حسين فوزي: أحمد بهجت ساندني دون معرفة، وخيري شلبي كان سبب اعتراف الإذاعة بي (2/2)
* تقدمت لامتحان الإذاعة مرتين وفشلت، والثالثة تم اجتيازي بنجاح
* قلت لمسئول الموسيقى والغناء أنا سيد درويش العصر فطلب لي الأمن
* أول ألحاني كان بعنوان (الجميلة الحلوة مصر) غناء فايد محمد فايد
* بخيت بيومي وثق علاقتنا وسنوات الضياع في زجل بعنوان (كنا زمايل في السكة، عايشين على حبة فكة).
* الساحة الغنائية مليئة بالتفاهات ونجد من يساند ويدعم هذه التفاهات
أجرى الحوار : أحمد السماحي
لم يخطر في ذهني أثناء إجراء هذا الحوار الذي أجريته منذ حوالي شهر ونصف، ونشر الجزء الأول منه من حوالي أسبوعين، أنه سيكون الحوار الأخير في حياة ملحننا الكبير (حسين فوزي) أحد مظاليم الفن الذي رحل عن حياتنا أمس الأحد 19 فبراير 2023، بعد حياة حافلة مليئة بالأعمال الغنائية العاطفية والوطنية والدينية، كانت مدرسته في التلحين هى المدرسة التعبيرية التطربية التى تعتبر امتدادا لكلا من الشيخ زكريا أحمد، والشيخ سيد مكاوي، وأحمد صدقي، ومرسي الحريري، قدم الراحل من خلالها على مدى مشواره حوالي 800 لحنا قام بغنائها كبار مطربي مصر من كل الأجيال.
في الجزء الأول من الحوار توقفنا مع نشأته في بيت فني فوالده هو الملحن القديم وعازف العود (زكي فوزي) أحد مؤسسي فرقة الموسيقى العربية مع الموسيقار عبدالحليم نويره، ووالدته هى المطربة (سيدة حسن) صاحبة أشهر أغنية زفة عروسة في تاريخ الغناء وهى (مبروك عليك عريسك الخفة)، وتحدثنا معه عن تأثير حي الحسين الذي ولد فيه على نشأته، وحزنه عن تأخر تكريمه في مهرجان الموسيقى العربية الأخير.
وكشف لنا كيف استعان (طلعت باشا حرب) بوالدته للترويج لمصانع غزل المحلة، وعمله كملحن في الملاهي الليلية ومسارح المنوعات التى استمرت فترة طويلة من الزمن، وغيرها من الأسرار التى كشفها لنا، وبعد نشر الجزء الأول من الحوار سعد به جدا، وأرسل لنا صور أخرى على الواتس لننشرها مع الحوار الذي كان من المقرر أن يمتد لحلقات أطول من حلقتين، لكن للأسف رحل قبل أن نستكمل باقي الحوار نظرا لظروفه المرضيه بعد نشر الجزء الأول، والآن نترككم مع الجزء الثاني والأخير
* كم إستمرت رحلة اكتشاف الذات من خلال الملاهي الليلية ومسارح المنوعات؟
** حوالي 10 سنوات من عام 1966 إلى عام 1977، وطوال هذه السنوات العشر قدمت العديد من الألحان لمطربين ومطربات هذه الملاهي ومسارح المنوعات، بعضها كان جيدا، والآخر (أي كلام)، وكتب صديقي الغالي الشاعر (بخيت بيومي) مجموعة من الأبيات الزجلية التى توثق علاقتنا، وفي نفس الوقت تعبر عن هذه المرحلة المضنية، الجميلة من حياتنا قال فيها:
كنا زمايل في السكة، عايشين على حبة فكة
من مطربة صوتها السكة، مكتوم وطالع م الحمام
نتوه سوا وسط الزحمة، نحلم سوا بأكلة لحمة
ونصوم ونفطر على فحمة، والناس بتنام وإحنا ما بنام
* متى تم إعتمادك كملحن في الإذاعة المصرية؟
** بعد الملل من حياة الليل والسهر في الملاهي الليلية التى وجدت أنه لا فائدة منها مادية ولا معنوية، تقدمت لامتحان الإذاعة مرتين وفشلت الأولى عام 1977، والثانية عام 1978، والثالثة تم اجتيازي بنجاح، وكانت اللجنة التى أجازتني مكونة من الأساتدة (الموسيقار مدحت عاصم، والملحن والمايسترو عبدالحليم نويره، والمؤرخ الموسيقي محمود كامل).
* وما هو أول لحن قدمته في مشوارك الاحترافي بعد اعتمادك في الإذاعة المصرية؟
** لأول لحن قصة طريفة فبعد اعتمادي في الإذاعة مباشرة فضلت عام كامل تقريبا لم يعهد لي أحد بنص غنائي ألحنه، في هذه الفترة تعرفت على شاعر إسمه (يوسف وهبة)، وكتب لي صورة غنائية بعنوان (ليلة العيد في باب الحديد) وقمت بغنائها على العود، وأصررت أن تكون هذه الصورة هى بداية ألحاني في الإذاعة.
وحتى أضمن جودة الصوت ذهبت إلى أحد الاستديوهات وسجلتها على حسابي، وأخذت شريط الكاسيت المسجل عليه هذه الصورة، وذهبت اشتكي عدم إعطائي فرصة من قبل الإذاعة للكاتب الكبير (أحمد بهجت) رئيس تحرير مجلة (الإذاعة والتليفزيون) الذي استقبلني بترحاب كبير رغم عدم معرفته بي، وطلب من زميله الكاتب والروائي (خيري شلبي) الذي يعمل معه في المجلة والمشهور بحبه للغناء، أن يستمع إلى هذه الصورة، وإذا أعجبته يكتب عني.
وبالفعل بعد أيام قليلة، وفي العدد الجديد من المجلة كتب (خيري شلبي) عني صفحتين وجاء العنوان كالتالي (حسين فوزي الاكتشاف الجديد .. عصارة سيد درويش، وأحمد صدقي)، وناشد المسئولين في الإذاعة بالانتباه إلى هذه الموهبة، واتصل بي (خيري شلبي) فور صدور العدد، وقالي: (روح اشتري حالا مجلة “الإذاعة والتليفزيون” أنا كاتب عنك).
أثناء ذلك تم تعين (صالح مهران) مسئولا عن الموسيقى والغناء في الإذاعة فطرقت بابه للمباركة، وبعد السلامات والتحيات، قال لي مين حضرتك؟ قلت له: (أنا سيد درويش العصر!)، فبُهت الرجل ونظر لي بذهول وظن إنني شاب مجنون! ووضع يده على التليفون ليطلب الأمن، فتنبهت وعرفته بنفسي واشتكيت له عدم إعطائي فرصة حتى الآن.
وقبل تركه أعطيته شريط كاسيت مسجل عليه الصورة الغنائية (ليلة العيد في باب الحديد) وطلبت منه الاستماع إليه، بعدها مباشرة قرأ ما كتبه عني (خيري شلبي) وتم استدعائي ووجدت في مكتبه عندما دخلت الموسيقار الكبير(عطية شراره)، ومدير عام الدراما في الإذاعة (أحمد أبوزيد)، وقال لي لقد استمعت إلى الصورة الغنائية وأعجبتني وقررنا تقديمها في الإذاعة وسيقوم الأستاذ (عطية شراره) بالتوزيع الموسيقي لها، وسيخرجها أحمد أبوزيد، وبالفعل حدث هذا واشترك في غناء هذه الصورة 13 مطرب ومطربة منهم (فايد محمد فايد، شفيق جلال، زينب يونس، توفيق فريد) وغيرهم.
* لم تذكر لي أول لحن قمت بتلحينه قبل الصورة الغنائية (ليلة العيد في باب الحديد)؟
** أثناء عملنا على الصورة الغنائية (ليلة العيد في باب الحديد) تنبه (صالح مهران) إنني لايوجد لدي ألحان باسمي في الإذاعة، وحتى تذاع الصورة لابد أن يكون لي ألحان باسمي، فأعطوني نص وطني لأغنية بعنوان (الجميلة الحلوة مصر) كلمات شاعر اسمه عبدالعظيم طربية، كانت كلمات الأغنية من النصوص التى تم إجازتها في الإذاعة، وقام بغناء اللحن المطرب الكبير فايد محمد فايد، وقد قمنا بتسجيل هذا اللحن (لايف) من حفل في مسرح نادي الضباط بالزمالك عام 1979، بعدها بأسبوع قمنا بتسجيل الصورة الغنائية.
* ماهي أشهر الألحان التى قدمتها في هذه الفترة؟
** ألحان كثيرة جدا كلها من مختارات الإذاعة أي أن الإذاعة هى التى كانت تتكفل بدفع نفقات كل المشاركين في اللحن حتى يخرج للنور، وفي هذه الفترة تبناني (صالح مهران) فنيا وأعطاني نصوص غنائية كثيرة، لدرجة أن ملحنيين كبار قدموا شكاوي ضده للسيدة (صفية المهندس) رئيس الإذاعة في هذا الوقت، لاعتقادهم إنني قريبه، وكانوا يتساءلوا إيه حكاية حسين فوزي مع صالح مهران، يعطيه 6 ألحان مختارات في السنة الواحدة؟!
وسألت السيدة (صفية المهندس) الموسيقار والمايسترو (عبدالحليم نويره) عني، فقال لها: حسين فوزي شاب موهوب ولا تستمعي إلى ما يتردد حوله.
وفي هذه الفترة قدمت ألحان كثيرة لـ (أميرة سالم، سيد الملاح، شفيق جلال، كارم محمود، محمد قنديل، ماهر العطار، محرم فؤاد، محمد رشدي، محمد العزبي، هدى زايد) وغيرهم.
* لحنت للمطرب الكبير كارم محمود العديد من الأغنيات ماهي ظروف تعاونك معه أول مرة؟
** تعاونت معه معه لأول مرة في أغنية عن الخضرة والزراعة، لا أذكر اسمها حاليا، لكنها كانت بمناسبة استزراع قرية (الصالحية) بمحافظة الشرقية، حيث قامت الإذاعة بعمل رحلة إلى هذه القرية بمناسبة استزراعها، وأعطى (صالح مهران) بعض الملحنيين نصوص لتلحينها، وعندما سألني تحب من يغني لحنك؟ فقلت له: (كارم محمود) لأنني كان يهمني في بداية حياتي الفنية الاحترافية أن أتعاون مع هذا الجيل الذهبي من المطربيين.
ويومها طلب (الأستاذ كارم) من الإذاعة التعرف على فإتصلت به تليفونيا وحدد لي ميعاد وذهبت إليه، ويومها قال لي وهو يكاد يعتذر عن التعاون معي: (أنا طلبت من الإذاعة عدم حبي لغناء أغنيات جديدة، يكفيني ما قدمته، لكنهم كل فترة يحرجوني، ويورطوني مع ملحن جديد، من فترة حضر لي زميل لك وعندما أبديت له ملاحظاتي على لحنه، غضب مني، لكن أنت أبوك حبيبي، ووالدتك أستاذتنا) هتسمعنى اللحن إزاي؟! هتخبط على التربيزة! ولا تعزفه بفمك! ولا بتعرف تعزف على العود؟!
فطلبت منه العود، وبالفعل أحضر العود وأسمعته اللحن، الذي نال إعجابه، ومن هذا الوقت توطدت علاقتي به وتعاونا في حوالي 10 أغنيات.
* تعتبر من أوائل الملحنيين الذين تعاونوا مع المطرب أحمد إبراهيم، كيف تم التعاون بينكما؟
** أحمد إبراهيم واحد من أجمل الأصوات المصرية التى مرت في تاريخ الغناء، لكن حظه سيئ للأسف، وهو كان صديق أخواتي الصغار، ويأتي إلى البيت بصفة منتظمة، وعندما ظهر نجح بقوة في غناء أغنيات التراث، وتعاونت معه في العديد من الأغنيات العاطفية والدينية منها (ما خبيش عليك، والعيون الحلوة إيه ذنبها، يوم 25 في ميدان التحرير، ملحمة في حب مصر) وغيرها.
* ماهي الألحان التى تعتبرها علامات بارزة في مشوارك الفني؟
** أوبريت (باب الحديد في ليلة العيد) وأوبريت (أنوار القاهرة) تأليف عبدالسلام أمين، ولأول مرة يجتمع فيه (كارم محمود، ومحمد رشدي، وشفيق جلال).
ومن الأغنيات (الليلة عيد) لياسمين الخيام، (عوض الله ربيع عوض الله) محمد العزبي، (حرما يا سيدي) علي الحجار، (يا بركة رمضان ما تطلعيش م الدار) محمد رشدي، (قاعدة ولا على بالي) سماح الملاح، (أيوه يا أمه) نادية مصطفى، (من غربتي) محمد فتحي (ما خبيش عليك) أحمد إبراهيم (قد أيه روحك رقيقة) لعمر فتحي وغيرها خاصة الأغنيات التى قدمتها لابنتي المطربة الراحلة منى فوزي.
*تعاونت مع فرقة رضا في أكثر من استعراض غنائي، هل تتذكر كيف دخلت عالم هذه الفرقة؟
** أثناء عملي في فترة الملاهي الليلية ومسارح المنوعات تعرفت على مؤسس فرقة رضا (علي رضا)، وكنا نتقابل بصفة منتظمة على قهوة التجارة التى كانت في أول شارع محمد علي ويجتمع فيها الموسيقيين والشعراء منهم (حسيب غباشي، مصطفى الطائر، علي وحسن أبوالسعود، هاني مهنا، مدرب الرقصات والشاعر إبراهيم عاكف، الشاعر سمير محبوب) وغيرهم الكثير.
وتعاونت مع الشاعر مصطفى الطائر في أغنية بعنوان (البحر بيضحك ليه) وأعجب بها (علي رضا) وأخذها ورقصت عليها الفرقة، فضلا على استعراضات أخرى مثل (رقصة تحت العنابية، ورقصة التنورة).
* ماهي أهم أعمالك في المسرح الغنائي؟
** قدمت تجارب قليلة لكنها مهمة للغاية بالنسبة لي مثل مسرحيات (يا نخلتين في العلالي، وليلة مزيكا، وأم الدنيا، وتياترو للبيع).
* ما رأيك في الساحة الغنائية الآن؟
** مليئة بالتفاهات والسطحية، أي حد يريد فعل شيئ يفعله دون علم ولا دراسة ولا فهم ولا وعي ولا ثقافة، وللأسف نجد من يساند هذه التفاهات ويكرمها ويجزل لها العطاء، في حين أن المواهب الحقيقية تجلس في البيوت.