في مئوية محمد الموجي نكشف بداياته المجهولة، ونعرف أمنيته للفنان المصري

كتب : أحمد السماحي

يطول الحديث ويطول عن ملحن تعددت غزواته الفنية، ساهم ضمن كتيبة الملحنيين فى ريادة نهج جديد للغناء المصرى والعربى، تعددت غزواته الفنية والفكرية، فكانت روح الفارس هى المحرك له فى كل مواقفه، تعددت مواهبه، دون صخب أو ضجيج، ولم يكن خاسراً فى أى من غزواته، لأن موهبته كانت سرعان ما تفتح له أبواباً أرحب وأوسع، إنه مهندس الألحان (محمد الموجي) الذي نحيي اليوم 4 مارس الذكرى المئوية لميلاده، وبهذه المناسبة نتوقف عند بعض بداياته المجهولة، وآراء أم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب في ألحانه، وأمنيته التى تمناها للفنان.

المولد والنشأة

ولد (محمد أمين محمد رمضان الموجي) في 4 مارس عام 1923 في (بيلا) بكفر الشيخ، وعشق الغناء والعزف من جده الشيخ رمضان الذي كان هاويا للفن يجيد العزف على الآلات الشرقية مثل (العود، والقانون، والكمان)، وكانت والدته الحاجة (حميدة) تحفظ معظم أغاني الفلكلور وترددها بصفة منتظمة على أسماع إبنها (محمد) الذي عشق الموسيقى والغناء، وبعد تخرجه من مدرسة الزراعة، عمل فترة كملاحظ أمن في المعسكر الإنجليزي بالتل الكبير، ثم معاون زراعي، وأثناء ذلك كان يغني، حيث سيطر الغناء على حياته،  فقرر أن يكون الفن هو مستقبله، وشجعه على ذلك بعض المقربين منه، مثل مهندس قريب له في إيتاي البارود، وطبيب المركز، ونائب المأمور، هؤلاء كانوا جمهوره الأول الذي شجعه على النزول إلى القاهرة.

سمير محبوب

بالفعل نزل (الموجي) إلى القاهرة وتعرف على الشاعر (سمير محبوب) وكان تعارفهما بداية كفاحهما معا حيث ذهب (محبوب) في أحد الأيام للعمل عند ملكة الليل (بديعة مصابني) التى رفضت أن يعمل لديها، حيث كان لديها العديد من الشعراء الذين يكتبون لها أغنياتها واستعراضاتها مثل (أبوالسعود الأبياري، وفتحي قوره، وحسن توفيق، وجمال فكري) وغيرهم، لكنها أرسلته إلى تلميذتها (صفية حلمي) التى استقبلته بترحاب، وطلبت منه على وجه السرعة كتابة (اسكتش) غنائي تودع به عام 1948، وتستقبل عام 1949، فكتب لها الأسكتش، واقترح عليها أن يلحنه صديقه (محمد الموجي) ووافقت، ومن هنا كانت بداية الرحلة.

ملهى صفية حلمي

في ملهى (صفية حلمي) تطورت العلاقة بينها وبين (محبوب والموجي) فكان محبوب يكتب برنامج الليلة كاملا والموجي يلحنه ويغنيه وأحيانا يمثل فيه، وكان أجر الموجي خمسة جنية في الشهر، ومثلهما لصديقه الشاعر، ومن أجمل الاسكتشات التى لحنها الموجي في الملهى – كما يذكر الملحن الراحل محمد قابيل – اسكتش تونسي يقول مطلعه (سيدي كالبدر الناطق، أي والله، سيدي مخلوق من شاهق، أي والله، بحق زعيط، بحق معيط، سيدي كالبدر الناطق).

ملهى البوسفور

فترة عمل الموجي وسمير محبوب لم تستمر كثيرا عند صفية حلمي، وعندما لاحت لهما فرصة الانتقال إلى ملهى (البوسفور) في باب الحديد، لم يكذبا خبرا، فهناك أوركسترا كبير ومطربون ومطربات، وفي هذا الملهى لحن الموجي عدة ألحان منها (صافيني مرة، وظالم، بتقولي بكره، خايف أحبك، خلاص ح أخاصمك) وغنتهم (زينب عبده)، كما لحن (مظلوم في هواه والله ولا قادر أنساه، والله، واختش اتكلم، واتحدث، والقلب مشعلل ومفتت، مظلوم من هواه ولا قادر أساه) وغنته المونولوجست (سميرة فتحي)، كما لحن لـ (بديعة صادق) نجمة عصرها (السر بان في عينيك ياللي غرامك نار، وقلبي قاللي عليك مهما داريت غدار، غدار وقلبك خالي، والتقل عندك غية، غدار وشاغل بالي، ولا أنت سائل فيه).

كما غنت له أيضا (سميرة عبده) لحن (اكتب جوابات واستنى ترد علي)، وغنى له صلاح عبدالحميد (يا ما اشتكيت منه، ولا سائل فيه، كل يوم حسنه يحلى قوي في عنيه، ما تقوللي يا قاضي راضي ولا مش راضي)، وكل هذه الألحان أعاد الموجي إعطائها فيما بعد لأصوات أخرى مثل (عبدالحليم حافظ، ليلى مراد، عادل مأمون) وغيرهم.

ملهى الكواكب

ضاق الموجي بملهى (البسفور) مع أن (علي بحيري) صاحب الملهى كان يعطيه 15 جنيه في الشهر، وذهب للعمل مع زميله الشاعر سمير محبوب في ملهى (الكواكب) الذي كان يعمل فيه مجموعة من المطربيين الذين يغنون في الإذاعة في مقدمتهم (عبدالغني السيد) وبالفعل عمل في الملهى وغني فيه عدة أغنيات، ووزع بعض الألحان على عدد من مطربين الملهى، واشتهر له في هذه الفترة اسكتش (الجوافة) الذي يقول مطلعه (بانده عليكي يا حبيبة، يا طعمة وأحلى من السكر، حوشي جمالك دا شوية، أحسن عمال يتبعتر، يا ميت لطافة، يا حلوة يا جوافة)، وقد غنت هذا الاسكتش هو وآخر بعنوان (المنديل أبوترتر) المونولوجيست (نعيمة الصغير) التى عرفناها كممثلة فيما بعد.

الشجاعي يرفضه كمطرب

في هذه الفترة ومع بداية الخمسينات سأله بعض الأصدقاء لماذا لا تذهب للغناء في الإذاعة؟!، وتقدم الموجي إلى لجنة الاستماع فتم رفضه كمطرب، وقال له محمد حسن الشجاعي المسئول عن الموسيقى والغناء: (أنت لا تصلح مطرب، بل أنت ملحن ممتاز)، وجعله مسئول عن ركن الأغاني الشعبية، يقدم من خلال ربع ساعة أسبوعيا الأصوات والألحان التى يلحنها، فلحن لمجموعة من الأصوات منهم (إبراهيم الحجار، شفيق جلال، عبدالغني السيد، إبراهيم حمودة، عباس البليدي) وغيرهم كما غنى هو بصوته عدة ألحان.

النجومية والشهرة

بدأت ألحان الموجي تشق طريقها من خلال الإذاعة، ومع نهاية عام 1953 حقق شهرة كبيرة من خلال لحنه (صافيني مرة، وجافيني مرة) الذي قام بغناءه العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، ومن هنا بدأت شهرة محمد الموجي العريضة التى قدم من خلال مئات الألحان التى عانقت أصوات كبار المطربيين مثل (أم كلثوم، عبدالحليم حافظ، نجاة، صباح، شادية، فايزة أحمد، نجاح سلام، محمد قنديل، وردة، شريفة فاضل، أحلام، محرم فؤاد، سعاد مكاوي، ماهر العطار، عبداللطيف التلباني، هاني شاكر، أميرة سالم) وغيرهم.

………….

اللحن الأول

يعتبر (محمد الموجي) صاحب اللحن الأول في حياة عدد كبير من المطربيين فلحن لـ شريفة فاضل (أمانة ما تسهرني يا بكره)، ماهر العطار (بلغوه)، محرم فؤاد (رمش عينه، والحلوة داير شباكها)، مها صبري (قد ايه حبيتك أنت اد ايه)،)، كمال حسني (غالي علي)، عبداللطيف التلباني (اللي روحي معاه)، عادل مأمون (مش قادر أنسى)، أحمد سامي (يا حب إيه الظلم ده)، ليلى جمال (يا متعالي عليه، وشيئ غريب ناداني)، أميرة سالم (زقزق العصفور صاحني)، هاني شاكر (حلوة يا دنيا).

………….

شهادة أم كلثوم وعبدالوهاب

قالت عنه كوكب الشرق أم كلثوم: إنه إمتداد للقصبجي لكنه أكثر تطورا وله لون خاص وهو يتميز عن كل الملحنين الآخرين، ولا تجد له جملة واحدة منقولة من أحد، وإذا سمعت موسيقاه دون أن تسمع اسمه فإنك تقول فورا، هذا هو محمد الموجي.

أما موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب فقال عنه:  مخ رياضي وأجمل جملة عنده تلك التى تحتوي على تركيبات رياضية منطقية، وليس عند الموجي وسط، إما أعمال جديرة بالتقدير الكبير، وإما لا شيئ، والموجي ملحن السيميترية والهندسة، وإذا تصادف أن كان في حالة عاطفية يكون في اللحن هندسة وتكون شخصيته واضحة وجميلة.

………….

كلمات لم تمت لمحمد الموجي

هذه بعض الكلمات القليلة التى جاءت على لسان محمد الموجي في بعض حواراته الصحفية:

** يجب أن يكون لدينا محكمة للفن لمحاكمة اللصوص الذين يسرقون أعمال غيرهم.

** أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب في دمي من صغري، كنت وأنا صغير عندما أستمع إلى صوت عبدالوهاب أهب واقفا – انتباه – لغاية ما يسكت.

** أي جملة موسيقية ساعة ما أفتح الراديو تظل مسيطرة على مشاعري خمس ساعات على الأقل، علشان كده ما أحبش أسمع صوت عربيات أول ما أصحى من النوم.

** أحب الشاعر عمر الخيام لأن فهمه وممارسته للحياة نظرة فنان حقيقي.

** زوجتي (أم أمين) هى أعظم إمرأة في العالم فيها ملامح من شخصية (ناعسة) في حدوتة أيوب.

** نفسي في اليوم اللي يجيي وما يموتش فيه الفنان فقير.

……………………………

لقاء نادر للموجي وأبنائه :