(أحمد فهيم) يبلغ قمة الأداء في موسم رمضان الحالي
بقلم: محمد حبوشة
إذا كان على الممثل أن يخلق الشخصية انطلاقا من مشاعره الخاصة، فكيف إذا كان الممثل لم يعان أيا من المشاعر المطلوبة في الدور؟، كأن لم يعان مثلا شعور الموت.. ولم يقف أمام فوهة مسدس.. أو إذ لم يكن قد سرق أو غش، المسالة ليست في هذا، بل إنها في عدم وجود تلك المشاعر التي لم يعانيها الإنسان الناضح، ربما لم يحدث أن مر الممثل بتلك الحالات المطلوبة ذاتها والمطلوب أداؤها على الشاشة، لكنه لابد أن يكون عاناها .. أو شاهدها معاناة من قبل غيره.
وضيفنا في باب (في دائرة الضوء) هذا الأسبوع الفنان (أحمد فهيم) الذي تألق مؤخرا في مسلسلسي (جعفر العمدة، وعملة نادرة)، من الفنانين الذين يحملون قدرا لابأس به من العناء الذي جعله يتمكن من تحويل تلك المشاعر التي يكون قد عاناها في حياته بنسبة خمسين بالمائة، بحيث يكمنه إعادة معاناتها على الشاشة بنسبة خمسين بالمائة أيضا، هذه ما يطلق عليها قوة الذاكرة الانفعالية، وهكذا نري أن الممثل (أحمد فهيم) بإمكانه ألا يقابل في الحياة الواقعية تلك الدوافع التي يقابلها على شاشة التلفزيون، لكن المشاعر المثارة بواسطة تلك الدوافع، يكون قد عاناها دون شك في وقت ما من حياته، كما بدا لنا في شخصيتي (سيد العمدة، عطية أبو عصاية).
إذا كان الممثل (أحمد فهيم) لا يعر الخوف الذي يشعر به الشخص المواجه لفوهة المسدس، فلابد أنه أي الممثل بداخله قد غير شعور الخوف من ملاحظة كلب شرس له، إذا لا يوجد شخص لم يعرف أو يعان مشاعر الخوف، المشاعر: تتذكرها عضلاتنا، جسدنا، لكن هذا لا يتم بواسطة العقل مطلقا، بل بالحس مثلما نحس بالطعم والرائحة واللون، لا بواسطة العقل، بل بالحس، وهو بدا لنا في أكثر من موقف درامي واجه فيه (سيد) شقيقه الأصغر (جعفر العمدة) حيث يبدو خانعا يعتريه قدر من الخوف من أخيه الأصغر عندما يوقع نفسه في مواقف عصيبة يخجل من فعلها بعد أن يكشر(جعفر) عن أنيابه،على العكس تماما مما يفعله مع شقيقه الأكبر (حسن أبو عصاية في (عملة نادرة).
أحمد فهيم، بدا لي وللكثيرين من متابعي أداءه في رمضان الحالي ممثلا يحمل قدرات خاصة في الأداء التلقائي، ليؤكد لنا لأن فن التمثيل مرآة للسلوكيات الاجتماعية في كل مجتمع، سواء من حيث محاكاة طريقة الكلام والتعبير عن المشاعر والحركة والإيماء، أو من ناحية تقديم شكل مصغر لطرق وأساليب التواصل والاتصال بين الأفراد في المجتمع، لكن في هذه الحالة من خلال التواصل بين الممثلين والمتفرجين، فلا وجود لفن التمثيل بمعزل عن دراسة وفهم كل طرائق وآليات التعبير والتواصل بين الأفراد والجماعات في كل مجتمع، فلو نظرنا إلى التمثيل بوصفه فن التجسيد والمحاكاة والتشخيص، لا بد لنا أن نفهم ما هذا الذي يجسده ويحاكيه ويشخصه.
لا تخطئ العين تكرار ظهور وسائط التواصل الاجتماعي بمختلف قنواته ووسائله داخل الأعمال الدرامية، فقد باتت الحلقة الواحدة من المسلسل الدرامي لا تخلو من ظهور شاشة الفيسبوك أو رسائل الواتساب، للدرجة التي أصبحت بها تلك الصور مشهدا بصريا متكررا لا يجوز فصله من العمل الدرامي وبنائه للمعنى، فهذه الصور أصبحت تشكل مع (أحمد فهيم) حضورا بصريا من خلال مقاطع فيديو لأدائه التلقائي سرعان ما تنتشر وهو يبكي حالة ضعفه وهوانه من تصرفات أخية الأصغر (جعفر العمدة)، أو عصبيته وتعنته مع شقيقة الأكبر (حسن أو عصاية) وهو ما يدع حالة التواصل الاجتماعي في الواقع.
ومن ثم تعين على العمل الدرامي في (جعفر العمدة، وعملة نادرة) تبنيها كوسيلة تواصل بين شخوصه الدرامية؛ كي تتحقق المصداقية والتواصل مع الواقع والمتفرجين، بيد أن دخول ذلك الحضور البصري عند (فهيم) بمدلولاته الاجتماعية والمعرفية أدى إلى تغير ما في التمثيل نفسه، فبدلا من مشاهدة حوار كلامي والإنصات له، أصبحنا نشاهد شاشة المحمول ونقرأ ما عليها من رسائل حول أدائه المميز، وكأن العمل الدرامي بهذه الطريقة يعيد إنتاج آليات التواصل في الواقع فيغير بها من آليات التجسيد والتعبير داخل العمل الدرامي نفسه.
صنع (أحمد فهيم) حالة خاصة بأدائه السلسل، بحيث تمرر تلك الصورة حالة من تفتيت المجتمع وخلق جدار صلب بين أفراده ومجتمعاته الفرعية، ويزيد من وطأة تلك الصورة كونها تصل تدريجيا إلى مستوى شبه تلقائي من القبول؛ وبشكل عام تعلمنا طريقة أداء (أحمد فهيم) أن الغطرسة سمة يجب أن نسعى إليها؛ لأنها دليل على الترقي الاجتماعي والاقتصادي، كما تعلمنا أن التلون والتصنع والتظاهر هى ضرورات للمعاملة الاجتماعية في مقابل النزاهة والأمانة والشفافية التي باتت سمات قد عفا عليها الزمن، هكذا تتحول تلك المظاهر الأدائية الدرامية إلى دروس تربوية جديدة تشكل معارف ومعلومات الجيل الحالي والقادم، ومن ثم لا يتأثر الأداء التمثيلي والدرامي فحسب بالمجتمع، بل يؤثر فيه ويرسخ وينمي الاعتلال الاجتماعي والنفسي بين أفراده.
ومن ملاحظاتي حول أداء (فهيم) يمكنني القول أنه يعير الاعتلال النفسي اهتماما من الأساس، بحيث إنه أدائه يبدو أقرب إلى الأداء الداخلي، الذي تعتمد فيه وجاهة الممثل على نطقه ولفتاته اللامبالية، ويبدو لى أنه يؤمن بقول الممثل (هنري فوندا): حين أصبحت ممثلا، اكتشفت أن التمثيل ممتع وعلاجى، التمثيل كان قناعا لشاب خجول مثلى، عندما أمثل أتخلص من الخجل وأكون شخصا آخر.
عديدة هى مصادر الممثل (أحمد فهيم) التي يستمد منها التجربة الحياتية، الخبرة الثقافية، الخيال، الذاكرة، الرصد والملاحظة، كل ممثل يحتاج الى هذه المصادر، أو يبحث عن مصدره الخاص، لان ذلك يعزز طريقته فى الأداء ويثرى تجربته ويساهم فى تطوير إمكاناته وأدواته التعبيرية، وفي هذا يقول (روبرت دى نيرو): يتعين على الممثلين أن يعرضوا أنفسهم لما يحيط بهم، وأن يخلقوا نوعا من الاتصال، ويحتفظوا بأذهانهم مفتوحة لتلقى كل ما يحدث فى هذا المحيط عاجلا أم أجلا، سوف تنسل فكرة إلى رأسك، شعور، مفتاح، أو ربما حادثة، هذه الأمور ستفيد الممثل فيما بعد، ويستطيع أن يربطها بالمشهد عند التنفيذ.
ولعلي هنا ألفت النظر إلى أن الممثل (أحمد فهيم) لايستطيع أن يعزل نفسه عن المحيط، إنه يتأثر ويتفاعل مع ما يراه وما يحدث وما يزخر به الواقع من نماذج وعادات وسلوكيات، وردود الفعل التى عادة تكون عفوية وسريعة عند الفرد، لكنها عند الممثل (فهيم) تصبح مدروسة وخاضعة للتحليل وذلك بالتركيز عليها وتمديدها ومنحها خاصية استثنائية، وهو ما تجلى تماما كما جاء في أداء (فهيم) لدورين محتلفين، أحدهما شخصية ضعيفة ومنسحقة أما شقيقه الأصغر (جعفر العمدة) وجبروت قوة شخصيته في (عملة نادرة)، وهو مأثبت جدارته في التجسيد الدرامي الاحترفي.
درس (أحمد فهيم) دراسات حرة في فنون التمثيل لمدة عامين، وقرأ كثيرا عن فنون التمثيل بجانب الملاحظات والنصائح التي كان يقدمها له الراحل العظيم (خالد صالح)، الذي تجمعه صلة قرابة به فهو خاله كما عمل معه مساعدا في بدايته الفنية، وأحب (أحمد فهيم) التمثيل من خلال خاله وكان دائم الذهاب معه إلى مسرح الهناجر، وشارك في بدايته بأدوار صغيرة مع الفنان خالد صالح في مسلسلي (بعد الفراق، وتاجر السعادة)، بجانب مسلسلي (موعد مع الوحوش، وخاتم سليمان).
أول فرصة حقيقة كانت لأحمد فهيم، من خلال مسلسل (العار)، ثم شارك أيضا في مسلسلات مثل (طاقة نور، أرض جو، الجماعة، ريح المدام)، ومن الشخصيات التي قدمها وحقق بها نجاحا كبيرا شخصية الضابط في (أرض جو)، وشخصية الإخواني (حامد أبو النصر) في مسلسل (الجماعة)، بجانب المعلم بسبوسة في ريح المدام)، وشارك في مسلسلات (ولد الغلابة، البرنس، هوجان، عائلة زيزو، الداعية، سلسال الدم، ) وكذلك شارك في أفلام (تصبح علي خير، كف القمر، الحرامي والعبيط، سبع البرمبة، هز وسط البلد)، وبرنامج (الأبواب المغلقة)، كما يشارك في موسم رمضان الحالي بثلاثة مسلسلات هى (جعفر العمدة، عملة صعبة، اللعبة 3).
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان (أحمد فهيم)، الذي تميز في المشاركة بكثير من الأدوار الفنية والمميزة من خلال القنوات المصرية والتي تصل إلى 40 عملا، من خلالها برز وتميز في الكثير من الأعمال، فهو شارك في مجموعة كبيرة من الأدوار التمثيلية منذ بداية مشواره الفني ومن خلالها استطاع الوصول إلى قلوب الكثير من المشاهدين، على جناح أداء تلقائى حتما يجعله في مصاف النجوم الكبار، إذا أحسن توظيفه من جانب المخرجين وشركات الإنتاج التي ينبغي أن تلتفت لموهبته الكبيرة التي تفجرت في موسم رمضان الحالي، ونجح ببراعة أدائه في الجمع بين الكوميديا والدراما في ثوب تراجيدي بالغ العذوبة.