بقلم: المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
اعتاد السيد الرئيس أن يفاجئنا وخاصة في رمضان، ففي العام الماضى كانت المفاجأة في استضافة وجوه من المعارضة في إفطار الأسرة المصرية واهتمام الرئيس بالحديث معهم – هذا الحديث الذى أوقف حملة شرسة كانوا يتعرضون لها – و اكتملت المفاجأة بدعوة سيادته لإقامة حوار وطنى يشارك فيه الجميع، وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي بناء على طلب بعض رموز المعارضة.
و بالفعل تم الافراج عن الكثيرين في وقت قصير، أما الحوار فللأسف الشديد لم يبدأ حتى الآن برغم مرور عام كامل، و في اعتقادى أنه تقصير من المسئولين عنه يجب محاسبتهم عليه فلقد أحبطوا كل من تفاءل بهذا الحوار، وأثاروا لغطا نتج عنه شائعات وأقاويل كنا في غنى عنها .
و في رمضان هذا العام كانت المفاجأة أكبر، فخلال زيارة السيد الرئيس لقسم شرطة مدينة نصر، فوجئنا بسؤاله للعاملين بالقسم من ضباط و أمناء شرطة قائلا: تنصحونى بإيه ؟ وهو سؤال لم نعتد من السيد الرئيس – ولا من الرؤساء السابقين – أن يتوجه به على الملأ وأمام الكاميرات لمن هم في حضرته، وبما أن الإجابات التي وردت على لسانهم في وسائل الإعلام لم تعبر عما يدور في ذهن المواطنين – ربما لأنهم لم يتوقعوا السؤال – لم أستطع أن أمنع نفسى من أن أتخيل وجودى في حضرة السيد الرئيس و هو يسأل ويسمح لى بالإجابة، و ساعد الصيام – و له تخاريفه – على أن أتصور أن السيد الرئيس استمع لإجابتى كاملة.
قلت في البداية لسيادته أننى أقر بأن حجم الإنجاز الذى تم على يديه خلال السنوات التي مضت كبير وضخم وسريع وفي كافة الاتجاهات، ولا ينكره إلا حاقد، وأن حجم التحديات التي واجهها لتحديث البنية التحتية والبنية الإدارية والإصلاح الاقتصادى، وفي نفس الوقت مقاومة الإرهاب كانت صعبة والنجاح فيها كاد أن يكون مستحيلا، واليوم برغم كل تلك الإنجازات نعانى من أزمة خانقة نتاج لظروف عالمية انعكست على مصر، فالحقيقة أننا نعيش حربا عالمية مستترة، أتت بعد جائحة عطلت اقتصاد العالم كله لمدة عامين.
لذا فنحن في مواجهة تلك الأزمة نحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويات مرة أخرى وبمنتهى الحزم والحسم ، ونقرر أي المشروعات نحتاج له بشكل عاجل؟، وما الذى يمكن تأجيله ؟ وأن يتساوى في ذلك المشروعات التي تحتاج إلى الدولار أو العملة المحلية، وهناك أيضا مشروعات يمكن اتمامها في خطة زمنية أطول، وفي جميع الأحوال يجب أن تتخلى الحكومة عن طموحها الزائد عن الحد وأن تكف عن السعي لذكرها في موسوعة جينيس، فلن يفيدنا أن يكون لدينا أكبر جامع وأضخم كاتدرائية و أطول برج، فكل (أفعل التفضيل) ليس لها مكان الان (ولا سابقا في الحقيقة)، فالمواطن الذى تحمل عبء الإصلاح الاقتصادى وتوجهت سيادتكم إليه بالشكر على ما تحمله تستفزه مثل هذه المظاهر.
و ذا كنا اليوم نعانى اقتصاديا ولدينا فجوة تمويلية كبيرة، وتخلى الأشقاء عنا، أو على الأقل تقاعسوا أو فرضوا شروطهم كما تقول الصحافة الأجنبية، فسوف نضطر إلى تحمل مزيد من المصاعب، في شكل تخفيض جديد للعملة يصاحبه بالطبع ارتفاع جديد في الأسعار لن يحتمله مواطن يرى مثل هذا (الأكبر والأضخم) الذى لا يفيده ولا يشبعه من جوع.
ولكن هذا المواطن على استعداد لتحمل المزيد من الإجراءات القاسية وعلى استعداد لبذل المزيد من التضحيات لو أنه شارك في القرار أو كان مفهوما لديه أسبابه ومتى و كيف ينتهى؟، فهذا شعب أصيل يعرف كيف يساند وطنه ويقيه وقت العثرة ويعرف أيضا متى يقف مع قيادته، كل ما يحتاجه هو الفهم من خلال حديث من القلب كاشف لكل جوانب الأزمة وليس مجرد حديث عام يطمئنه أن مشكلتنا الاقتصادية ستصير ذكرى، إنه يحتاج لحديث صريح وواضح، حديث من القلب يستدعى روح 30 يونيو في نفوسنا ويجعلنا نصطف كما حدث من قبل في مواقف عديدة كالتفويض في يوليو 2013 و في سندات قناة السويس.
وقلت لسيادته أن روح 30 يونيو لن تُستعاد إلا بعودة كل القوى التي شكلت تلك الجبهة، وبما أنها جبهة وليست حزبا فلابد أن تتسع للكل سواء من الموالاة أو المعارضة، وأن تسمح للمشاركين فيها بالاختلاف على التفاصيل مادموا متفقين على الأهداف.
لا ننكر بالطبع أن هناك جهودا لإعادة بعض من غادروا الصفوف، سواء كانوا خارج البلاد أو داخلها، و لكننا نطمع في جهد أكبر و سعى أكثر، خاصة في قضية الإفراج عن سجناء الرأي، بل أدعو إلى توسيع الحياة السياسية بالسماح للأحزاب الرسمية بالنشاط السياسى، و طرح برامجها وأفكارها، ومن اختلاف الآراء نصل إلى أفضل الحلول لمشاكلنا، فالبعض – على سبيل المثال – يقول إن التضخم في مصر سببه قلة العرض في مقابل الطلب، وأن رفع الفائدة لن يكون الحل الأمثل بل زيادة المعروض من السلع هو ما سيؤدى بالتضخم إلى الانخفاض!، وأن معظم الحلول تأتى من زيادة التصنيع و التصدير وليس من جذب الأموال الساخنة التي تسعإ الى الفوائد العالية في أي مكان بالعالم، و لكننا لا نناقش المسئولين في قراراتهم، وهم لا يبحثون عن حلول جديدة حتى أن السيد وزير المالية يعلن بكل بساطة عن أن هناك عجز لن يُحل إلا بالاستدانة وكأن الديون قدر مقدور لا فكاك منه، وفي نفس الوقت يوافق على بيع شركات كانت أرباحها تدخل خزينة الدولة، فهل البيع سيوفر حلا عاجلا ويصنع أزمة مستقبلية؟
وأضفت: يا سيادة الرئيس نحن نحتاج لنوعية مختلفة من المسئولين، قادرة على الإبداع وعلى إيجاد حلول مبتكرة، ولا يعملون فقط (حسب توجيهات السيد الرئيس)، نحتاج الى مجلس وزراء حقيقى و يس مجرد سكرتارية ينفذون التعليمات فقط دون القدرة على مناقشتها واقتراح سواها وابتكار مبادرات، مدركين أن الهدف هو راحة المواطن وليس إرضاء القيادات.
واسمح لى سيادتكم بأن أضرب مثلا قد يكون بسيطا ولكنه كاشف: إن تطوير الطرق أمر مطلوب ولا خلاف عليه، ولكن أن يقوم مسئول بتطوير كل الطرق الموصلة إلى مدينتي أكتوبر والشيخ زايد ( الطريق الدائرى وطريق المحور) في نفس التوقيت و ببطء شديد، وأن يتزامن هذا مع إغلاق ميدان الرماية وشارع الهرم، دون أن يدرك أنه بهذا يعطل المواطنين ويجعلهم يكرهون التطوير الذى يعذبهم.
وهكذا تتحول الإنجازات الى أسباب سخط، فالمسئول لو أدرك أنه سيحاسب سياسيا سيفكر في مصلحة الشعب أولا، وسيتعامل بقدر مسئوليته السياسية.
فلابد أن نراعى المواطن ونخفف عنه، ليس اقتصاديا فقط بل يجب أن يشعر أن المجتمع يحميه، وإذا كنا مضطرين إلى موجة من الخصخصة فيجب أن يصاحبها وضع قوانين تحمى المستهلكين الذين سيتعرضون للتعامل مع رأس مال لايهمه إلا المكسب، حتى لاتصبح الساحة مباحة للرأسمالية المتوحشة، فكثرة الحيتان وضخامتها قد يغريها بالسمك الصغير، لذا عليك حمايته، فكفاه ما يعانيه من حيتان الداخل الذين توحشوا بلا ضابط أو رابط ، فرفعوا الأسعار وأخفوا السلع، هذا عدا آلاف المشاكل مع حيتان المدن الجديدة، لا يستطيع المواطن الخروج منها سالما لأن الحيتان يملكون جيشا من المحامين ولهم باع وذراع في كل مكان.
وفي النهاية اعتذرت للسيد الرئيس على الإطالة قائلا: لن أحدث سيادتكم عن الإعلام والثقافة والفنون فلها حديث طويل لا يتسع له المجال الآن، وربما أتيحت له الفرصة في الحوار الوطنى الذى مازلنا ننتظره.