بقلم: ماجد كامل
هل نتصور أن هناك عمل درامى أنتجه التليفزيون المصري منذ نصف قرن بالتمام والكمال أي فى عام 1973 قد ناقش بجرأة شديده موضوعا خطيرا ومهما يثير جدلا كبيرا ويشغل أذهان الكثيرين حول العالم وهو (الكارما) وتناسخ الأرواح وانتقالها من جسد إلى آخر بعد الموت فى سلسله تكراريه لانهائية.
فعن رواية المفكر الكبير الراحل الدكتور مصطفى محمود (العنكبوت) أنتج ماسبيرو مسلسلا مذهلا بنفس الاسم فى 7 حلقات – سباعية – من إخراج مبدع ماسبيرو الرائع (يحى العلمى) وقام ببطولته العملاقين (محمود المليجي وعزت العلايلى إلى جوار الفنانه (مديحه كامل ونبيل الهجرسي ووحيد سيف).
المسلسل الذي شاهدته لأول مره فى طفولتى وقرأت الروايه المأخوذ عنها فى مرحلة الصبا، وبحثت عنه منذ أيام لأشاهده مجددا عبر اليوتيوب يطرح فى إطار الخيال العلمى تخيلا عن (الغدة الصنوبرية) فى المخ وما إذا كانت مسئوله عن تخزين (كارما) الحيوات السابقة، حيث يقوم العالم (راغب دميان) الذي يجسده (عزت العلايلى) بالتوصل إلى (فورميولا) أو توليفة كيميائية لتنشيطها لتفصح عن هذه الحيوات التى عاشها الإنسان من قبل.
ويجري (دميان) تجارب خطيره على نفسه وعلى خرين عبر حقنهم بهذه المادة الكيميائية التى توصل لها ثم تسجيل مايقومون بالتحدث عنه تحت تأثير هذه المادة وهم يعودون الى حيواتهم السابقه وشخصياتهم خلال هذه الحيوات، حيث يتحدثون بلغات عديده ويروون أحداثا فى أزمنه بعيدة تنطق بها شخصيات عاشت فى هذه الآزمه ورحلت عن عالمنا منذ زمن بعيد.
يشعر (دميان) بالآم صداع عنيف يضطره إلى اللجوء لأحد كبار أطباء المخ والأعصاب ويجسده العملاق (محمود المليجي)، الذي يلاحظ وجود نشاط غير طبيعي وغير معروف فى رسم المخ الذي أجراه لدميان ويدفعه فضوله العلمى للبحث عن ماهيته، ويخبر به راغب دميان الذي يشعر بالخطر على تعرض تجربته السرية للكشف فيهرب من الطبيب ويحاول الاختفاء تماما .
وهنا يفتح المخرج (يحيى العلمى) بحسه الفنى المذهل المجال تماما أمام إبداع محمود المليجي، حيث يجسد بأدائه الذي يصل إلى حد الإعجاز الفنى حيرة الطبيب الذي يرقى إلى مرتبة العالم وبحثه العلمى الدؤوب وشغفه الشديد لكشف غموض حالة دميان ليصل إليه فى النهاية، وينجح الطبيب فى طمأنته إلا إنه يشاركه فضوله العلمى ورغبتهما المشتركه فى الحصول عن إجابات لموضوعات علميه مبهمة، وبالفعل يطلعه (دميان) على تجاربه السريه ويشاركه تجاربه، ويخوض الطبيب بنفسه أحدها حيث يعيش حيوات فى أزمنه قديمة، وتنتهي الأحداث بانفجار معمل دميان السري ووفاتهما ومعهما كل أوراق البحث التى تحتوي على المعادلات الكيميائية الغامضه التى استخدمها دميان لصناعة فورميولا المادة المسئولة عن تنشيط الغدة الصنوبريه فى المخ للوصول إلى (كارما) الحيوات السابقه، ويؤكد المسلسل فى مشهد النهايه أن الروح من علم الله سبحانه وتعالى مهما حاولنا الوصول إلى أسرارها .
وقد نجح (يحيى العلمى) فى إخراج عمل درامى متقن استخدم فيه تقنيات النقلات السريعه والتشويق وانعدام المط والتطويل، حيث جاءت المشاهد كأحجار البناء المتراصة بإحكام وفى مدة حلقه لاتتجاوز النصف ساعة، ووظف كادرات المسلسل فى أغلبها لتعبر عن الحاله النفسيه التى تعيشها شخصيات العمل، وأتاح لنجوم العمل مساحات إبداع واسعه كانوا يتحركون أمام الكاميرا بأريحية تامة، وجاءت المشاهد المشتركة بين محمود المليجي وعزت العلايلى بمثابه مباراة حقيقيه فى الإبداع.