بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
مرت السينما المصرية عبر تاريخها الطويل بمراحل تحدد بتاريخ الأعوام التي توالت عليها، وشهدت تطورها وهناك مرحلة تاريخية مؤثرة جدا في تطور موضوعات وشكل الفيلم المصري وهى مرحلة الأعوام من 1952 إلى عام 1962، فهي مرحلة دقيقة في حياة الفيلم المصري وقد امتزج فيها التطور بالقلق فهى كانت سنوات العشر الأولي من حياة ثورة 23 يوليو، وكان أبرز ما تميزت به هذه الفترة هى أفلام صلاح أبو سيف الواقعية ثم الأفلام الوطنية في هذه المرحلة.
قدم (صلاح أبو سيف) أفلامه السته الخالدة التي كانت أساس شهرته كمخرج واقعي، وهى أفلام: (لك يوم يا ظالم، الأسطي حسن، ريا وسكينة، الوحش، شباب امرأة، الفتوة)، وكان البطل في هذه الأفلام هو الإنسان المطحون الفقير ضحية الاستغلال والإقطاع، ولم يجد (صلاح أبو سيف) في هذا طريقا مفروشا بالورود ولولا إصراره وتمسكه برأيه واعتقاده بأنه لابد أن يقدم هذا اللون من الأفلام الواقعية لما رأت هذه الأفلام النور.
وكان (صلاح أبو سيف) قد عاد من بعثته في إيطاليا أوكان متاثرا بالأفلام الواقعية الجديدة في إيطاليا، وهى أفلام تصور حال رجل الشارع في عالم ما بعد الحرب، فقرر (صلاح أبو سيف) أن ينقل هذه التجربة إلى الشاشة المصرية، وعرض سيناريو فيلم (لك يوم يا ظالم) على كل المنتجين بما فيهم (ستوديو مصر) فرفضوا جميعا هذه المغامرة واضطر (صلاح أبو سيف) إنتاج الفيلم لحسابه، وأثبت نجاح هذا الفيلم أن مخاوف المنتجين لم تكن علي حق وان المتفرج من الممكن أن يشاهد فيلم تجري أحداثه في حمام شعبي.
أما (ريا وسكينة) فكانت أول تجربة من هذا النوع في السينما المصرية، إذ أنه قدم للجمهور قصة معروفة لهم، فالشعب كله كان يعرف قصة السفاحتين (ريا وسكينة) التي روعت مدينة الإسكندرية في زمانها، ولذلك كان المتفرج المصري يدخل السينما ليشاهد فيلما يعرف قصته من قبل، وأبرز ما فى هذا الفيلم أنه صور في الأماكن التي جرت فيها القصة، وكان فلم (الوحش) يروي أيضا قصة سفاح آخر هو (الخط) وعالج فيلم (الفتوة) قصة التجار الجشعين الذين يسيطرون على السوق، ويتلاعبون في الأسعار، واستغل قصة (زيدان) ملك سوق الخضار وهى قضية معروفة وأثارت جدلا كبيرا في وقتها.
ويلاحظ أن هذه الأفلام الثلاثة (ريا وسكينة والوحش والفتوة) تقوم علي قصص حقيقية يعرفها الشعب وأنها صورت في الأماكن الحقيقية التي جرت فيها الأحداث، ولأول مرة اتبعت طريقة حديثة لعمل الفيلم المصري وهي طريقة اختيار الموضوع أولا ثم كتابة القصة وإعداد السيناريو اعتمادا علي ملف القضية والتفاصيل التي نشرتها الصحف، ومن هنا جاءت هذه الأفلام مختلفة تماما عما هو متبع في إنتاج الفيلم العادي لكنها كانت متفقة مع نظرية إنتاج الفيلم الإيطالي الواقعي، وقد سار (صلاح أبو سيف) على هذا النهج فبالإضافة إلى مستواها الفني الطيب تضمنت هذه الأفلام نقدا اجتماعيا كبيرا، وكان كل فيلم له هدف محدد إلى جانب المستوي الفني الجيد.