كتب : أحمد السماحي
بعد نشر موضوعنا أمس في بوابة (شهريار النجوم) عن (تفوق الدراما العربية على المصرية) لم ينقطع رنين هاتفي الجوال عن (الصراخ) فضلا عن وصول عشرات الرسائل والمكالمات على (الواتس آب)، وكل هذه الرسائل كانت ما بين مؤيدا ومعارضا لما كتبته، وكانت تحمل توقيع كبار نجوم الفن في مصر والعالم العربي، من مخرجين، وكتاب، ومنتجين وزملاء أعزاء، وكأننا ارتكبنا جريمة في حق الدراما المصرية، حيث تضخمت فجأة الشيفونية المصرية وشعرت من كلام البعض أنني كان يجب أن أصمت، وألا أكتب ما كتبته على طريقة (إذا إبتليتم بالمعاصي فاستتروا)!
والحقيقة أن ما كتبته هو إحساسي الحقيقي بعد مشاهدتي لكم كبير جدا من الأعمال الدرامية المصرية والعربية هذا العام، ولاحظت تفوق الدراما العربية وبعض من الأعمال المصرية، وسنتحدث باستفاضة خلال الأيام القادمة وإلى ما بعد إجازة العيد عن هذه الأعمال وأبطالها.
مربى العز
بعيدا عن الشيفونية المصرية نستكمل باقي متابعتنا لبعض المسلسلات التى تحقق حاليا نجاحا كبيرا ومتابعة جماهيرية ضخمة، من هذه الأعمال المسلسل البديع (مربى العز) الذي كنت أنتظره بفارغ الصبر، لمعرفة سر إنحياز المخرجة المبدعة (رشا هشام شربتجي) إلى نصه الذي كتبه علي معين صالح بشكل مبهر، بعد اعتذارها عن تكملة تصوير الجزء الثاني من المسلسل المهم (كسر عضم) الذي أبدعت كعادتها في إخراجه، وبعيدا عن هذا السبب لدي ضعف شديد تجاه أي عمل فني تخرجه (رشا شربتجي) حيث يحمل اسمها علامة الجودة والضمان لكل ما هو رائع ومتميز في عالم الدراما.
والحقيقة أنني فوجئت بالعمل الذي سوف يظل واحدا من الأعمال المهمة في الدراما السورية التى يتضافر فيها التقدم التقني بكافة عناصره وأبعاده من جهة، مع الاستخدام الرفيع للأدوات الفنية التقليدية من جهة ثانية، ومواهب النجوم البديعة من جهة ثالثة، ثم أخيرا هذه الحزمة بالغة الثراء من المشاعر الإنسانية الحارة الدافقة، بعبارة أخرى أطلق عنان الصناعة مع الموهبة في هذا المسلسل المتميز حتى الآن، وكتب النجم السوري الشاب (محمود نصر) شهادة جديدة لإبداعه الفني، وذلك من خلال ماقدمه من أداء يتسم بالعذوبة والروعة في التجسيد الدرامي الاحترافي.
وكانت (سوزان نجم الدين) أو (جواهر) الأخت المسيطرة على أشقائها والتى تحركهم كالريموت، والتى تحاول أن تستعيد ملك والدها بعد أن سجن، وتعرضت هى وأشقائها للمذلة والإهانة، واحدة من مفاجأت المسلسل حيث قدمت لنا شخصية جديدة عليها كل الجدة، صالت فيها وجالت فأقنعتنا وسيطرت علينا، وجعلتنا نفهم ونقبل سلوكها المتمرد ونزعة الشر التى انعكست على حياتها ضمن نمط من التربية والسلوك كان لابد له أن يؤدي إلى ما أدى إليه حتى الآن.
أما أيقونة الأبداع (أمل عرفه) والتى جسدت دور (ملكة) الثرثارة، سليطة اللسان، التى تتنفس بالكذب فكانت ملكة بخفة دمها وأدائها الذي ينم عن موهبة شديدة، فرغم تقديمها في هذا الموسم أكثر من عمل، فهي متجددة ومختلفة كل الإختلاف في كل عمل، ورسمت شخصية (ملكة) كما ترسم الإبرة الماهرة نقوش الدانتيلا، فقد كانت رغم سلبية الشخصية نسمة ربيعية حارة فيها الحزن الدفين ورعشة الفرح، نشتاق إلى طلتها كلما غابت فترة.
كما نجح النجم القدير (عباس النوري) في أن يكون الشيخ (مالك) بكل تفاصيله، وكان خالد القيش مفاجأة العمل حيث أدى دور (جمول) الذي يخطف الأطفال ويجبرهم على التسول لصالحه، والذي ودعنا بعد الحلقة السادسة فترك فراغا كبيرا.
خريف عمر
بالقطع هناك عشرات العوامل والعناصر التى يمكن التوقف أمامها في مسلسل (خريف عمر) تأليف حسام شرباتى ويزن مرتجى، وإخراج المثنى صبح، ولكنني أختار هنا التشخيص بوصفه العنصر الأكثر لمعانا، والأكثر جدارة بالبحث والتحليل، وبالذات فيما يخص (سلوم حداد، وعبدالمنعم عمايري، وباسم ياخور) فأنت أمام ثلاثة نجوم استطاعوا أن يستنطقوا كل خلية في جسدهم لتعبر تعبيرا شديد النفاذ والسطوع معا، وتحكي كل ما يريدون بشكل ملفت للغاية، فشاهدنا أداء مذهل لسلوم حداد، وعبدالمنعم عمايري، وأداء واثق هادئ لباسم ياخور في دور المحقق المتميز، كما أجاد كلا من (معتصم النهاء، وعلاء قاسم) دورهما بفهم عميق.
العربجي
صعب جدا في هذا التقرير أن نتوقف عند كل مسلسل من المسلسلات العربية ونحكي بالتفصيل عنه، خاصة أن الأحداث لم تكتمل، لكن نعدكم أننا سنتناول قريبا كل مسلسل على حدة، لهذا سنستعرض بشكل سريع بعض الأعمال المتميزة من هذه الأعمال مسلسل (العربجي) تأليف عثمان جحى، ومؤيد النابلسي، وإخراج سيف سبيعي، ويحقق العمل نجاحاً كبيراً جداً ونسب متابعة عالية، ويؤدي باسم شخصية (عبدو العربجي) الذي يعاني من مكائد الزعيم (أبو حمزه) الذي يؤدي دوره النجم سلوم حداد ضمن جو عالي من التشويق والأثارة.
زقاق الجن
رغم انتمائه إلى مسلسلات البيئة الشامية لكنه جاء في إطار من التشويق والإثارة مع خط عاطفي رقيق جدا، تدور أحداثه الغامضة والشيقة في عام 1900 من القرن الماضي بمنطقة زقاق الجن الصناعية، المتواجدة في حي دمشقي قديم بالقرب من منطقة البرامكة ، والمشهورة بسوق لبيع قطع السيارات، حيث سميت بهذا الاسم لاعتقاد الكثيرين أنها مسكونة بالجن، عن قاتل متسلسل متخفي عن الأعين في حارة دمشقية يظن أهلها أن الجن هم المسؤولون عن تلك الجرائم.
وأجمل ما في مسلسل (زقاق الجن) تأليف محمد العاص وإخراج تامر إسحاق، الأداء التمثيلي المبهر لنجومه (أيمن زيدان، أمل عرفه، عبدالمنعم عمايري، شكران مرتجى، صفاء سلطان، حسن خليل، همام أيمن رضا، حمادة سليم، مديحة كنيفاتي، امارات رزق، سعد مينا) وغيرهم.
مقابلة مع السيد آدم
من الأعمال البديعة هذا العام مسلسل (مقابلة مع السيد آدم) تأليف وإخراج فادي سليم، الذي يعود الجزء الثاني منه بعد انتظار دام لأكثر من عامين، ليكشف في الموسم الثاني عن مفاجآت وقصص غامضة تحيط بحياة البروفيسور في الطب الشرعي (آدم) بعد مقتل ابنته، حيث يواصل الأب المفجوع رحلة انتقامه بكشف ملابسات القضية، وتقصي جرائم الاتجار بالبشر بمساعدة محقق في الأمن الجنائي.
العمل من بطولة (غسان مسعود، محمد الأحمد، رنا شميس، يزن خليل، جيانا عيد، فاديا خطاب، منة فضالي) وغيرهم من النجوم السوريين.
وأخيرا
من الأعمال التى حظيت بمتابعة عالية ومشاهدات جماهيرية ضخمة نظرا لحب الجمهور لأبطاله المسلسل اللبناني (وأخيرا) كتابة ورشة الصبّاح للكتابة وأسامة عبيد الناصر، وهو مستوحى من أحداث حقيقة، وتدور أحداثه حول بطلة العمل (خيال) التي تقوم بدور سيدة قوية ومشهورة، تمتلك ماضيا تخفيه عمن حولها، إلا أنها تقع في حب (ياقوت) ذلك الرجل البطل الشعبي المحب الذي يحاول حمايتها بشتى الطرق، والمسلسل بطولة (نادين نسيب نجيم، قصي خولي، منى واصف، سعيد سرحان، برناديت حديب، وسام فارس، وسام صباغ، انجو ريحان، غابرييل يمين، كميل سلامه) وغيرهم، وإخراج أسامة عبيد الناصر.
السرايا 2
لا تقتصر المسلسلات العربية على الدراما السورية واللبنانية والسودانية والعراقية فقط، ولكن هذا العام تستكمل الدراما الليبية نجاحها الذي حققته في السنوات الأخيرة وبرز بقوة هذا العام من خلال الجزء الثاني من مسلسل (السرايا) تأليف سراج هويدي، إخراج أسامة رزق، الذي يُسلط الضوء على الصراع الكبير الذي وقع بين ليبيا والولايات المتحدة، ويجسد حرب السنوات الأربعة التي وقعت خلال الفترة بين 1801 حتى 1805، ويكشف أيضا عن الصراع الذي حدث بين أبناء يوسف باشا القرمانلي على حكم طرابلس، في قالب درامي شيق يجمع بين السياسة والتاريخ والرومانسية.
تأتي أهمية العمل في أنه يتحدث عن أحداث مهمة تخلو المكتبة الدرامية من أي أعمال تتحدث عن تلك الفترة، وتتنوع أحداثه حيث يتداخل فيها العديد من الأحداث والقصص الاجتماعية، والرومانسية المرتبطة بالواقع الليبي في هذه الفترة، لكن الجزء الأكبر من الأحداث مرتبط بفترة الحرب مع أميركا.
وقد تألق في المسلسل بشكل لافت وقوي النجم اللبناني (بيير داغر) الذي جسد دور (توماس جيفرسون)، كما ظهر النجم السوري (معتصم النهار) بشكل متميز من خلال دور (جيمس ماديسون).
مسلسل (السرايا 2) بطولة كوكبة من النجوم الليبيين والعرب منهم (محمد عثمان، نضال كحلول، شكران مرتجى، جمال صالح فريخ، واصف الخويلدي، أيوب القيب رندة عبد اللطيف، هند العرفية، سعيد المهدي، سلسلبيل عبدالرازق محمد)، وإخراج المبدع أسامة زرق.
ود المك
تابعت باهتمام كبير بعض المحاكمات القيمية والأخلاقية التى عقدت ونصبت من رواد مواقع التواصل الإجتماعي للمسلسل السوداني (ود المك)، بسبب ما اعتبروه إساءةً لرجال الدين، الذين يحظون بقداسة اجتماعية كبيرة لدى المجتمع السوداني، والتى تصطدم مع خالص اعتذاري بماهية ومقتضيات الفن نفسه، فالفن والإبداع يبداءان بالدهشة، والدهشة في أحد جوانبها خروج على المألوف وتحطيم للقواعد، واقتراب من التابو، ونطق كاشف يتجاهل المستور، وماتراضى الناس على إخفائه دفنا للرؤوس في الرمال، أو اعتمادا لإزدواجية كاملة في اللغة والسلوك.
حيث هاجم الجمهور السوداني صناع المسلسل الرمضاني الجميل (ود المك)، بسبب تخطيه للخطوط الحمراء وجراءته غير المعهودة في طرح قضية رجال الدين، وتناول العمل شخصية (شيخ الرفاعي) التي جسدها الممثل السوداني صلاح أحمد، تجلت في سيرة رجل دين فاسد، شديد الاندفاع تجاه متع الدنيا، والذي يستغل توقير الناس له لينال ما يشاء من عرَض الدنيا.
والمسلسل المثير للجدل هو من تأليف وإخراج هيثم الأمين وإخراجه، وبطولة مصعب عمر، أحمد البكري، صلاح أحمد علي، سلافة مكي، وأوسو.