بقلم: علا السنجري
لا أحد ينكر أن سر تميز (الغرفة 207) هو السيناريو المتقن والمكتوب بعناية شديدة من الحلقة الأولى حتى الأخيرة، وتمهيد جيد للجزء الثاني رغم اعتراض البعض على نهاية الجزء الأول لعدم الإجابة على كل الأسرار والألغاز للغرفة. يأتي بعد السيناريو الإخراج الجيد والتصوير والإضاءة والديكور والملابس والموسيقى، ويكتمل النجاح بفريق متكامل من الممثلين قدم كل منهم الشخصية بإتقان شديد وباحتراف.
انتقد البعض الحلقتين (الثامنة والتاسعة) بأنهم ليسوا بنفس قوة الحلقات السابقة ولا علاقة تربط بينهم، بينما أرى أنهم بمثابة المهدئ بعد أحداث كثيرة، ومسكن لا يجعلك تتوقع النهاية خاصة أن قصة (النمط رقم 4) موجودة في العمل الأدبي، لكن (تامر إبراهيم) استغلها بشكل مختلف عما كان يقصده (أحمد خالد توفيق)، فمن خلال الحلقة الثامنة التي تبدأ برومانسية قصة حب (جمال وسارة) على البحر بأنغام أغنية فيروز (شايف البحر شو كبير، كبر البحر بحبك)، تسأله (سارة) ما نهاية حبهم فتجد أنه غير جاهز للارتباط رغم أنه قدم للعمل في فندق بأسوان ليسافر هو وسارة بعيدا عن الفندق ومشاكل الغرفة، لكن شبح الغرفة يتدخل ليمنعه وتستعين بفاتن جميل.
لحظة ظهور فاتن جميل في مقهى (Piatto) من خلال البحث عرفت أنها كلمة ايطالية تعني (الطبق)، وهو إسقاط سيظهر في نفس المشهد حين يقع الرجال في سحرها مثل وقوع ذكور النحل في طبق عسل في مملكة النحل أو الحشرات عموما، الأنثى هى المتحكمة في الذكور ومن ينالها في النهاية تستولى على حياته وربما يتحول لوجبة عشاء لها، هنا الملابس لـ (مونيا فتح الباب) لها السيطرة في هذا المشهد الصامت بلا حوار لتكون الملابس هى المعبرة عما يدور، (فاتن) بفستان اخضر كالطبيعة، واسع كأجنحة الفراش أو النحلة حين تتحرك، قبعة كخيوط الشبكة للصياد، الرجال في حالة تنويم مغناطيسي يواجهون الموت تحت تأثيرها لتزداد جمالا وشبابا.
تحكم الأنثى في الذكور إسقاط آخر لما هو قادم حين تتقابل مع (جمال)، حيث اختار (تامر إبراهيم) شخصيات تاريخية نسائية تتقمصها (فاتن) والتي استطاعت التحكم في الرجال، وذلك في محاولة استمالته وإغوائه كما طلبت منها شبح الغرفة لتعيد مسار الأحداث وتنهي فكرة ترك (جمال) الفندق، لكن حب (سارة) يجعله لا يقع في تأثيرها بسهولة.
المرآة للغرفة ترشدك إلى أن هناك فجوة زمنية تتلاعب في الزمن وتعطيك دليل للحلقة الأخيرة حين ينظر جمال في المرآة حين يتحول إلى (نجم الدين) وفاتن لشجرة (الدر الجارية) والتي رفعها (نجم الدين أيوب) من جارية لسلطانة، لتصبح للغرفة أبعاد مكانية وزمنية بين ماضي التاريخ بتفاصيل الملابس والمكان وحاضر الغرفة حين تظهر له (سارة)، ودليل آخر أن ظهور سارة غير في أحداث لعنة الغرفة.
رفض جمال لفاتن يجعلها تستمد قوتها من حرق الطير وامتصاص روحه، خاصة بعد محاولتها الثانية مع جمال بناءا على اتفاقها مع الشبح كما جاء في حديثها للشبح (خدمة قصاد خدمة) ، لتظهر الملكة (كليوباترا) في حاولة أخرى لإغواء جمال ليكون (أوكتافيوس)، لكن عما مسنا ينقذه من تأثيرها حين يتدخل بالمشهد، مرة أخرى إسقاطات من (تامر إبراهيم) تاريخية للخيانة تمهيد لما هو قادم من أحداث، تظهر براعة (محمد بكير) في الإخراج وإدارة الكاميرا، كل ذلك بالتناغم مع الديكور من نقوش وزخارف وإضاءة، إضافة إلى الملابس مع الموسيقى ليجد المشاهد نفسه وسط الحقبة التاريخية متناسيا الشخوص الحقيقية للغرفة.
تحولت الكاميرا في هذه المشاهد إلى لاعب كرة يجري بين الزمن بكل سهولة إلى أن يصطدم بشكل (فاتن) المشوه، هذا التشويه حين تدقق فيه النظر ستجده يشتبه شكل المخ أو العقل، إسقاط آخر من (تامر) أن العقل هو المسيطر للمرض والتهيؤات وربما ما هو أمامنا ليس سوى خيال لا وجود له في الواقع، يتاكد هذا حين يفيق (جمال) من أوهام (شجرة الدر و كليوباترا) ليجد أنه في واقع الفندق.
مرة أخرى الملابس في هذه الحلقة لها دور كبير في توضيح الإسقاطات وما هو مقصود من شخصية فاتن، ففي مشهد جمال وهو يحدث سارة عن السفر وتذاكر أسوان تظهر فاتن بفستان يشبه خلية النحل فهى ليست سوى ملكة النحل في صورة أنثى لتجذب جمال بعيدا عن سارة، ثم فستانها المنقوش بورق شجر في مشهدها مع (سمر علام) العاملة بالفندق تأكيد أنها ملكة النحل التي تؤثر على الشغالات بالممكلة، تلعب بعقلها حتى لا تتفوه بما رأته في اللوحة بالغرفة عن مقتل سارة فقد سبق لفاتن إغواء الرجل الذي طلب منه الخواجة شراء الفندق، يقع تحت تأثيرها ويقتل سارة لتنهي في مشهد واحد بيع الفندق وترك جمال له، هنا لابد من الإشادة بسمر علام في هذا المشهد التي أجادت التعبير عنه بالعين والصدمة التى جعلتها لا تنطق لتسير حائرة وتائهة، منومة تحت تأثير فاتن.
الحلقة التاسعة تبدأ بأغنية (هذه ليلتي)، من وجهة نظري أروع اختيار للحلقة الكلمات تعبر عن الأحداث وتؤكدها بين مزج التاريخ بالحاضر (بين ماض من الزمان وآت)، تستطيع فاتن إغواء جمال (بعد حين يبدل الحب دارا)، وموت سارة (العصافير تهجر الأوكارا)، الجارية و (سالومي) برقصاتها والشبح الذي يوما عاملة بالفندق وحالة حزن جمال (وديار كانت قديما ديارا.. سترانا كما نراها قفارا)، تعبير وتهيئة جيدة في بداية الحلقة لكل أحداثها.
مرة أخرى تناغم تام بين كافة العناصر في مشهد رقصة (سالومي)، براعة في اختيار فستان يتناسب مع فكرة إغواء سالومي والاستغناء عن الأوشحة السبعة، هنا الإغواء دون إثارة لترقص (أسماء جلال) باحترافية لتبرز إحساس الأنثى بروحها لتسلب إرادة الملك (هيرودوس) وتحوله لتابع ينفذ ما تريد ،تأسر روح جمال وتبعده عن سارة لتمثل إسقاط آخر من (تامر إبراهيم) عن الدنيا التي تسحرنا ونسير في تيارها بلا إدراك.
من أهم مميزات سيناريو (تامر إبراهيم) أنه يعطي مساحة لمشاهد لديه تركيز عالى في التفاصيل وذلك من خلال إسقاطات نفسية ودينية ودرامية ليجعل المشاهد في حالة تفكير دائم، تصميم (مونيا فتح الباب) لفستان (أسماء جلال) في رقصة (سالومي) مع الديكور وتجسيد الأعمدة بمزيج من الرسومات اليهودية والمسيحية كتأكيد على أهمية القصة في الأديان لذبح (يوحنا)، تستقر سالومي على الأرض وسط وردة من ثمانية أوراق وهى الورقة التاسعة، ترقص وسطها بروح الغواية وليس الإثارة، فكما اتفقت فاتن مع شبح الغرفة أن تغويه للخيانة دون أن تتغذى على روحه لتكون هذه ليلتها كما الأغنية، باقي الديكور مكون من دوائر متصلة ومنفردة، إسقاط آخر لحصار (جمال) وتوقف الزمن حتى لا ينقذه أحد من براثن فاتن، النار تملأ المكان كإضاءة مع لون أحمر اعتبره إسقاط آخر لحرق الفندق وقتل (سارة)، وأيضا عدم وجود زوجة بجانب (هيرودوس) إشارة أخرى للتخلص من (سارة).
أقوى المشاهد في الحلقة هو وداع سارة لجمال وجلوسها على الكرسي الهزاز، الكرسي يعتبر شخصية أخرى بالغرفة من يجلس عليه هو شبح قادم من الموت، الحوار هنا بين جمال وسارة منتهى الرقي وبه العديد من الإشارات أن الاحداث تعاد مثل (انت عارف اننا كنا هنوصل لهنا، النسيان محتاج سنة وأربع شهور وتلات أيام)، سارة كانت السبب في تمسك جمال بالبقاء في الفندق ربما اشارة أخرى أن جمال يدور في فجوة الزمن بسببها.
الحل الاخيرة (ما رأيك يا جمال؟) عنوان يدل على المواجهة بين الغرفة وبين جمال وكشف بعض الحقائق وليس كلها كتمهيد للجزء الثاني، تبدأ الحلقة بموسيقى خفيفة هادئة تعبيرا عن حالة الحزن التي أصابت الجميع بعد موت سارة، (عم مينا) يحاول إخراج جمال من حزنه ليعبر (عم مينا) بصوته والعين بينما جمال بدون كلام، فقط من خلال حركة وجهه وعينه، يظهر الشاب (سالم السعودي) والذي يطلب النزول بالغرفة وكأنه يعرفها، يقرر الجميع حرق الغرفة وإخلاء الفندق، (سالم) يطلب أخذ الصورة معه لأنها ساعدته في تحذيره من المستقبل وليبحث عن كتاب بناءا على طلب شبح الغرفة والذي قد يساعده في البحث عن الحقيقة، يخبر عن (مينا) أنه جاء إلى الغرفة من قبل عندما قضى ليلة في (جبل الجن)، إشارة أخرى على أن الغرفة تقع في فجوة زمنية.
تطلب شبح الغرفة من الخواجه ترك الفندق لأنها آخر ليلة وتعطيه فرصة للهرب لم تحصل هى عليها، إشارة أخرى أن هناك علاقة تربطها به، يظهر الخواجه شبح أخوه (ماركو) يطارده، والست (عبير) تظهر وتطارد (سمر علام) ،و(الدكتور سليم) يطارد (مصطفى)، كل هذا لأنهم قرروا إيقاف الغرفة، تقابل الشبح (عم مينا) والذي يتضح أنه كان يعرف كل ما يحدث وظل صامتا واكتفى بالسبحة في يده مرددا ترانيم غير مسموعة مما جعل الشبح تنتقم منه بقتله.
يواجه (جمال) شبح الغرفة التي تخبره بالحقيقة بأنه السبب فيما حدث وفيما سيحدث فهو ابنها الذي انتظرته وحرموها منه بقتلها وبقيت حبيسة الغرفة، لم يتحمل (جمال) ما تخبره به فيشعل هو النار في الغرفة، تلتهم النيران كل شيء لكن عندما يفيق (جمال) يجد أن الغرفة والفندق عاد إلى شكله القديم سنة 1934 كما حدث في الحلقة الأولى من إعادة تكوين الغرفة والفندق، ولا أثر للحريق، والشبح تظهر بشكل آخر مع الخواجة وهو طفل.
قصة (سالم) والكتاب تمهيد جيد للجزء الثاني والذي أتمنى أن يكون على نفس براعة وإتقان الجزء الأول، (تامر إبراهيم) برع في كتابة المواقف والتفاصيل والشخصيات جيدا مما يجعل المشاهد في حالة تركيز دائم، الإخراج لمحمد بكير ناجح جدا في توظيف كل ممثل لينهي أسطورة البطولة المطلقة، بل كل ممثل هو بطل العمل مستخدما لغة الجسد عند كل منهم ومهتما بحركات العين، والكادرات الممتعة بصريا وفنيا، ساعده في ذلك مدير تصوير يمتلك أدواته جيدا وهو (أحمد زيتون) ومهندس ديكور يكمل الصورة إبداعا بكل تفاصيل زمن الغرفة وهو المهندس (محمد أمين)، و (مونيا فتح الباب) شابو كبير لها في تصميم الملابس، سحر الموسيقى لأشرف زفتاوي تكمل الأداء للممثلين بل تستطيع أن تعتبرها البطل الرئيسي هنا.
(ريهام عبد الغفور) عبرت عن الشخصية جيدا خاصة في استخدام نظرات عينها وحركة الحواجب لتستحق لقب (الحرباية) التي تلبس ثوب أي شخصية وتتلون بها بكل سهولة، ورغم ملامحها البريئة قدمت شخصية مرعبة تخيف الناس، (ريهام) مدهشة وعبقرية في هذا النوع من الأداء.
(محمد فراج) لا يكرر نفسه في أي عمل يقدمه، قدم شخصية (جمال) بتجسيد جيد بين الصلابة والخوف والعشق، ربما أقوى مشاهده تعبيره عن حزنه دون صوت وقمة الوجع بدموعه ونظرته وحركة تفاحة أدم.
الفنان (كامل الباشا) استطاع بمرونة تطويع ملامحه على الانفعال بهدوء جعل المشاهد يتعاطف ويتفاعل معه في حالة حميمية، وربما أكثر شيء لفت نظر المتابعين (السبحة) التي بيده وماذا يردد دون صوت، ممثل بأداء رزين وقدرات تمثيلية رائعة.
(ناردين فرج) أداء عفوي ورومانسي لشخصية (سارة)، إجازة تامة في التعبير بلا انفعال زائد.
(مراد مكرم) الخواجة أداء سلس في التنقل بين العربية والإيطالية، تظهر انفعالاته باجادة في التحول من القوة إلى الضعف، لحظات اليأس عبر عنها جيدا، طريقة المشي بالعكاز ومحاولة الجري من أخيه في آخر حلقة ووقوعه جاءت طبيعية جدا، التعبير عن الحزن والاكتئاب لأنه سبب فيما يحدث لتركه الغرفة مفتوحة، ربما ليستطيع الشبح إعادة الأحداث مع (جمال) مرة أخرى وتصحيح الخطأ.
الست (سلوى عثمان) أداء رهيب وتنقل سهل بين الانفعالات من حب وخوف ورعب.
(يوسف عثمان) ممثل موهوب كنت انتظر أن يكون دوره بقدر موهبته.
(سمر علام) أداء جيد خاصة مشهد تهديد (فاتن) لها ألا تخبر أحد بما رأته في اللوحة.
(أسماء جلال) أجادت توظيف لغة الجسد لتؤدي الإسقاطات التي في شخصية (فاتن) كالتحويل من (شجرة الدر وكليوباترا وسالومي)، قدمت حالة خاصة وقدرتها على الإغواء بنظرات العين دون ابتذال.
الغرفة 207 .. دراما بها العديد من الإسقاطات وليست مجرد حكاية، تجعل المشاهد في حالة تركيز وترقب وتحليل، لأن الفكرة هى أن الغرفة هى الدنيا التي تأخذنا في دوامة، وربما هى النفس البشرية بأسرارها وماضيها وتاريخها وخوفها وأحيانا سقوطها في الجهل والغموض.