدوارهم مثل (انتصار ومحمد خميس).
المخرجة (مي ممدوح)، اختيار جيد لكل الممثلين وتوجيه رائع لهم، إدارة جيدة للكاميرا والديكور والإضاءة في أول عمل لها، استخدام ممتاز لكل أدواتها ليرى العمل النور بشكل ناجح لقصة تم معالجتها في أكثر من عمل، ولكن هذه المرة بسيناريو مختلف في السرد.