كتب : محمد حبوشة
ممثل مبدع واثق من قدراته الجسدية والذهنية، يتميز بنبرة صوتية درامية تميزه فنيا من حيث التأثير بحواس المشاهد، وما بين نبرة صوتية وتعبير جسدي تمكن من الإمساك بالحبل الدرامي المتين وشده نحوه إلى أن وصل إلى الوقار الفني بتمرس وأداء استطاع تطويره بوعي وصبر، بمعنى أنه يحسب له جدارته في تقمص الشخصيات كما يحسب وجوده في أي مسلسل ينتظره المشاهد خاصة التاريخي منها، برغم صعوبة الدراما التاريخية وتقبل الجمهور لها لأن الأدوار التاريخية تحتاج لجمهور خاص، إضافة إلى (الكاريزما) الخاصة التي يتمتع بها، منها تعابير الوجه المرتاحة أو التعبيرية بهدوء تبعا للشخصية أو تلك البعيدة عن التشنج التقليدي الذي نألفه في وجوه بعض الفنانين الآخرين، لهذا استطاع (بيير داغر) تمييز الشخصية التي يلعبها في أي مسلسل، ويمنحها خاصيته بمهارة وإدراك فني مازجا به التراجيديا كما الكوميديا والرومانسي والاجتماعي، ليقدم دراما تنوعت وصقلت شخصيته وجمهوره معا، لهذا دخل القلوب دون استئذان وانصهر مع أدواره وجمهوره.
ولأن (بيير داغر) ممثل لايقبل أي دور يعرض يعرض عليه انطلاقا من قناعته الشخصية أن لابد وأن يكون لديه يقين تام ومؤكد بالشخصية التي يؤديها فهو يدرك جيدا أهمية الجسد كحضور فعلي ينوب عن الكلام، فتلك الحركات هى التي ستنوب عن الكلام، ولكن الجسد بالتالي هو اللغة التي نستطيع أن نتواصل معها وحتى بحضور الكلام، ولهذا اختار أن يجسد شخصيتين مختلفتان عن نهجه الرومانسي الذي برع فيه مؤخرا في مسلسل (السر2)، وذلك للمشاركة في موسم رمضان 2024، الأولى: من خلال شخصية الرئيس الأمريكي الأسبق (تومس جيفرسون) في مسلسل (السرايا 2) من إخراج المبدع الليبي (أسامة رزق)، وهو عبارة عن ملحمة تاريخية، تحكي مراحل التأسيس الأولى لدولة ليبيا في الفترة من 1783 وحتى 1795، ويتناول بشكل درامي شيق الصراع الكبير الذي حدث بين أبناء (علي باشا القرة مانلي) على حكم (إيالة طرابلس الغرب)، وما نتج عن ذلك من آثار في إطار يجذب الليبيين الذين لا يعرفون كثيراً عن تلك الفترة الحية من تاريخ بلادهم.
أما الشخصية الثانية: فيجسد من خلال دور ديكتاتور متسلط في المسلسل السوري (عين الشمس)، بطولة (رشيد عساف ونادين خوري ونخبة من نجوم سوريا مثل (روعة ياسين وجوان خضر، والأردنية صفاء سلطان)، ومن إخرج (يزن أبو حمدة)، وهو عمل اجتماعي بوليسي، قائم على الأكشن والإثارة والتشويق، وذلك من خلال قصة تحكي عن شخصية ضابط أمن جنائي يدعى (حاتم) يجسدها النجم الكبير رشيد عساف، وبالإضافة إلى ذلك يناقش المسلسل مجموعة من القضايا الهامة، مثل: (تهريب المخدرات والآثار) وآثارها السلبية على المجتمع.
وحول ملابسات وظروف الدورين اختياره للدورين كان لنا هذه الدرشة السريعة مع بيير داغر، حيث قال: في مسلسل (السرايا 2) أجسد شخصية الرئيس الأمريكي (توماس جيفرسون)، والذي أعتبره نقلة نوعية في حياتي المهنية حيث أميل بطبعي لتجسيد الشخصيات التاريخية التي تتحدث بلغة عربية فصيحة، وربما كان سر اختياري من جانب المخرج (أسامة رزق) يعود للبنية الجسدية التي تناسب (جيفرسون) في تلك الفترة التاريخية، وظني أنهم أحبوا أن يطعموا عمل ليبي (بيور) بممثلين عرب آخرين في محاولة لانتشار أعمالهم، خاصة أن المسلسل يتحدث قصة حدث منذ 200 عاما في (طرابس إيالة)، والتي كانت فترة خصبة بالأحداث، وقد أحببت طريقة التعامل الراقية من قبل المخرج (أسامة رزق) في ظل فريق عمل من المحترفين جدا.
ويضيف بيير داغر: كان (أسامة رزق) بالنسبة لي اكتشاف جديد لمخرج متميز، فهو شخص مثقف ومحترف، ولديه عين ثاقبة ويختار زوايا تصوير صحيحة تماما، كما يتمتع بروح النقاش الذي يفضي إلى إبداع حقيقي، وذلك من خلال الاهتمام بالتفاصيل، فضلا عن دراسته للشخصيات بأعماقها الدقيقة، وما يزيد من براعته ذلك التحدي الذي فرضه على نفسه فالمسلسل يتحدث باللغة العربية الفصحى وهى لغة ليست هينة كما نعرف، ولعل أبرز مميزات هذا المخرج أنه يحترم كل فريق عمله التمثيلي ويصبر على الممثل طويلا حتى يصل إلى قمة أدائه.
أما عن شخصية الديكتاتور في مسلسل (عين الشمس)، يقول (داغر): إنه شخصية قوية تحمل في طياتها بنية درامية جيدة للغاية، وهو عبار عن رجل إقطاعي قاسي ومتسلط يرغب في أن يتصرف أبناءه مثلما يفعل هو نفسه، وفي موقع معين يسقط هذا الرجل ويفقد بصره ومع ذلك يستمر في قسوته، وقد أحببت التعامل مع (يزن أبو حمدة) كمخرج جديد حيث أن طريقة تعامله جيدة للغاية جعلتني أحب التجربة.
سألته عن ملابسات أسباب اختياره لتجسيد هذا الدور؟
فأجاب: كما تعلم فإنني لدي تاريخ طويل ومشرف في الدراما السورية، حيث شاركت في أعمال متميزة ومتنوعة سواء على المستوى التاريخي أو الاجتماعي أو الرومانسي، وربما جراء لعبي لـ (الكاركترات) القاسية كان سببا في اختياري لهذا الدور المتميز في (عين الشمس)، ولاتنسى أن الشعب السوري يعتبر (بيير داغر) فنان من عندهم وخاصة أنني شاركت في كم من الأعمال الجيدة جدا، ولعل هنالك جيل كامل واع جيدا لهذه الأعمال التي أحبوها وتفاعلوا معها، لهذا السبب فإن المخرجين السوريين دائما على اتصال بي ويتمنون أن أكون معهم في أعمالهم، فضلا عن معرفتهم بقدراتي وإمكاناتي التمثيلية، والحمد لله أننا توافقنا مؤخرا على المشاركة في هذا العمل الذي يضم كوكبة كبيرة من نجوم سوريا المبدعين في لوحة الدراما الحالية.