في ذكرى فاتن حمامه.. نكشف لأول مرة النهاية الحقيقية لفيلم (الحرام)
كتب : أحمد السماحي
(وعادت عزيزة إلى قريتها جثة هامدة، ولكن الناس ظلوا يتسألون هل هى خاطئة غسلت بالموت خطيئتها؟ أم شهيدة دفعتها إلى الخطيئة خطيئة أكبر منها، وعاد كل شيئ سيرته الأولى، عاد الترحيلة يكدحون تحت وقع السياط، ومرت الأعوام، وعندما تحرر الترحيلة من رق السياط، كانت الشجرة التى شهدت ماسأة عزيزة مكان تزوره السيدات الباحثات عن الولد في الحلال)!
هذه هى نهاية فيلم (الحرام) التى قيلت على لسان الفنان الكبير حسين رياض ونستحضرها اليوم في ذكرى رحيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التى نحيي هذه الأيام الذكرى الثامنة لرحيل هذه الأيقونة التى صهرتها تجارب الحياة فاكتسب أداؤها صدقا عميقا ومذاقا لاذعا حراقا، في كل دور جديد لها تنزع عن العيون والعقول غشاء العادة والاعتياد، حيث وصلت إلى مرحلة رائعة من النضج الفني، وجسدت باقتدار كل تقلبات الشخصيات التى جسدتها في بساطة آثرة، بأسلوبها الساحر في الأداء الذي يخفي تحت سطحه الطبيعي المنساب تكنيكا مركبا لممثلة قديرة عرفت كيف تكسب جمهورها بالإخلاص لمهنتها والتفاني في أدق تفاصيلها.
كان فيلم (الحرام) واحد من أهم وأحب أفلام (فاتن حمامه) إلى نفسها كما ذكرت لي في أحد حواراتنا معا، والذي نشر في جريدة (الأهرام)، والفيلم قصة الأديب الكبير يوسف إدريس، سيناريو وحوار سعد الدين وهبة، إخراج هنري بركات.
نهاية هذا الفيلم التى ذكرناها ليست هى الأولى التى صورت فقد سبقتها نهاية أخرى، لكن قبل النهاية يهمنا الوقوف على بعض الكواليس النادرة الخاصة بهذا الفيلم الذي كان من المقرر أن يظهر للنور عام 1961 أي قبل ظهوره الفعلي بأربع سنوات، حيث اختارت سيدة الشاشة العربية القصة، وتعاقدت مع بركات على تمثيلها على أن يقوم بركات بإنتاج الفيلم، وبالفعل بدأ المخرج بركات يستعد لإنتاج وإخراج الفيلم، واشترط الأديب (يوسف إدريس) كاتب القصة أن يكتب السيناريو والحوار للفيلم، ومضى عامان مثلت خلالهما فاتن حمامه 6 أفلام من بينها (الليلة الأخيرة، الباب المفتوح، لن أعترف) ولم يظهر (الحرام) للنور!
وحدثت مشادة بين (إدريس وبركات) وغضب الأديب الكبير و(زرجن) مما جعل بركات يتنازل عن إنتاج الفيلم للشركة العامة للإنتاج السينمائي التى اجتمعت بإدريس وطلبت منه سرعة إنهاء كتابة السيناريو والحوار وإلا سيلغى إنتاج الفيلم!، وبعد شهور قليلة لم يستطع (أنطوان تشيكوف) العرب الانتهاء من المهمة المكلف بها، وقبل أن يكتب زميله الكاتب (سعد الدين وهبه) السيناريو والحوار، وبدأ تمثيل الفيلم في الأماكن التى يعمل فيها أنفار التراحيل في تلك الفترة، واختاروا ثلاث أماكن للتصوير منطقة بحر يوسف في الفيوم، وقريتي شبرامنت، وناهيا من قرى الجيزة.
ولم يستعمل المخرج بركات كومبارس واحدا محترفا، ولكن كل الذين صورهم من أنفار التراحيل الحقيقيين في هذه القرى، بل أن كل مناظر الفيلم الداخلية صورها بركات داخل بيوت وحواري وأزقة هذه القرى، وهذا ما أكده لي الزميل العزيز الكاتب الصحفي بالأهرام (علاء الزمر) حيث ذكر لي أن جزء من الفيلم تم تصويره في بيتهم.
وبعد الانتهاء من تصوير الفيلم عرض على الرقابة فأعترضت على نهايته ورفضت أن تترك بطلته (عزيزة) تعود جسدا داخل قطعة من حصير إلى قريتها، وطلبت تخفيف هذا المشهد واستبداله بآخر، فاضطر بركات لإعادة المشهد، واستبدل (الحصيرة) التى لف بها جسد (عزيزة) بسيارة، وهذه النهاية أغضبت جدا (يوسف إدريس) وكان وجهة نظره أن هؤلاء الكادحين ليس معهم حق تأجير سيارة لنقل ميت، لكن (فاتن حمامه) أقنعته أن هذه النهاية مدتها ثواني قليلة ولن يشعر بها أحد ولن يلتفت إليها أحد نظرا لصعوبة النهاية، وبالفعل وافق أديبنا الكبير على هذه النهاية.
وكانت المفاجأة الكبرى حيث لم يحقق الفيلم أي نجاح جماهيري، لكنه حقق كتابات نقدية مهمة، وشارك في معظم مهرجانات العالم وكان خير سفير لمصر المحروسة ولفنها الرائع في هذه الفترة.