بقلم : علا السنجري
ماذا لو وجدت فجوة زمنية تجعلك تنتقل بين الأزمنة وتعيد الأحداث؟، هل تكرر نفس الأخطاء أو تصحح ما فعلت؟ ، هل نتمكن من فعلا من تصحيح الخلل أم أننا أقدار مكتوبة ولا يمكن تغييرها؟، افتراض جدلي من وجهة نظري أوجدته الحلقة الأخيرة من الغرفة 207، كما أنها أوجدت فجوة أخرى في زمن ونوعية الدراما فأصبح هناك زمن ما قبل الغرفة 207 وزمن ما بعدها .
زمن الغرفة 207 إبداع رائع جدا من السيناريست تامر إبراهيم، الذي أستطاع أن ينسج ثوبا متناسق من رواية (أحمد خالد توفيق )، والتي تعتبر مادة خام يمكن أن تصنع أكثر من عمل درامي وأضاف إليها (تامر) من روحه شخصيات جعلت العمل الدرامي أجمل من الرواية المكتوبة، لنجد أنفسنا أمام عمل له أبعاد جديدة بتفاصيل كثيرة تشد المشاهد وتجعله في حالة تساؤل ودهشة، خاصة أن البعض تنبأ لتامر إبراهيم ان يكون العراب الجديد، فقد صدر له ثنائية صانع الظلام والكتاب الأسود و منزل السيدة البدينة.
الفنان (مراد مكرم) طلب من متابعيه إعادة مشاهدة الحلقات مرة أخرى والتركيز في التفاصيل قبل الحلقة الأخيرة، وهذا ما فعلته لأجد أن الحلقة الأولى تعطي إجابات من أول مشهد مع الأغنية في الخلفية تسترجعها مع المشهد الأخير في الحلقة العاشرة لتصل لنتيجة أن هناك فجوة زمنية تم فتحها ينتقل من خلالها كل من (ريهام عبد الغفور و محمد فراج)، ففي المشهد الأول (الخواجة مايكل) يتمايل مع أغنية أم كلثوم (انت عمري )، تأتي اللقطات بعد ذلك مترابطة لتقدم لك عمال الفندق في لوحة توضح اهتمام بنظافة أثاث الفندق والغرف، ووضع الجرائد اليومية في ركن من استقبال الفندق، كل ذلك بالتزامن مع استمرار الاغنية بالخلفية، ثم تظهر الغرفة 207 وهى تعيد تكوينها من جديد كنوع من عميلة خلق لتعيد الزمن مع جملة (رجعوني لأيامي اللي راحت).. كلمة الخواجة لجمال: (احنا اتقابلنا قبل كده) إشارة إلى الرجوع في الزمن وتقابلا، ومن ضمن التفاصيل أيضا البورتريه بالغرفة تظهر فيه (ريهام عبد الغفور) جالسة بملابس عمال الفندق وحيدة على الشاطئ، وهي مقدمة لنتعرف على سبب انتقامها من خلال الغرفة.
يستمر كل من السيناريست (تامر إبراهيم و المخرج محمد بكير) في شد المشاهد بالتفاصيل في الحلقة الثانية لعب عيال، بأغنية محمد فوزي للأطفال (ذهب الليل)، تبدا الأحداث بوقوع جمال وهو طفل من نافذة منزل أسرته، لنعرف أن والده كان يكرهه جدا، وهو الذي ألقى به من النافذة، ثم الأحداث تدور مع الطفل أكمل الذي جاء مع عائلته، يظهر لأكمل (ماركو) الأخ الأصغر للخواجة الذي دخل الغرفة ولم يخرج منها، ومن خلال خالة (أكمل) نتعرف على المرآة بالغرفة إنها عاكس لعالم آخر تستخدمه للتخلص من أختها، هذه الحلقة تعتبر البداية لمعرفة المشاهد أن (جمال) هو سبب ما حدث وما يحدث.
الحلقة الثالثة بعنوان (زوجان) بدأت بأغنية فيروز (دق الهوى ع الباب إلا حبايبنا قلنا الحلو اللي غاب جاي يعاتبنا) مع ظهور (سارة) كإشارة أيضا لعودتها مرة أخرى في الزمن، تدور الأحداث حول الزوج الذي يقتل عروس في كل سنة بنفس الغرفة لتعيد له حبيته وزوجته الأولى، وهى مجرد خدعة من الغرفة لأنه لايرى سوى خيال وليس واقع (اتاري الهوا كذاب قصده يلعبنا)، المقطع الأخير من أغنية فيروز يعبر عنه، نعرف أيضا من سجلات الفندق أن والد جمال جاء إلى الفندق عام 1934 في إشارة أخرى لربط الأحداث بجمال.
الحلقة الرابعة بعنوان (ذات ليلة) تبدأ بأغنية بنفس العنوان لعبد الحليم حافظ والتي تقول كلماتها (أنا والأوراق والأقلام كنا في عناق/ نقطع الأزمان والأبعاد وثباً في اشتياق/ والنهايات السعيدة لم تكن عني بعيدة)، هى أغنية ممنوعة لأنها تغنت باسم جمال عبد الناصر، وكأنها إسقاط أن (جمال هو السبب في اللي حصل واللي بيحصل)، وهناك إسقاط بين (جمال وجمال) في الحلقة السابعة في غرفة التحقيق، يركز المخرج محمد بكير على الخواجة وهو يجمع قصاصات الجرائد لجرائم الغرفة، يحاول (جمال) الهروب من الفندق ويأخذ معه (سارة)، ربما يتفادى ما سيحدث عندما يقرر الخواجة تجديد الغرفة لنعرف أن والده (أدريانو) أيضا حاول تجديد الغرفة ولكن تخلصت الغرفة من العمال، وعودة (أداموند) بعد أن وجد جمال قطة سودا وعظام في حيطان الغرفة، ويموت جميع العمال.
يستمر (تامر ابراهيم) في عرض التفاصيل في الحلقة الخامسة بعنوان (تليفزيون الواقع )، وأيضا يستخدم أغنية (لا تكذبي) لنجاة الصغيرة كرمز للخيانة بين زوجين يسكنا الغرفة والتليفزيون يكشف أسرار كل واحد يخبئها عن ماضيه، في آخر الحلقة يذيع أغنية (ماما زمانها جاية) ونجد (جمال) في مشهد بالتليفزيون يقول: (جه الوقت اللى لازم نتحاسب فيه)، تتكرر الجملة في نفس المشهد في الحلقة الأخيرة كدليل آخر لتكرار الأحداث.
يبدع (تامر ابراهيم مع المخرج محمد بكير) في الحلقة السادسة وتفاصيلها بعنوان (اللقاء)، يستخدم أغنية لفرقة شعبية تتحدث عن الجنود وقت الحرب، (خلف الجسر مقبرة للجنود)، لنعرف أن الفندق أقيم على أرض معسكر الايطاليين، والذي بناه (ألفريدو) واطلق عليه اسم (لونا) وترجمتها (قمر)، وذلك على اسم الفتاة التي قتلها (ريكاردو) واشتراه والد الخواجة بعد ذلك، التناغم بين مشاهد (جمال) وهو يقاتل (ريكاردو) مع مشاهد (ألفريدو) وصراعه مع (ريكاردو)، مؤشر أخر لربط (جمال) بالأحداث، وربما هناك رابط بين روح جمال و ألفريدو ليجعلك تركز مع شخصية ألفريدو لتعرف علاقتها بجمال، السلسلة التى حرصت (ريهام) ألا تاخذها (الست عبير) ونظرتها لصورة (ألفريدو) أيضا دليل.
تأتي الحلقة السابعة تربط أحداث الحلقة الأولى ونعرف حكاية الصحفي (رمزي) والدكتورة (شيرين) التي عالجته والتي انتحرت بالغرفة مستخدما أغنية (فكروني) لأم كلثوم، تحمل الحلقة عنوان (تجربة ليلية) ،بها الكثير من التفاصيل يحكيها (حسن ابن رمزي)، ويحاول خداع (جمال) بوسيط روحاني ليعرف سر الغرفة، لكن تنقلب الغرفة عليه لأنه فتح باب الذكريات ورجع الماضي، ويختفي (حسن) ويكتب على الآلة الكاتبة الخاصة به والتي رسمتها الغرفة على اللوحة في بداية دخول حسن الغرفة، متسائلا (انا فين).. رسالة (أدريانو) والد الخواجة والتي يطلب فيها أن يسامحه فهو السبب في الشر الذي بدأ في الغرفة، دليل آخر لتورطه في الفجوة الزمنية للغرفة وانتقامها.
نتوقف هنا مع السيناريست (تامر إبراهيم) الذي رسم الشخصيات بتفاصيل ماضيها وحاضرها، بتفاصيل تدل على ما هو قادم من أحداث لتشبه قطع المكعبات، كل قطعة مبنية على الأخرى ليتكون الشكل النهائي، في مشاهد متتابعة ومترابطة بلا تطويل.
المخرج محمد بكير قدم صورة مبهرة وممتعة، حول السيناريو إلى بناء متكامل من الكادرات، تستطيع القول أن كل من (تامر إبراهيم ومحمد بكير) قدما نسيج متكامل من أحداث تتصاعد تأخذك إلى داخل النفس البشرية، وأسرار مدفونة وراء التفاصيل تجعل عقل المشاهد في حالة تساؤل وترقب وتحليل، كل ذلك بمساعدة فريق رائع من التصوير والديكور والإضاءة والملابس، ثم تأتي الموسيقى التصويرية لتكتمل اللوحة روعة، لتصبح الموسيقى شخصية من شخصيات السيناريو، تصاحب الأحداث وتعبر عن الخوف والألم والحيرة والتعاطف.
الحلقات من الاولى إلى السابعة تعتبر جزء متصاعد الأحداث، ثم تأتي الحلقة الثامنة والتاسعة التهدئة ومحاولة من الغرفة إلى تعديل مسار الأحداث لتتحكم في جمال ليعود في الزمن ومحاولة تصحيح الأخطاء والعودة لنقطة البداية، والحلقة العاشرة هى تمهيد للجزء الثاني بظهور شخصية جديدة ربما تساعد في إيقاف الفجوة الزمنية، ولي حديث آخر عنهم.. يتبع.