بقلم: محمد حبوشة
سجل النجم الشاب (أحمد داوود) حضورا مميزا في الأداء التمثيلي الاحترافي على جناح التلقائية والبساطة والابتسامة العذبة التي يصاحبها ذكاء حاد وشعور قوي بآلام البسطاء من أبنا هذا الوطن، فهو يشبه أبطال الروايات، مثل بطل روائي مثالي ابتدعه خيال روائي محترف (ساذج وحساس في نفس الوقت)، يتطابق مع خيال الروائي من حيث أنه تجسيد له، ومن ثم يتوافر فيه الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، بحيث يعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية، وأن تكون له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسي، فإذا لم يكن هناك معين في داخله ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامه بأحد الأدوار فهو ليس ممثلا.
ومن ثم فقد نجح الفنان الشاب (أحمد داوود) في تجربته الأولى في تقديم برنامج (الكونتينر) كما في التمثيل، حيث عاش في دور الإعلامي واستطاع أن يتسلل تحت جلد الشخصية المصرية الصانعة للإنجاز، وقد أعادنا (داوود) إلى عهد التحقيقات المصورة التي ترصد تجارب صناعية مصرية حية على الطبيعة مباشرة، تم تسليط الضوء عليها في غيبة من وعى برامج التلفزيون التي تخصصت في التفاهات ومحاولات ركوب (الترند) وغيرها من موبقات الإعلام الحالي الذي يغرد خارج سرب الحياة المصرية المعقدة حاليا.
شاهدت غالبية حلقات البرنامج الذي بدأ قبل شهر ونصف تقريبا وأدركت حرفية (أحمد داوود) الذي تخرج من كلية الهندسة – قسم الميكانيكا، في العمل الإعلامي وهو لم يدرس الإعلام، لكنه تفوق في أساليب وتكنيك الأداء الإعلامي على جناح مهنية تبدو لنا أن معتقة عبر سنوات طويلة في هذا المجال البعيد تماما عن التمثيل، ربما بحكم تخصصه استطاع أن يجيد فن الحوار المتخصص في مجالات الصناعة المختلفة، وبأسلوب سهل وبسيط تمكن من اختراق الحواجز التي تعوق أي إعلامي منذ الحلقة الأولى حيث تناول تفاصيل صناعة (الجينز) في مصر، وقام بزيارة أحد أكبر مصانع الجينز في بورسعيد، والتي كسبت ثقة علامات تجارية عالمية لدرجة جعلتها تنتج وتصنع وتصدّر الجينز للعالم كله.
في هذه الحلقة خاض (أحمد داود) بأسلوب إعلامي حرفي وقدير اعتمد صيغة التحقيق التلفزيوني في مراحل صناعة الجينز بداية من القماش الخام مرورا بتصميمه وتصنيعه وشحنه في (الكونتينر) وتصديره، ثم في الحلقات التالية انخرط في استعراض الثورة الصناعية التي أحدثتها مصر في الخمس سنوات الماضية، وأجمل مايفعله الفنان الشاب أنه ينتقل بالكاميرا إلى مصانع مختلفة بطول وعرض خارطة مصر في مختلف المحافظات ليرصد تطور صناعات الملابس، الجلود، الصناعات الغذائية، الأجهزة الكهربائية والصناعات الثقيلة والمكملة.
ومن ضمن الحلقات التي تتسم بالزخم وجمال الصورة التلفزيونية المبهجة حلقة (الخزف المذهب)، حيث عرض لنا مشاهد مختلفة في طريق نقش أطباق الخزف الصيني المذهبة يدويا، في إشارة واضحة إلى أن صناعة الخزف الصيني تعتمد على فنانين من خريجي الفنون الجميلة لرسم تصميمات رائعة ثم طباعتها على الشفاف لنقل هذه التصميمات على الأطباق، وذلك من خلال 500 عامل وعاملة بالمصنع الذي يصدر منتجاته إلى 97 دولة منها 90 دولة في أوروبا.
ولأن (أحمد داوود) هذا الأسبوع الممثل الشاب هو من ذلك النوع من الممثلين الذين يتسمون بأداء احترافي يؤكد أنه يتمتع بقدرة الإدراك التعبيرية في قراءته لحوارات النص، متصورا وباعثا ذلك العالم الداخلي المتأزم بشخصية البطل وانفعالاته النفسية الداخلية ومزاجها وأهدافها التي تروم الوصول إليها، وهذه القدرة الإدراكية تفترض مقدرة الممثل التي يتم بواسطتها ترجمة تلك الانفعالات والخصائص السلوكية واسترجاع ملامح تلك الحركات والوضعيات والإشارات وطريقة الإلقاء ونبرة الصوت وشكل الكلام مع الشخصيات الأخرى.
لذا لفت نظري أسلوبه الخاص في الأداء الإعلامي الفارق وبحضور خاص سواء في الاستديو متحدثا لبقا يخلط الابتسامة بالجدية، أو في رحلاته على الطبيعة من قلب المصانع، فقد بدا أحمد داود، ممثلا وإعلاميا يعرف جيدا كيف يوظف التقنيات الجسدية والصوتية كافة في خدمة شخصية البطل سواء في قلب الورش أو في المكتب مستغرقا في تصميمات على الكمبيوتر، وهو هنا كما في التمثيل يملك ذات القدرة على التقاط هذه الحركة وتلك النبرة المسيطرة، وأسلوب التنقل والحركة وأسلوب الصوت والإلقاء، ولقد ظهرت تلك الصفات ذاتها وغيرها مع (داوود) حين قام بالعديد من الأدوار البطولية من مسلسلات وأفلام، ومع ذلك فقد ظهر تواضعه الجم.
ورغم أدائه التمثيلي البارع فهو لايحب أن يلقب بالنخبوي، أو ينصف في خانة النجوم الأكثر شهرة، لأنه ببساطة يرغب في أن يكون ممثلا متاحا لكل الفئات العمرية والثقافية، ولهذا ظهر كواحد من الناس في تعامله مع عمال المصانع والمديرين وأصحاب العمل، وكأنه أحد الشباب القلائل الذين يسيرون إلى النجومية الإعلامية بخطوات مدروسة ومحترفة، كما يسير عليها في التمثيل.
وكما تركت أدواره أثرا لدى المشاهد العربي، سواء عبر مسلسلاته التي شارك في بطولاتها، أو عبر أفلامه السينمائية، سيترك أثرا آخر في الإعلام، ما يؤكد أنه لا تنقصه الموهبة ولا الطموح الإعلامي أيضا، فهو يبحث دوما عن الأفضل ليقدمه في لوحة الإعلام الجديد، وهو المعروف منذ بداية تخرجه من كلية الهندسة، وأثناء دراسته عمل بالتمثيل على مسرح الجامعة، ثم فاز بالعديد من الجوائز على مستوى الجامعة وبسبب حبه للتمثيل بدأ البحث عن وسيلة ليدخل بها عالم التمثيل الحقيقي، وقد دشن رحلته الفنية بالمسلسلات التلفزيونية والمسرح الثقافي الفرنسي، ومثل به مسرحية (موتى بلا قبر)، وحصل على جائزة أفضل ممثل شاب من مهرجان الشباب المبدع سنة 2004م، لكن بدايته الحقيقية كانت في فيلم (السلم والثعبان)، وبرنامج (عائلة بيسو).
ويعتبر أحمد داود، من الممثلين الشباب المصريين الذي يحاولون على الدوام التقدم إلى الصدارة من خلال الأعمال البطولية التي يقدمها بجدية واجتهاد، وهو في ذلك لا يعتمد على نوع محدد، وإنما يسعى دائما لتقديم ما يناسب جميع الفئات العمرية ولا يقيد نفسه في الانتقاء، ومن هذه الأعمال التي تشهد له بالتنوع والعزف على أوتار شخصيات كثيرة تختلف في طبيعتها وتكوينها ومواقفها من الحياة بصفة عامة، ومنها أدواره في مسلسلات وأفلام مختلفة، مثل (هذا المساء – يوم للستات – جراند أوتيل – هيبتا – الماء و الخضرة و الوجه الحسن – ولاد رزق – قبل زحمة الصيف – سجن النسا – نيران صديقة – الوالدة باشا – نكدب لو قولنا ما بنحبش – زي الورد – عرفة البحر – 122 – أهو ده اللي صار) وغيرها من أعمال تشهد له بالتطور المرحلي في مسيرته الفنية.
وها هو اليوم يخوض تجربة جديدة في مسيرته الإعلامية، كما يسلط (الكونتينر) الضوء على تصنيع مصر لكل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، سواء ملابس أو إكسسوار أو صناعات غذائية أو جلود أو أجهزة كهربائية أو حتى صناعات ثقيلة وصناعات مكملة، خاصة في آخر 5 سنوات، ليتحدث بفخر أنه يخرج من الدولة يوميا آلاف (الكونتينرات) المحملة ببضاعة تحمل علامة (صنع في مصر) وتسافر إلى كل بلاد العالم حتى أصبحت مصر مؤخرا بها نقلة نوعية على الخريطة الصناعية وأصبحت لاعبا أساسيا في العديد من الصناعات المتطورة.
تحية تقدير واحترام لهذا الفنان الذي احترم جمهوره إلى حد أنه يسعى في حياته الإعلامية الجديدة، كما في حياته الفنية للبحث دائما عن التنوع بين الأكشن والكوميديا والتشويق، إلى جانب السيناريو القوي والشخصية التي يقدمها، فهو يحب أن يراه الجمهور دائما بشكل مختلف، ومن ثم فلا يحصر نفسه في دور واحد، ولعله قد برع كثيرا في تجسيده لشخصية (يوسف) الابن والحفيد، في مسلسل (أهو ده اللي صاره) والذي كتبه بطريقة سحرية تجمع بين الرومانسية و(النوستالجيا) المبدع (عبد الرحيم كمال) وضمنه حوارا غاية في الروعة والجمال، ليسجل حضورا إعلامية مناسبا جدا لهدوئه الذي يحمل في طياته عواصف لا تهدأ من الانفعالات التي تحكم فيها بقدرة توضح أنه استطاع أن يصقل موهبته بتعدد الأدوار التي لعبها خلال السنوات الماضية، بحيث أصبح ممثلا يمكنه استخدام كامل مهاراته وقدراته في التمثيل والإعلام معا.