كتب: محمد حبوشة
حرص الجمهور المتابع لمسلسل (كامل العدد) وعرض الحلقة الأخيرة على منصة شاهد، على الإشادة به، والتعبير عن حالة السعادة التي جعلهم المسلسل يعيشونها طوال حلقاته، وأكد بعضهم أن هذه المشاعر لم تنتابهم منذ وقت طويل تجاه الأعمال الدرامية التي يشاهدونها، وكان قد أثار المسلسل ضجة كبيرة على مواقع (السوشيال ميديا)، وجاءت إشادة الجمهور بصناع العمل، جراء الحكاية التي كتبتها كلا من (رنا أبو الريش ويسر طاهر)، والتي اقتربت من الكثير مما يحدث في البيوت المصرية، وأعادتهم لواحد من أنجح الأفلام المصرية التي مازال الجمهور يحب مشاهدتها، وهو فيلم (عالم عيال عيال)، بطولة النجمين رشدي أباظة وسميرة أحمد، وهو الفيلم الذي حرص صناع العمل على تقديم التحية لكل من شاركوا فيه، خاصة مع اقتراب ملامح القصتين.
الواقع يشير أن فكرة استغلال الفكرة الرئيسية للعمل (زواج أب لديه أبناء وأم تحمل نفس الظروف) يشير لمؤشر وظاهرة موجودة بالمجتمع حاليا تتمثل في فكرة تعدد حالات الانفصال التي باتت لغة العصر، ومدى قابلية تكوين أسرة جديدة تتكون من أبناء غير أشقاء، تماما كما حدث في مسلسل (وبينا ميعاد) في الموسم الشتوي الأخير، والحقيقة كان هنالك نوع من الذكاء من صناع (وبينا ميعاد، كامل العدد)، أن يقوما باستغلال الفكرة في شكل جاذب ويمثل عرض الفكرة بنعومة دون أن نحملها كثير من الكآبة والضغط النفسي مثلما حدث ويحدث في كثير من مسلسلاتنا العربية الحالية.
في (وبينا معاد) قدم السيناريست (هاني كمال) الفكرة الرئيسية للفيلم الشهير (عالم عيال عيال) بألق ورقي شديد، فهو لم يتوقف فقط عند فكرة البداية الجديدة لشريحة منتصف العمر، لكنه قدم رسم واعي ودقيق لكل ابن من الأبناء الثمانية وعرض تأزمهم النفسي وعقدة كل منهم، فخط الصراع الدرامي بين علاقة الأم والأب يسير بالتوازن مع علاقة الأبناء وأزماتهم النفسية وعلاقاتهم ببعضهم البعض.
أما هنا في (كامل العدد) حمل العمل اهتمام أكبر بمشاكل البطلان الرئيسيان (دينا الشربيني وشريف سلامة)، بداية من فكرة المصارحة بوجود أبناء لدى كلًا منهم مرورا بفكرة إقناع الأبناء بالزواج ثم محاولة دمجهم جميعهم في كيان واحد، وبين هذا وذاك أيضا تظل المشكلة الرئيسية للبطلان اللذان تتسبب ظروفهما المحيطة في استحالة العيش لحظات زوجية سعيدة، الأمر الذي خلق معه كثير من المشاهد الكوميدية التي حملت بهجة للعمل، وكانت سببا في جذب الأنظار إليها طوال الحلقات التي اتسمت بالعذوبة على مستوى الأداء والتصوير والإخراج والموسيقى والأغاني المصاحبة للأحداث.
ولكن هناك ملاحظة تتعلق بعدم منح كاتبتي العمل مساحة أكبر للتعمق في رسم شخصيات الأبناء وعقدهم النفسية واكتفوا فقط بالتركيز على نموذجين منهم متمثل في (أمينة) أبنة ليلى ورغبتها في التنمر من الجميع طوال الوقت في تلويح سريع عن الأزمة برغم من أهمية القضية وكذلك ابنة أحمد (فريدة) التي تشعر بالوحدة وعدم رغبتها في الاختلاط وهى قضية ربما تعود مرجعيتها لمعايشتها بالخارج ورحيل والدتها على يديها بعكس (أمينة) التي كان لابد من وجود مرجعية لأزمتها.
كذلك باقي الأبناء فلم يتم رسم شخصيتهم فلا نعرف شيئا عن فريد نجل (أحمد) سوى حبه للتكنولوجيا، وكذلك (شريف) نجل (ليلى) الذي لا نعرف شيئًا عن تأزمه أيضا ونراه فقط محبا لكرة القدم ومولع بشغف العمل الحر، وهناك أيضا خط الطفلة الصغيرة (فرح) نجلة أحمد الذي كان من الممكن التعمق أكثر به خصوصا مع فكرة وحدتها وتوحدها مع عالم الكارتون فهو ليس فقط مجرد وسيلة لتعلمها اللغة العربية، ولكن هى وسيلة لتجاوز الوحدة بالتوحد في هذا العالم والاندماج مع شخصيات تراهم قريبين منها، ويبدو هذا في محاولتها التودد لأبناء ليلى والاندماج معهم والذين يرفضونها في البداية.
ولكن رغم أن ذلك المأخذ الوحيد على العمل لكنه يمكن قبوله لرغبة مؤلفتي العمل في إضفاء البهجة والمشاهد الكوميدية لشقاوة الأبناء لتضفي طابعا مرحا يخدم فكرة العمل الرئيسية (منزل به كثير من الأبناء)، ومن ثم أفرزت تجربة (كامل العدد)، عن تقديم ثنائي مميز وكيمياء جاذبة بين (دينا الشربيني وشريف سلامة)، بل أكدت على تحدي الثنائي كلا منهم لتقديم تجربة مختلفة في رحلتهم واللتان ابتعدا فيها عن الكوميديا منذ سنوات، فدينا الشربيني لم تقدم عمل (اجتماعي – لايت) منذ مسلسل حكايات بنات (الجزء الأول 2012)، وكذلك شريف سلامة لم يقدم عملا كوميديا قبل أكثر من عشر سنوات منذ تجاربه كما هي في مسلسل (الباب في الباب) أو فيلم (إذاعة حب).
ويبدو أن (دينا الشربيني) أدركت ضرورة التغيير بعد أن قدمت في سنواتها الأخيرة كثير من الأعمال التي تحمل (الميلودراما) ونوعي الدراما النفسية المعقدة والأكشن، ومن هنا فإن شخصية (ليلى) خرجت بتلقائية كبيرة نظرا لكونها تتقارب مع روح دينا المرحة في الواقع، وكذلك شريف سلامة الذي قرر أن يحمي صورة الرجل (شديد الذكورية والعنف) التي ظهر بها في مسلسل (فاتن أمل حربي) في العام الماضي بشخصية (سيف الدندراوي) والتي تسببت في كره الكثيرون لها، ليقدم عملا يثبت من خلاله ذكاؤه الفني ووعيه في اختياراته التي يتخذها بعناية شديدة فلا يوجد دور في رحلته الفنية يشبه الآخر.
مسلسل كامل العدد، قدم لنا حالة استثنائية على جميع المستويات في دراما المارثون الرمضاني الحالي، وأكثر ما يعبر على نجاحه كونه (حقق نجاح بذاته) بعيدا عن أي لجان وكتائب إلكترونية، تجربة ممتعة للمشاهدة لمن يريد آخذ استراحة لعقله مع مداعباتها بأفكار تحمل تساؤلات حياتية نحو تكرار الفرصة ومدى نجاحها، وفوق كل ذلك أنه جعل خالد الحلفاوي اسما مميزا في تقديم الدراما الإجتماعية التي تحمل فكرة عميقة وراءها رغم كونها تبدو بسيطة، والحقيقة أنه هنا في (كامل العدد) خاض أكثر من تحدي بداية من تقديم مشروع يجمع عدد كبير من الأطفال المتفاوتين في أعمارهم وبشكل يظهر بروح متماهية بينهم وبين بعض خصوصا مع توظيفهم وإخراج قدراتهم التمثيلية بشكل جيد برغم كونها التجربة الأولى لهم.
وليس هذا فحسب، بل أن المخرج (خالد الحلفاوي) نجح في تقديم صورة أنيقة ومبهجة بالألوان على الشاشة بداية من الحلقة الأولى التي ذهب فيها بالمشاهدين إلى واحدة من أجمل بقاع الأرض (أسوان) مستعرضا طبيعتها الخلابة، وكونها مصدر لنشوء قصة حب جاذبة مرورا بالبهجة التي أحدثها في باقي أحداث العمل خصوصا الحلقة الأخيرة ومشهد فرح (الجد والجدة – فاتن وتيمور)، بما حمله من بهجة في مشاهد الرقص وكوميديا الموقف في آخر مشهد عندما استغل عبارة الراحل رشدي أباظة في مشهد نهاية فيلم (عالم عيال عيال) خلال ولادة زوجته، وقدمها شريف سلامة (أحمد) بشكل تلقائي عندما تخبره زوجته دينا الشربيني (ليلى) بكونها حامل، فيصدح مهلهلا مع أبناؤه (الله حي الثامن جاي).
ومن أهم أسباب نجاح العمل أنه لم يكتف بإضحاك الجمهور، وإنما سلط الضوء على الكثير من القضايا الاجتماعية المهمة والمتنوعة، مثل الزواج المبكر وسوء اختيار الشريك، أو خوض تجربة الأمومة في سن صغيرة قبل ما يلزم من النضج، كما استعرض العمل العلاقة بين الأزواج المنفصلين بعد الطلاق، بالإضافة إلى نموذج المرأة المطلقة أكثر من مرة، وحاجتها إلى الاستقرار العاطفي، وهو ما قد يستنكره عليها المجتمع أو الأبناء، كما لو كان عليها العيش وحيدة إلى الأبد متى جربت حظها ولم يكتب لها النجاح، على عكس الرجل الذي يستطيع أن يتزوج ما شاء من المرات من دون أن يلومه أحد.
ولم يكن مسلسل (كامل العدد) ليحقق هذا النجاح ويلمس القلب بسهولة لو لم يكن طاقم العمل بأكمله على المستوى المطلوب من الأداء على رأسهم النجمين المتميزين (شريف سلامة، ودينا الشربيني)، ولما كان العمل يضم 7 أطفال، بينهم 4 مراهقين، كانت تلك مجازفة كبرى، خصوصا على اختلاف الأعمار وصعوبة السيطرة على بعضهم، وحقيقة أن معظمهم يخوضون التمثيل للمرة الأولى أو الثانية، ومع ذلك، فقد أحسنوا العمل والأداء، وفي مقدمتهم (جيسيكا حسام وحمزة دياب) الذي اختاره الكثير من النقاد كأفضل وجه جديد في رمضان 2023.
وإلى جانب الأبطال الرئيسين لمسلسل (كامل العدد) والوجوه الجديدة من الأطفال، شارك في العمل نجوم كبار سنا أضافوا إليه، على رأسهم الفنانة والإعلامية الكبيرة (إسعاد يونس) التي عادت إلى الدراما بدور بسيط مرح، يعكس خبرتها الطويلة في الأداء التمثيلي الجميل على مستوى الشكل والمضمون، وأحمد كمال وألفت إمام اللذان يشكلان ثنائيا خفيفا وجديدا في مسيرتهما الفنية، أما أهم عوامل النجاح الفنية الأهم للمسلسل، فهي الإخراج الممتع بصريا لخالد الحلفاوي، والذي تميز بجمال الصورة والألوان وحركات الكاميرا السريعة والكادرات الخلابة، خصوصا في الحلقات الأولى التي صورت في أسوان وضمت مشاهد طبيعية رائعة.
ولا يمكننا بالطبع تجاهل الموسيقى التصويرية التي زادت من بهجة العمل، بداية من التتر لمصطفى حجاج، ومرورا بالموسيقى ذاتها والأغنيات المختلفة التي صاحبت بعض المشاهد للتعبير عن الحالة المزاجية أو العاطفية للأبطال، من بينها أغنية (شخص ما) لمحمد شاكر، و(اشهد يا ليل) لغزل غريب، و(غلبان) لأصالة، و(الدنيا ريشة في هوا) لسعد عبد الوهاب، فضلا عن مقطوعات من غناء ( أم كلثوم، وعزيزة جلال) في خلوة الجد (أحمد كمال)، ناهيك عن موسيقى تصويرية معبرة للغاية عن المواقف المختلفة ضمن الأحداث السريعة التي لا تشعرك بالملل بقدر ما تبعث على البهجة والإحساس الدائم بالسعادة.