بقلم: محمد حبوشة
يسعى الممثل الكوميدي لإثبات قدرته على الإضحاك، قد يتأتئ، قد يهرش جسمه، قد (يبحلق) بعينيه، قد يرتدي زي امرأة ويسخر منها، قد يدعي الجهل أو النسيان أو عدم التركيز، ليس أن الأدوات بحد ذاتها معطوبة، لكن استخدامها هو المعطوب والرديء، ومن ثم فالممثل الموهوب هو من يكتشف البؤرة الفنية في الشخصية وفي حركتها وفي قولها وفي الطريقة التي يود أن يؤدي فيها صفاتها بطريقة تنتمي إليه، كما إلى ما يسرده أو يشخصه، ومن المعروف أن كتابة أو تمثيل الكوميديا من أصعب الفنون الدرامية على الإطلاق، ولذا أصبحت سمة الاستسهال لسد حاجات السوق هى المعول الرئيسى فى هدم فن الكوميديا على مستوييها العربى والمحلى.
وبطبيعة الحال هناك فارق كبير بين الضحك والكوميديا؛ فالضحك غريزة إنسانية فطر عليها الإنسان، نتاج تفاعلات كيميائة فيزيائية، وعلى سبيل المثال (الزغزغة) أو النكتة، أو غير ذلك من المثيرات الفسيولوجية التى تنتج الضحك، أو لعلها مقرونة بغريزة الانتصار فى وضع المقارنة أو ما يسمى نظرية الإحلالية عن شخص وقع فى مقلب تتعالى ذواتنا عنه، فالضحك يختلف تمام الاختلاف عن فن صناعة الكوميديا، ولا يتسع المقام لذكر مسببات الضحك وشئونه.
المهم أن ضيفنا هذا الأسبوع الفنان الشاب (طه دسوقي) هو واحد من صناع الكوميديا الجدد الذين يملكون القدرة على انتزاع الضحك من قلب أعقد المواقف التراجيدية على جناح تلقائية غير معهودة في أبناء جيله من المممثلين الشباب الحاليين فهو من يكتشف البؤرة الفنية في الشخصية وفي حركتها وفي قولها وفي الطريقة التي يود أن يؤدي فيها صفاتها بطريقة تنتمي إليه، ويبدو ملحوظا عند (دسوقي) أنه لا يمكن أن تكون الكوميديا مصطنعة وإلا تبدو سخيفة في الغالب، فاذا توافرت لدى الفنان الإمكانات بالإضافة إلى الموهبة، يستطيع أن يقلب النص من درامي الى كوميدي، في هذه الحال يمكن أن نطلق عليه لقب فنان كوميدي، على سبيل المثال تكون الأعمال المسرحية مكتوبة بطريقة درامية والكوميديا فيها عادية نوعا ما، لكن الفنان الكوميدي الحقيقي يحولها الى كوميديا رائعة ونظيفة تماما كما حدث في آخر أعماله مسلسل (موضوع عائلي).
معروف أن العبوس والابتسام وجهان متقابلان ودائمان للحياة، وما بين العبوس والابتسام تسير مركبة الإنسان، فإما أن تجنح به الحياة نحو العبوس، وإما أن تجنح به نحو الابتسام، وإما أن يظل بين بين، لكن (طه دسوقي) وهو في مسيرة الحياة، يبحث دائما عن النور، وعن الازدهار، وعن السعادة، وعن الحياة، أي يبحث عن الابتسام، والذي يعني كل هذه الأشياء إنه في بحث دائم عن الابتسام، قد يصل إليه، وقد يغيب عنه، وقد يصل إليه ثم يغيب عنه، فيعاود البحث عنه من جديد، إنه لا يترك فرصة إلاّ ويحاول الوصول فيها إلى الابتسام.
يدرك (دسوقي) أن الابتسام غريزة في الإنسان، فهو يحاول اللجوء إليه دائما للابتعاد عن العبوس، أي عن الألم والحزن والشقاء، وسلاحه دائما في عملية الابتسام الضحك، فالضحك سلاح الإنسان الأول للتغلب على الوجه العابس للحياة، إنه يستغل كل فرصة مناسبة ليضحك فيها، فالضحك سعادة بالنسبة له في وجه الشقاء، والضحك علاج له في وجه المرض، والضحك وسيلة له في التواصل مع الآخرين، والضحك نافذة واسعة يطل منها على الحياة ببهجتها وزينتها وجمالها.
من خلال متابعتي لأعمال (طه دسوقي) بداية من ممارسته فن الـ (ستاند آب كوميدي) يبدو لي على صغر سنه أنه مطلع على تاريخ الكوميديا ومعرفته لكل أنواعها وأهدافها، ومن خلال اهتمام الناس بها وافتتانهم بها على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم، وعلى مدى العصور والأزمنة، واختلاف الأماكن، يتضح لنا أن للكوميديا تأثيرا عظيما على الناس، فهي المجال الوحيد الذي يضحكون فيه بحرية ويتشاركون الضحك مع الآخرين، لأن الضحك لا يكون إلا مع الناس وبين الناس وكلما زاد الناس زاد الضحك، وكلما ضحكوا أكثر كلما شعروا بانتمائهم إلى الناس أكثر، فالضحك رابط قوي يربط الناس بعضهم ببعض، والضحك أيضا متنفس للناس، يفرغون فيه كل همومهم وأحزانهم ومشاكلهم.
إنهم أيضا، يجدون كما يجد (دسوقي) الراحة والرضا عندما يضحكون على الطبقات الأرستقراطية وأصحاب النفوذ والقوة والمال ومن يشعرون نحوهم بالكره والنفور، ومن المغفلين والسذج والجهلة، عندما يرونهم على خشبة المسرح، إنهم ينتقمون منهم بالضحك والسخرية والاستهزاء، ويتشفون بهم عندما يرونهم بالمواقف المضحكة والنهايات التعيسة، والانتقام هنا هو انتقام جماعي، والمجتمع لا يرحم مثل هؤلاء الناس، وعلى المسرح يرى الناس أنفسهم، يرون مشاكلهم وأخطاءهم وسلبياتهم، فيضحكون منها، ولكنهم في نفس الوقت يتعلمون ويتعظون وينتبهون لمواقع الخطأ والخلل، فالكوميديا مرآة المجتمع، والكوميديا معلم محبوب وظريف ولبق، يعلّم الناس الأخلاق والقيم النبيلة والفضائل الحسنة، ويحذرهم من الشر والأذى والعيوب الضارة بالمجتمع.
عندما نتكلم عن الكوميديا عند (طه دسوقي) فإننا نتكلم عنها كفن نبيل وصادق، وليس كفن رخيص وتهريجي وخلاعي، كما يحدث أحيانا، فتفقد الكوميديا بذلك رسالتها السامية، صحيح أن (هدف الكوميديا هو أن تسلي الناس من خلال التمثيل، وتجلب لهم المتعة)، ولكن المتعة عنده لا تأتي من الضحك وحده، فالحدث العجيب قد يمنح من المتعة أكثر من أي فعل باعث على الضحك، والحكاية المتقنة هى مصدر المتعة الحقيقية للعقول المتنورة، فالكوميديا إذن مرتبطة بالمتعة وليس بالتهريج، إنها مسألة مدروسة عنده، ويراعي في كل أدواره ألا تكون قائمة على المبالغة، بل مرحة وليست وقحة، تجرح المشاعر والأحاسيس، بل تسعى لاستنهاض طاقة إيجابية تحقق المتعة.
إن صناعة المشاهد والمواقف المضحكة الباعثة على السرور تعتمد عند (طه دسوقي) على أساليب يبدو أنها تجريبية عبر خبرة التكرار والتجربة لما قد يثير ضحك الناس وبهجتهم وبوساطة توظيف بعض الكلمات والحركات والمواقف أو استعمال التناقضات والأشكال المدهشة والغريبة، ويمكن أن يكون عنصر المفاجأة أحد العناصر الرئيسة لحث المتلقي على الانبهار والضحك، وقد يرتفع هذا الشكل من الفن أو يهبط حسب الوسيلة والفكرة المتبناة لإثارة الفكاهة، فقد تصبح مبتذلة هابطة بوساطة استعمال اساليب تهكمية أو محرجة لإثارة الضحك، أو قد يكون النقد والسخرية البناءة أحد هذه الأساليب والأدوات التعبيرية الفنية الموسومة بخفة الدم والمواقف المبتكرة، والتي يوظفها (دسوقي) لمعالجة مواضيع اجتماعية وسياسية وثقافية مهمة.
ولد الفنان الكوميدي الجميل (طه الدسوقي) في تسعينات القرن الماضي القرن العشرين، ليكون واحد من الممثلين الشباب الصاعدين في مجال الكوميديا في جمهورية مصر العربية، برغم أن تخصص هو الحقوق وليس خريج من معهد الفنون المسرحية في مصر الذي يعمل على تخريج الفنانين والممثلين، أحب التمثيل والفن واشتهر من خلال الأعمال التي شارك فيها، ليحجز مقعد فني وتمثيلي في الكوميديا المصرية، التي بدأت مسيرته الفنية وحياته التمثيلية في بداية عام 2021م، أي قبل عام واحد لكنه دخلها من خلال أعمال ساهمت بشكل كبير في شهرته الفنية وبرزت إمكانياته الكوميدية.
طه دسوقي هو (ستاند إب كوميديان) وممثل خفيف الظل ويتمتع بسرعة بديهة تمكنه من جلب الضحك والمتعة من خلال المواقف التي يتعرض لها من خلال عروضه الحية، حيث قدم العديد من الأعمال الفنية والتمثيلية الجميلة والرائعة فكانت بدايته في مشاركته بالمسلسل المصري المميز (بيمبو) مع نخبة كبيرة من نجوم الفن والتمثيل في مصر، حيث حقق نجاح باهر وكبير مما جعل كافة المنتجين يحبون التعاون معه في أعمال كوميدية وفنية جديدة لما يحقق نجاح كبير لأي عمل يشارك فيه، وقدم طه الدسوقي بعض الأعمال الفنية والتمثيلية الجميلة والرائعة، والتي حقق من خلال نجاح كبير على المستوى الفني، مما جعل حياته الفنية تختلف عن ما كانت في السابق، نتيجة الشهرة التي حققها بواسطة ما قدم حيث حصلت أعماله على نسبة مشاهدات كبيرة وعالية من خلال محبيه ومتابعيه الذين يحبون مشاهدته في أي عمل يكون فيه، وتألق دسوقي مؤخرا لينطلق كصاروخ جديد للكوميديا في مسلسلات (موضوع عائلي، في بيتنا ربوت، الوضع مستقر)، وفيلمي (حظك اليوم، فرق خبرة).
تخرج طه دسوقي من كلية الحقوق جامعة عين شمس، ويقدم الـ (ستاند أب كوميدي) منذ 2013 وحتى الآن، وكان يقيم حفلات في ساقية الصاوي والكثير من المسارح، و درس التمثيل من خلال الورش، وعمل في مجال الإعلانات، رشحه المخرج هادي الباجوري للعمل في إعلان (we) بعد مشاركته له في إعلان سابق، ولفت (طه دسوقي أنظار الكثير) من خلال ظهوره في إعلان (we) فعلى الرغم من مدة الإعلان القصيرة، الأ أنه انتشر بشكل كبير بين الجمهور بسبب خفة الظل التي تميز بها أبطال الإعلان وعلى رأسهم النجم سمير غانم، ومن هنا تسأل البعض عن من يكون الكوميديان الشاب الذي أضحكهم في هذا الإعلان، وأصبحوا ينتظرون الإعلان بسببه.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لهذا الممثل الكوميدي الجميل (طه دسوقي) الذي يشع طاقة إيجابية تشير إلى موهبة حقيقية في التمثيل الكوميدي الباعث على البهجة، كأنه يتبع (هنري برجسون) فيلسوف الضحك الذي كان مؤمنا بغلبة الروح على القوة المادية، وكان يبني ذلك الإيمان على مثل السبب الذي اعتمده في تعليل الضحك، وهو أن التقدم الإنساني مرهون بتقدم الروحيات على الآليات، وأن الإنسان لم يخلق ضاحكا ليصبح آلة مغلوبا بقوة الآلة، بل خلق ضاحكا يسخر من الآلات، ومن يردونه إلى حكم الآلات، فالضحك إنما هو سلاح الإنسانية للمحافظة على المرتبة التي وصلت إليها فوق الجماد وفوق الحيوان، ومن هنا استحال على الحيوان أن يضحك لأنه لم يصل إلى هذه المرتبة وليس عنده من التمييز ما تستدعيه.. تلك هى فلسفة (طه دسوقي) صاروخ الكوميديا الجديد الذي لفت الأنظار.