منة فضالي .. موهبة تستحق الاهتمام بفرص حقيقية!
بقلم: محمد حبوشة
يمكن تعريف فن التمثيل على أنه قابلية الشخص على أن يجعل من الأشياء مثيلا بشكل مزين أو القابلية على التقليد، ووفقا لذلك فان الممثل هو ذلك الشخص الذي يتكون في داخله خزين من الانطباعات الحياتية والتي يشعر بالحاجة الملحة إلى إظهارها وكشفها إلى جمهور المتفرجين عن طريق الكلام والحركة، ومن هنا فإن التمثيل ليس مجرد الوقوف أو التحرك فوق منصة مرتفعة أو شاشة مشرعة، ونطق كلمات الدور بصوت جهوري، مرتعش، بل هو حالة وجودية متميزة تثير في ذاتها مجموعة من الازدواجيات المعقدة التي تجعل من فن الممثل أكثر موضوعات الفن صعوبة .
إن التمثيل هو حرفة الممثل ومهمته تجسيد وتفسير الشخصية المحاكاة عن طريق التعبير القولي، والجسمي، والشعوري، ومن ثم لابد أن تتوفر موهبة التمثيل عموما، أو بمعنى أدق لابد أن تتوفر له (الفرصة)، إن الممثلين على اختلاف درجاتهم بدءا بالممثل الكبير مرورا بالممثل القدير وانتهاء بالممثل العظيم لم يؤتوا موهبة لم يؤتها باقي الناس وإنما أوتوا فرصة لم تسنح لباقي الناس، ومشاهير الممثلين لم يؤتوا موهبة دون سائر الناس وإنما أوتوا (أضواء وفرصا) دون باقي الناس، وأصحاب الأدوار الرئيسية في المسرحيات والأفلام والدراما التلفزيونية لم يؤتوا موهبة أكثر من أصحاب الأدوار الهامشية وإنما أوتوا فرصة أكبر من فرصتهم، وإنني أزعم أننا لو استبدلنا الكومبارس بالأبطال في أي عمل فني لأدى الكومبارس هذه الأدوار وبنفس كفاءة الأبطال.
وضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) الفنانة الشابة (منة فضالي) تتمتع بالموهبة الكافية للقيام بأدوار كبيرة بما تملكه من براءة في الوجه تكفل لها لعب أدوار مهمة في مجال الرومانسي والاجتماعي وحتى أدوار الشر المطلق، لكن من وجهة نظري الشخصية تنقصها (الفرصة) التي تفجر طاقتها التمثيلية، فمنذ ظهورها وحتى الآن تظل محصورة في أدوار لاتتفق – من وجهة نظري الشخصية – مع ما يمكن أن تقدمه من علامات مهمة في عالم التمثيل الذي تسوده المحسوبية للأسف، وهو ما يحول دائما على منحها الفرصة الكافية، فهى تملك الفعل الجسدي المثالي الذي ينشده (ستانسلافسكي)، والذي يبدو واضحا لديها على مستوى الحركات والإشارات والأفكار التي تمتزج مع الفكرة الرئيسة، وتعمل على تجسيدها وإيصال معناها الفلسفي، ولعل حركة الجسد لدى (منة) قادرة على الوصول بالمتلقي إلى حالة الوهم بحيث تأتي متطابقة للتركيب البيولوجي والسيكولوجي للشخصية التي تصل إليها من خلال السفر داخل الشخصية والتماهي معها.
نعم تملك (منة فضالي) القدرة على تغيير ملامحها الخاصة وتبديل حركاتها وتصرفاتها وصورتها وكل سماتها المميزة، بحيث يمكن الحديث عن تأليف أو تأسيس هوية جديدة تناسب موهبتها، هوية الكائن الوهمي المسمى بـ (الشخصية)، والتي يمكنها أن تتجسد أيقونيا بجوهرها وشكلها من خلال حركة جسدها وصوتها بحيث تشابه ما موجود مثلها في الحياة بشكل مكيف مع واقع العرض المسرحي والسينمائي والتلفزيوني، ومن خلال متابعتي لمسيرتها الفنية التي تمتد لأكثر من 20 عاما تعرف (منة) أنه يجب على الممثل أن يتقدم في طريقه غير حافل بالتفاصيل العديدة، انما يكون احتفاله بتلك الوحدات الهامة التي تعين خط سيره وكأنها الاشارات، وتجعله لايحيد عن الاتجاه الابداعي الصحيح، لكن تنقصها الفرصة المناسبة للتعبير عن مكنوناتها الداخلية التي تحمل الكثير من فنون التجسيد الحي.
ظني أن (منة فضالي) وصلت إلى مرحلة من النضج الفني الذي يؤهلها لفهم نظرية (ستانسلافسكي) في أن الخيال يخلق الأشياء التي يمكن أن توجد أو يمكن أن تحدث، إن التخيل عند (منة) خلق البساط الطائر بحيث يستطيع فيه الإنسان أن يطير محلقا في الفضاء، انطلاقا من إدراك إن كلا من الخيال والقدرة على التخيل أمران لازمان ولا غنى للفنان عنهما، إن كل اختراع يقوم به خيال الممثل يجب أن يسبقه تفكير طويل في تفاصيله وأن يبنى على أساس من الحقائق ، بحيث تستطيع كممثلة أن تجد فيه الإجابة على الأسئلة التي من قبل (متى وأين ولماذا وكيف؟)، أي جميع الأسئلة التي يوجهها الممثل نفسه وهو يشحذ ملكاته الإبداعية لكي تصنع صورة أكثر تجديدا لكيان متوهم.
ولدت منة فضالي في القاهرة، واسمها الكامل هو (منة الله سامي فضالي)، ودرست (منة) في كلية السياحة والفنادق وتخرجت منها لتبدأ في مسيرتها الفنية، ورغم أن والدتها تعمل في مجال الفن كمساعد للمخرج مجدى أبو عميرة، ورغم حبها للتمثيل منذ صغرها ، لم تتحمس للدخول معهد السينما، وفى أحدى مرورها على والدتها في مجال عملها، أعجب بها المخرج مجدى أبو عميرة وأسند إليها أحد الأدوار في مسلسل (أين قلبي) ، وفى خلال سنتين أسند إليها أكثر من عمل ، حيث اشتركت في مسلسل (الناس في كفر عسكر)، من إخراج نادر جلال، ومسلسل (حمزة وبناته الخمسة)، ومسلسل (عفاريت السيالة).
بدأت (منة فضالي) التمثيل بالصدفة في عام 2000 عندما شاركت في مسلسل (عندما تثور النساء)، ثم شاركت في فيلم (هو في إيه) وذلك مع النجم محمد فؤاد والنجم أحمد آدم وذلك في عام 2002، وتوالت أعمالها الفنية فشاركت في العديد من الأفلام والمسلسلات، منها مسلسل مسلسل (أين قلبي) مع يسرا وعبلة كامل ومى عز الدين عام 2002م ، لفتت أنظار المخرجين من أول لقاء لها ، شاركت بدور صغير بفيلم (هو فى إيه) مع أحمد أدم ومحمد فؤاد ومن أخراج شريف مندور، فى عام 2003 شاركت في مسلسل (الليل وآخره) وفي عام 2004 شاركت فى مسلسل (غدر وكبرياء، أحلام هند الخشاب، الصعود إلى القلب، سوق الزلط – 2005).
وبعد ذلك شاركت (منة) في عدة أعمال فنية متنوعة من أبرزها دورها في فيلم (الباشا تلميذ)، ورغم أنه دور صغير إلا أنه ساهم في شهرتها بسبب المواقف التي جمعتها بالنجم (رامز جلال) والذي كان يجسد دور الشاب المتقدم لخطبتها، قدمت منة فضالي دور (أمل) الفتاة التي تحب حمزة وتألقت في هذا الفيلم الذي شارك في بطولته (النجم كريم عبد العزيز والنجمة غادة عادل، الفنانة مها أحمد، الفنان القدير الراحل حسن حسني) وغيرهم، والفيلم من تأليف بلال فضل، ومن إخراج وائل إحسان، وقد تم عرضه في عام 2004، وفى عام 2005 شاركت في أكثر من مسلسل مثل (المنادى ، للثروة حسابات أخرى، اللي اختشوا ماتوا، طائر الحب)، وفيلم (شباب سبايسى)، أما في عام 2006 فقد شاركت في مسلسلات (مطعم تشى توتو، والقاهرة ترحب بكم، آن الأوان، وقدمت رائعتها (الملك فاروق) والتي لم تستغل كامل قدراتها كممثلة رائعة، ومن بعده سكة الهلالى، فى عام 2007 شاركت فى مسلسل (آخر الخط ) وفيلمي (الشبح، ليلة حب حلوة)، ومسلسل(نافذة على العالم)
شاركت (منة فضالي) عام 2008 فى سيت كوم (عباس وإيناس)، وتوالت الأعمال من أفلام ومسلسلات، فقد شاركت في مسلسل (وش تانى) مع الفنان كريم عبد العزيز ، والفنان القدير حسين فهمى، وشاركت أيضا في مسلسل (سلسال الدم) والذي تم عرضه على مدى خمسة أجزاء متتالية، وقامت ببطولته (النجمة عبلة كامل، الفنان القدير رياض الخولي، الفنان كريم كوجاك، النجمة علا غانم، النجم أحمد سعيد عبد الغني، الفنانة راندا البحيري) وغيرهم، وقدمت منة فضالي دور الشر، ووقد صرحت أنها قد بذلت مجهود كبير لكي يخرج الدور بهذا الشكل، المسلسل من تأليف مجدي صابر ومن إخراج مصطفى الشال، مسلسل (قاتل بلا أجر – 2009)، مسلسل (اللص والكتاب – 2010).
وكان لمنة فضالي مشاركات جيدة للغاية وكفلية بإسناد أعمال مهمة لها بعد أن ثبتت أقدامها في التمثيل من خلال مسلسلات (مشرفة – رجل لهذا الزمان – 2011، باب الخلق، الإخوة الأعداء – 2012، العقرب، وحاميها وحراميها، مزاج الخير – 2013، الإكسلانس – ، 2014، وفيلم (تحت الترابيزة – 2016، مسلسل (بيت السلايف – 2018، وفيلم زنزانة 7 – 2019)، وفي نفس العام قدمت دور متميز في مسلسل (قيد عائلي) مع الفنان عزت العلايلي والفنان صلاح عبد الله والنجمة ميرفت أمين والنجمة بوسي وغيرهم، وشاركت في مسلسلي (لما كنا صغيرين، بنت القبايل) وذلك في عام 2020، وفي نفس العام شاركت في المسلسل السوري (مقابلة مع السيد آدم)، وحاليا تشارك في مسلسل (مشوار الونش)، والذي لم يمنح لها فرصة تتناسب مع موهبته، في الوحيدة التي تجسد شخصية (دراين) بكفاء عالية عن غيرها من الممثلات الأخريات، على مستوى التقمص ولغة الجسد التي تؤهلها للقيام بأدوار البطولة المطلقة.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنانة الموهوبة حقا (منة فضالي)، فهى نجمة شابة تمضي إلى طريق النجومية بقوة، لم تكتف بأن تكون مجرد فتاة إعلانات واستطاعت بملامحها الطفولية أن تحجز لها مكانا على الشاشة الصغيرة، وتمتلك مواهب أخرى بجانب التمثيل مثل الغناء، ورغم صغر سنها وحداثة تجربتها الغنائية، إلا أن (منة) تنحاز إلى زمن الفن الجميل، حيث تقول: (أستمع للفنان عبدالحليم حافظ بكل حواسي، وكذلك هاني شاكر، وفي أغنياتهما رؤية واضحة وشجن ورومانسية يحتاجها الإنسان، وعلى الرغم من أنها تقول عن نفسها محظوظة لأنها شاركت في عديد من الأعمال المتميزة مع كبار النجوم، وتعترف بأنها حصلت على فرص لم تتوفر لكثيرات من بنات جيلها، أو تتوفر لهن بصعوبة شديدة، لكنها بحاجة إلى فرص حقيقية تمكنها من الاجتهاد في عملها واختيار الأدوار التي تضيف لرصيدها الفني، فهل من منتجين ومخرجين ينتهبون لها؟!.