كتب: محمد حبوشة
تختلف مواصفات ومقومات المذيع الواجب توفرها، باختلاف مجال اختصاصه، وهناك فرقا نوعيا بين المواصفات المطلوبة لدى المذيع التلفزيوني عن المواصفات الواجب توافرها لدى المذيع الإذاعي، كما أن هناك اختلافا شاسعا في مواصفات كل من المذيع السياسي والمذيع الاقتصادي، وتختلفان عن مواصفات المذيع الرياضي أو الفني على سبيل المثال، لكن هناك بعض المواصفات العامة، والمشتركة في المجالين (التلفزيوني والإذاعي)، والتي يشترط وجودها لدى المذيع مهما اختلفت الوسيلة الإعلامية التي يعمل بها، وذلك حتى يضمن نجاحه وتميزه بين الكم الكبير من المذيعين والمذيعات الموجودين حاليا في الوسط الإعلامي، وذلك دون الحاجة إلى تدخل الواسطات والمعارف.
ومن ما أهم مواصفات المذيع التلفزيوني أن يتقن قواعد اللغة العربية إتقانا تاما، فاللغة العربية السليمة من أولويات عمل المذيع، فإن لم يكن متقنا لقواعد اللغة العربية بشكل كاف، عليه البدء بتطوير مهاراته، وصقلها قدر الإمكان، ولابد قبل ذلك أن يمتلك الموهبة، والتي قد تصقل مع التدريب المكثف، والقراءة، والخبرة العملية، وبالطبع يكون شكله مقبولا لدى الجمهور، وربما لا تشترط الوسامة هنا، بل يتعلق الأمر بالحضور، والقبول لدى المتلقي سواء كان مشاهدا أم مستمع، وهو ما يتطلب أن يحافظ المذيع أو المذيعة على مظهره العام دون تكلف زائد.
وفوق هذا وذاك لابد أن يتقن المذيع التلفزيوني فن الإلقاء، وصوته يكون جهوريا، ومخارج حروفه واضحة، فضلا عن ضرورة أن يمتلك القدرة على التملص من المواقف المحرجة على الهواء مباشرة، ويكون سريع البديهة في تلافي الأخطاء التي قد تحدث من جهته، أو من قبل ضيوف البرنامج، فقد يتفاجئ المذيع بفقدان النص المطلوب، وقد يأتيه اتصال مزعج خلال بث الحلقة، وقد يعتذر ضيف ما عن الحضور للاستوديو فجأة، وإن لم يكن المذيع جاهزا، ومستعدا لمثل هذه الظروف الطارئة فسيقع بالفخ، ويقضى على مستقبله المهني، ومن ثم لابد أن يمتلك ثقافة واسعة، واطلاعا تاما على المستجدات، وإلماما بكل جوانب الموضوع حتى يتمكن من إدارة الحوار بشكل جيد، وألا سيكون مهزوزا وصامتا، لذا عليه أن يكون صبورا، واسع الصدر، ومتمالكا لأعصابه مع ضيوفه وفي برامجه لإدارة الحوار بالشكل المطلوب.
وظني أن المذيعة أو الإعلامية (منى العمدة) التي أثارت الجدل خلال الأيام القليلة الماضية تفتقد لأبسط قواعد العمل الإعلامي، بدليل أنها خرجت علينا في برنامج (هنا مصر الجديدة)، على قناة (النهار)، لتقول في إحدى حلقاته (وطيب المشاهدين القرام – تقصدها الكرام – حيعيشوا ازاي من غير الكلعة البيتاء – القلعة البيضاء فى قول آخر – وبرنامج الكمهورية الجتيتة والمقصود هنا (الجمهورية الجديدة)، وهنا سؤال يفرض نفسه: لماذا من البداية يسمح لمثل تلك النتوءات الإعلامية بالظهور على شاشة قناة كبيرة مثل قناة النهار؟، والتي أعلنت وقف برنامج (هنا الجمهورية الجديدة) ووقف مقدمة البرنامج (منى العمدة) وإحالتها وفريق العمل والمسؤولين عن البرنامج للتحقيق الفوري .
صحيح أن القناة رصدت بعض الأخطاء والتجاوز في إحدى حلقات البرنامج الأخيرة وقررت وقفه لحين إعادته إلى المسار الصحيح أو إلغائه بشكل نهائي، وتؤكد القناة حرصها الدائم على تقديم محتوى وأداء مهني يليق بمشاهديها وفقا لما تقره أخلاقيات العمل المهني والأكواد المنظمة للعمل الإعلامي، لكن المذيعة (منى العمدة) أكدت (بتبجح) أنها لم تخالف أي معايير للإعلام أو الإعلان، في برنامج (هنا الجمهورية الجديدة) الذي تقدمه على قناة النهار.
ما هالني في الأمر أن الذين أفتوا في هذا الأمر ضربوا بالمعايير المهني عرض الحائط ورحوا يثرثرون في فبركتها شهادة دكتوراه، ما دفع (منى) للتصريح بأنها دكتورة جامعية والكارثة أنها تقوم بالتدريس بشكل فعلي وتشدقت بقول (شهادتي ليست دكتوراه فخرية كما يدعي البعض، وتخصصي في مجال الكيمياء)، وحول الفستان الذي ظهرت به مؤخرا وأثار الجدل، قالت منى: (لم أظهر في أي حلقة من حلقات البرنامج بأي فستان يخدش الحياء العام أو فوق الركبة كما يدعي البعض، وكل ملابسي ملابس عادية يرتديها كل المصريين في الشارع، وأنا حريصة على أن يكون دخولي منازل المصريين بشكل لائق).
وإذا كانت المدعوة (منى العمدة) حريصة على دخول منازل المصريين بشكل لائق، فكان الأولى لها أن تهتم بأبسط قواعد العمل الإعلامي الذي يمكن أن يرسم ذهنية لاجتهادها في عمل يخاطب الرأي العام، وخاصة أنها تتحدث عن (الجمهورية الجديدة) والتي تعني إبراز صورة مصر أمام الرأي العام العربي والعالمي بشكل يليق بمصر الحضارة والتاريخ، خاصة أنه بالتتبع، لم يكن برنامج (العمدة) الأول لها، على العكس تماما ظهرت في عدة برامج في قنوات مختلفة سواء كمذيعة أو ضيفة، حيث اقترن اسمها بلقب دكتورة، لكن مع ذلك يظهر العديد من المخالفات في طريقة تقديمها أو استضافتها التي اختلفت ما بين برامج طبية وبرامج عقارية يظهر أنها مباعة.
حسب مصدر في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فإن الأزمة الكبرى لظهور (منى العمدة) وغيرها من الإعلاميين مثيري الجدل أو الذين لايلتزمون بالأكواد الإعلامية، هى الفقرات والبرامج المدفوعة، والتي تستغلها القنوات لربح نسبة كبيرة من المال في مقابل غياب المعايير الإعلامية في تقديم البرامج أمام دفع الأموال، وتنتشر هذه الأمور في برامج (الصحة والطب والعقارات) على وجه الخصوص، لكن المصدر لم ينتبه إلى أن الإدارات الكفوءة صاحبة الخبرة والقادرة على صناعة خدمات اعلامية تليق باسمها وبالمشاهد الكريم لا تعترف بالمثل القائل (اعطي العيش لخبازه)، والذي يبدو أنه صحيح في حالة (منى العمدة) فصورة المذيعة صاحبة الجدا جاءت في النهاية غير لائقة نتيجة طبيعية لمن يتولى عمل وهو منعدم الخبرة فيه.
ومع كل ما مضى من استهتار لمهنة الإعلام فإنه للأسف الشديد تصدر الإعلامية (منى العمدة) تريند محرك البحث جوجل خلال الأيام الماضية -وأظنه هدفها الأول والأخير – وذلك بعد ظهورها بفستان قصير من خلال برنامجها عبر قناة النهار (هنا الجمهورية الجديدة)، وانتشر عبر مواقع التواصل مقطع فيديو لهذه المدعية تقدم فيه لمحة عن المواضيع التي سيتناولها البرنامج في موسمه الثاني، وظهرت في الفيديو بإطلالة أثارت انتقادات رواد مواقع التواصل، مايثير الاشمزاز من تلك النتواءات التي تسيء للمشهد الإعلامي المصري المرتبك أصلا بفضل خروج أمثال هؤلاء عن المألوف وتحدي إرادة الجماهير في الظهور المقزز.
خطورة الأمر تكمن في أن هؤلاء لايدركون فعلا ماهى المعايير التي تكفل لإعلاميو اليوم المسؤولية المنوطة بهم؟، إن الإعلام ياسادة ليس مهنة من لم لا مهنة له كما تعرف اليوم القنوات توظيفا للأجمل والأكثر رشاقة، بدل الأكفا، إنه السمة المميزة لصناعة وتحريك العقول وتغيير التوجهات، فهو بحاجة لعودة النخبة والمثقفين وسحبه من الذين يرتزقون من خلاله بإشاعة وتبعية وطمعٍ مادّي، ذلك ببذلِ الجهود لإيجادِ إعلام بديل هادف يرقى بالإنسان نحو ضالته.
وإن كنا نلحظ اليوم بشكل مثير تضاعف الكم على حساب الكيف واختلاط الحابل بالنابل وضياع القيم في ظل انتشار التفسخ الأخلاقي وتفشي التضليل الإعلامي وممارسة الاستحمار، إعلامنا العزيز يحفظ عن ظهر قلب سمفونية تقليد البرامج والمواد الصحفية بدل توليد الأفكار وبلورتها مع متطلبات المجتمع، مادام الإعلام وجد لخدمة المجتمع بكل فئاته، وفتح آفاق المساهمة في التربية والتعليم من خلال مضامين مدروسة تتماشى وحاجياته، لكن حينما قلبت الأولويات وغيبت أقلام النخبة بسياسة تكميم الآراء وتقويض حريتها وحوصر المبدعين، وللأسف نحن ندفع النتائج بأشباه إعلامين لايعالجون القضايا معالجة حقيقية، بل بمعالجة اعتباطية سطحية تقودها الإثارة.
ناهيك عن اللغة التي تشهد إنتحارا واضحا حيث أصبحت الرداءة تستحوذ على أغلب ما يبث، فبدل أن يصنع الإعلامي وعيا ويغير قناعة ويغرس سلوكا بات يساهم في ضحالة الفكر، فالجهود الإنتاجية تضيع اليوم بسبب السياسيات الفاشلة للقنوات بدل أن توجه لنهجِ تخطيط إعلامي رشيد يحترم المتلقي ويعتبره محورا مهما في العملية الاتصالية، ويضع نصب عينه ضرورة إرضائِه وتلبية حاجياته الفكرية والثقافية والمعرفية.
وترتيبا عليه فإن الإعلامي الذي نريد اليوم: هو من يؤمن بأن الرسالة الإعلامية الهادفة يجب أن تصل للمتلقي عبر مرسل يقدس حدود الموضوعية ويتقن معالجة الأخبار والمعلومات بعقلية لا تؤمن بسياسة الولاءات، بل بروح المبادرة مع الإحساس بجسامة المسؤولية الاجتماعية التي تفرضها المهنة أخلاقيا.. نحن نعيش رحلة البحث عن إعلامين يؤمنون بالحرية والاستقلالية، يملكون من الجرأة والنزاهة والشفافية قدرا شاسعا، نبحث فعلا عن إعلاميين يحترمون العقول باحترام الأذواق والخصوصيات، وإعطاء الثقافة، اللغة، القيم والأخلاق مبلغها الحقيقي في كل مادة إعلامية تنتج.
ختاما: المهنة الإعلامية لها من القدسية التي تحفظ لها أهدافها النبيلة ووظائفها التنموية والتوعوية، فالإعلامي الذي لا يتحلى بالموضوعية وكثير من المصداقية لا يخول له أن يلبس عباءة الإعلامي المميز الذي يحمل على عاتقه هم الأمة، ومن هنا أؤكد أن القنوات والإعلامي بحاجة لأن يعيدا النظر في موادهم التي يصنعونها صناعة تفرضها وسائل الإعلام، في تحقيقه لاحتياج الجمهور للأمان ودفعه لاتخاذ القرارات الصائبة وفهم العالم من حوله، فصناعة الرأي العام انحازت عما يجب أن تكون عليه في تكوين الآراء والاتجاهات، كما ضاعت كثير من وظائف الترفيه والإمتاع بين غياهب الإثارة التي يتقاطر عليها من يسمون أنفسهم رجال ونساء الإعلام، ثم إن الإعلام بمختلف تخصصاته علما يدرس له شروطه وتقنياته فنونه وآلياته، وصناعة من الصناعات الثقيلة لمن يحسن صنعها، فالقنوات التي لا تقدر على التخطيط الإعلامي للتحكم في المضامين على أن لا تقتصر مهمتها في التعبير وتصوير حال المجتمع فقط، بل مسؤولية جسيمة لصناعة مجد هذه الأمة، لايسجله التاريخ إعلاميا دخل سجلاتها.. أرجو الانتباه لمساؤئ سفهاء الإعلام الحالي!!!