بقلم: محمد شمروخ
فيما يبدو أن الإعلام المصري لابد أن يكون جاهزا خلال الأيام المقبلة لمواجهة ما سمي بـ (الأفروسنتريك) بعد أن جرت محاولات التصعيد على مستوى فيديوهات السوشيال ميديا وغالبيتها اتخذت خططها الهجومية والتزمت خطوطها الدفاعية لكن بطرق عشوائية، لدحض ما تحاول تلك الحركة بثه في العقول بمزاعم أقل ما توصف بأنها هزلية!
لكن الأمر ليس مجرد حماس من جانب مجموعة من المثقفين الأفارقة الباحثين عن (عدو) للتوحد ضده وتكوين كتلة تجاهه لعلها تستنهض الهمم لوضع قواعد مشروع ما، لم تزل ملامحه مغطاة بطبقات كثيفة من الضباب!
ولا تخفى تلك الرائحة الخبيثة التى انبعثت مع ابتعاث هذه الحركة التى قيل إنها نشأت في الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي، وجرى ببطء وسرية شديدين، الدعاية لها ما بين أمريكا وأوروبا وأفريقيا، بزعم أن الحضارة المصرية صناعة إفريقية وأن المصريين الحاليين ليسوا أفارقة، بل هم أحفاد الغزاة من شعوب الأرض الذين توالوا على أرض الكنانة واضطروا أبناء صناع الحضارة القديمة إلى التراجع نحو الداخل الإفريقي!
وعندما سمعت هذه الادعاءات، تجلت أمامى صورة عبقري مصر العظيم (جمال حمدان) الذي نبه إلى أن الخطر الذي سيهدد مستقبل مصر، سوف يكون زنجيا قادما من قلب إفريقيا!
وللتنبيه المهم.. فإن وصف (زنجى) لا يمكن أن يكون وصفا عنصريا إلا لدى النفوس المريضة، لأن الزنوج فرع من الحاميين حسب تقسيم السلالات الرئيسية للبشر (حاميون، قوقازيون، منغول)، فوصف (زنجى) هو نسبة للسلالة ولم يحولها إلى (سبة عنصرية) إلا العقل الغربي (ذي النزعة التمييزية) إثر موجات الاستعمار الأولى عندما غزا طلائع الإمبريالية الأوروبية أرض إفريقيا وتعاونوا مع عصابات النخاسة لجلب أبناء الشعوب السوداء للعمل في مستعمرات الأرض الجديدة والتى عرفت بأمريكا وما جرى فيها من إبادة شعوبها الأصلية واستعباد من تم جلبهم من غابات إفريقيا.
كذلك يتم التعامل حاليا مع وصف (الأسود) على أنه مهين ويتم استبداله بوصف (البشرة الداكنة) ويقال عن صاحبه الحامل للجنسية الأمريكية مثلا (أنه أمريكي من أصول إفريقية) وهذه هى قمة العنصرية، فلماذا لا يقال عن الأمريكي صاحب البشرة الفاتحة أنه من أصول أوروبية؟!.
فمجرد الشعور بأن كلمتى (زنجى وأسود) سمتان مهينتان، فهو إقرار واضح بدونية السلالة واحتقار اللون من جانب الذي يخجل من الوصفين واصفا كان أم موصوفا.
لكن في الوقت الذي يحق فيه للإفريقي في أى مكان في العالم، ألا يخجل من هذين الوصفين وبل وأن يقف في وجه كل شعوب الأرض ليعلن اعتزازه بأنه (زنجى أسود).
لكن بدلا من ذلك، إذا ببعض المثقفين الأفارقة من رواد الإفروسنترية، يوافقون على تجنب هذين المسميين ويقران بنبذهما.. وبدلا من أن يقفوا في وجه من احتقروا أصولهم واستعبدوهم في الماضي ووضعوا أجدادهم في حدائق للحيوان في مدن فرنسا وبلجيكا، إذا بالبعض منهم يحاولون أن يحاسبوا غير الأوروبيين والأمريكان على تلك الفاتورة التى تزكم عنصريتها الأنوف، فيأتى منهم من يزعم بأن بناة الحضارة المصرية كانوا (من أصحاب البشرة الداكنة!).
وعبقرية مصر الديموجرافية لا تقل عن عبقرية موقعها الجغرافي، إذ جمعت في دماء أبنائها بين كل تلك السلالات، وستجد في عائلة مصرية واحدة، ذا الوجه الأبيض الناصع أو الأسود الفاحم، والبقية القمحاوية الغالبة، هى نتاج هذا المزيج، دون شعور بذلك التمييز البغيض.
عرب، أفارقة، أتراك، أمازيغ، شعوب البر الأبيض، كل هؤلاء يحمل جيناتهم الدم المصري!
فليذهب دعاة العنصرية إلى الجحيم، كانوا من أوروبا أو أفريقيا!
لو كان الأمر مجرد مهزلة ثقافية أو كروية، لهان الأمر واعتبرناها مثل تلك الانفعالات الصبيانية كتسليط أضواء الليزر على وجه اللاعب المصري (محمد صلاح) في مباراة مصر والسنغال الشهيرة!
ونحن جميعا نعرف من المستفيد من إيقاع الفتنة بين شطرى القارة الشمالى والجنوبي، فهناك ترتيب يتم وضعه بإتقان، لإشعال صراع إفريقي عربي، بدت ملامحه تتشكل بوضوح في مشكلة السد الأثيوبي، حيث حاول (البعض) صناعة كتلتين متصارعتين بين أفريقيا والعرب (هذا مع أن الطغمة المسيطرة على مقدرات الأمور في أثيوبيا تأنف من الانتساب إلى السلالة الزنجية (الحامية) وتعتز بجذورها (السامية).. أظن الأمر لا يحتاج إلى بيان أكثر).
كما أن هناك دعوات لتقسيم أفريقيا إلى قسمين متصارعين، يعرفان بشمال وجنوب الصحراء الكبرى، فالمخطط الخبيث يعمل على تفتيت الكتلة المتصلة من الأسكندرية وحتى كيب تاون، بامتداد قارى هائل مع عدم وجود عوائق جغرافية مستحيلة، مما يمكن معه تحقيق حلم (إفريقيا الموحدة).
والوحدة السياسية وإن صارت مستحيلة، إلا أن الوحدة الاقتصادية ستفرض نفسها فرضا، فأفريقيا وإن حمل ظهرها المثقل بالهموم أكثر شعوب الأرض فقرا، فإن باطنها يزخر بثروات هائلة لم يشبع منها الرجل الأبيض لا قديما ولا حديثا، فتلك الحروب بين دول الداخل الأفريقي والصراعات القبيلة والعرقية، تم ترجمتها بسيطرة شركات أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وإحكام قبضتها على مناجم الألماس والذهب واليورانيوم ومعادن أخرى تبدو كالجبال التى لا تنفد.
كل هذه الثروات لم يتمتع بها أصحابها المنشغلون في صراعات لا يراد لها النهاية!، فأهم هدف للاستعمار الجديد، هو حفر أخدود وهمى يفصل عنصريا ما بين شمالى وجنوبى القارة، تماما كالأخدود العظيم الذي يفصل جغرافيا بين الكتلتين الأفريقية والأسيوية في شرق القارة!
فما الداعى إن يتم إثارة الدعوة (الإفروسنترية)، في مصر وتونس والمغرب؟!.. ولماذ ينسى الأفارقة تاراتهم القريبة مع الأمريكيين والأوروبين الذين خاضوا حروب إبادة في العمق الأفريقى، ليعودوا إلى إثارة الفتن مع الشمال والدعوة (بالحقوق التاريخية الموهومة) في الأرض والحضارة!.
هل هو تمهيد لشيء ما؟!.. خاصة وأن جاليات أفريقية صارت تكتظ بها أحياء بالعواصم والمدن الكبرى في مصر وتونس والجزائر والمغرب؟!
ولماذا يتم التعمية عن التاريخ المشترك ما بين العرب والزنوج، حتى نشأت قبائل عربية لا تكاد تفصل ملامحها عن الزنوج في جنوب السودان وأثيوبيا وأريتريا وتشاد والنيجر ومالى والسنغال ودول الساحل الشرقي وجزيرة مدغشقر (لاحظ أن تلك الدول ليسوا أعضاءً في جامعة الدول العربية).
وبالتوازى مع ذلك، هناك سكان جذورهم أفريقية في دول الجناح الأفريقي العربي!
ولا أدرى إن كان ثمة خطة ثقافية إعلامية لمواجهة هذا المخطط الذي يقف وراء مثل تلك الدعوات، أم أن السادة لم ينتبهوا بعد، تاركين مهمة مواجهة المخطط الخبيث لهواة يوتيوب وتيك توك؟!
لقد تحدث الرئيس التونسي (قيس سعيد) صراحة في الأمر، وفي المغرب، بدأ القلق من انتشار ثقافة (الأفروسنتر) يصعد إلى دوائرعليا.
والفتنة يمكن أن تندلع مع أى حادث عارض يتم النفخ فيه يقع لأى شخص ينتمى للجاليات الأفريقية.. وهم قد صاروا بالملايين.
يمكن أيضا أن تشتعل من نتيجة مباراة بين فريقين كرويين، وكم شاهدنا من حماقات في ردود الفعل اتسمت بها العقلية المتحكمة في مقاليد كرة القدم؟!
إن أواصر التقارب لا خوف عليها مع العقلاء من الجانبين وهم – من الأغلبية حتى الآن – ولكن مخططات الفتن لا تعتنى بمثل هؤلاء العقلاء، بل هدفها الأساسي هؤلاء العقلاء أنفسهم!
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد!.