بقلم : محمد حبوشة
لكل ممثل طريقته فى التحضير للدور وإعداد نفسه لتجسيد الشخصية، ثمة ممثلون لايكتفون بقبول الدور المرسوم كما هو فى النص بل يحللون الشخصية ويحاولون اكتشاف منبعها، خلفيتها، ثقافتها، أسلوب حياتها، رغباتها، مخاوفها، دوافعها، ماضيها، حياتها العائلية، نوعية الملابس التى ترتديها، الأشياء التى تقتنيها، الأماكن التى ترتادها، حركاتها المميزة، طريقتها فى الكلام، وجهة نظرها فى أمور عديدة، حتى وإن لم يكن هذا متضمنا فى النص أو أنه مطروح عبر إيحاءات وإشارات عرضية، إنهم يقومون بإجراء بحوث فى طبيعة وسلوك وعلاقات الشخصية التي يجسدونها حاملة المشاعر والأحاسيس التي تعبر عنها.
وظني أن ضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع الفنانة الجميلة شكلا وروحا وملامح شخصية (هالة صدقي) هى واحدة من نوع الممثلين الذين يعنون جيد بالشخصية قبل الدخول في آهابها، فتقوم بالتحضير لها جيدا من خلال دراسة متأنية لطريقتها في الكلام وحركاتها المميزة، فيأتي أداؤها فائق الجودة عبر إيحاءات وإشارات عرضية، ويبدو التحول خاصية أساسية للتمثيل عند (هالة).. إنه انسلاخ عن الذات وتقمص للآخر (الشخصية)، لذا فهى تتقمص الشخصية بكل سماتها وخصائصها ومميزاتها بحيث يمحو ذاتيتها تقريبا، أى أنها لا تكشف ذاتها إنما تجسد الشخصية وتختفى وتتوارى داخلها، بل إنها تلتحم بالشخصية فى مستوى سيكولوجى عميق غير أننا نعى حضورها ونشعر بأن هذا الحضور يضاعف ويحدد فهمنا للشخصية التي تجسدها ببراعة فائقة.
ومن خلال متابعتي لمسيرتها الفنية الطويلة ألحظ أن (هالة صدقي) تسعى في كل أدوارها في السينما والتلفزيون والمسرح إلى التماهى والتطابق مع الدور، حتى وإن كان متعارضا مع ذاتها الحقيقة، إنها تكيف ذاتها وتلج الدور ليقطن فى الشخصية، وأثناء ذلك تقوم بتحويل نفسها ليس جسمانيا، كمظهر وانتحال حركى وصوتى، فحسب، بل أيضا ذهنيا وروحيا، بحيث يبدو الدور مختلفا تماما عن ما هو مرسوم له في السيناريو، ويمكنني القول بأن (هالة) تنتمي لنوعية الممثلين الذين يجسدون الشخصية بطريقة مباشرة وغير معقدة، ومع ذلك نحس بالصدق فى أدائها، وتظهر قدرة عالية على فهم الشخصية وتوصلها ببراعة واقناع، وهى ممن يعايشون الأدوار لكن دون القيام بتحريات أو عملية استقصاء سيكولوجى بشان الشخصيات، بل تعتمد على الخبرة والحدس والغريزة.
من إحدى مهمات المخرج الرئيسية فى علاقته وتعامله مع الممثل، أن يسبر ويستخرج تلك الطاقة الإبداعية الكامنة فى الممثل والتى بها يجسد الشخصية على نحو متكامل، ويعبر عن مختلف انفعالتها ومشاعرها وتناقضاتها بصورة مقنعة ومثيرة للإعجاب، وفي حالة (هالة صدقي) فإن المخرجين يعتمدون في اختيارهم لها على موهبتها الطاغية في الأساس، مع إعطاء الأولوية للشكل الجسمانى وأحيانا لشعبيتها النسبية، وبعد ذلك يكتفون بما تقدمه هذه الممثلة أو بما تضيفه ضمن حدود ضيقة، فى تأديته للدور، انطلاقا من توجيهات المخرج، وذلك دون أن يولوا عملية السبر والاستنباط لذات (هالة) واستنطاق دواخلها، ذلك الاهتمام الضرورى الذي لا يوليه غالبية المخرجين الذين لم يصلوا بعد إلى أعماق موهبتها الحقيقية.
بالتأكيد، العملية تقتضى وعيا فنيا ومعرفة ثقافية وسيكولوجية ومقدرة استثنائية لدى المخرج في التعامل مع قدرات (هالة صدقي)، فالشخصيات التى يتعين عليها أن تجسدها ينبغى معرفة خلفيتها الاجتماعية والتاريخية ودوافعها، والمحركات أو المكونات التى تجعلها تفكر أو تشعر أو تتصرف بطريقة معينة، لكن من جانب آخر، فإنها تفرض على نفسها كممثلة أن تتحمل مسؤوليتها فيما يتصل بعملية السبر، فمقابل تجاهل المخرج أو التغاضي عن حرفيتها فعليها كممثلة أن تبادر من تلقاء نفسها، ودون أن يملى عليها أحد ذلك، إلى الكشف عن مخزون الذاكرة وفحص تجربتها الحياتية والثقافية، لعلها تجد تماثلات مع الشخصية التي تؤديها، أو حالات ومواقف تثرى وتعمق الشخصية، وذلك بعد دراستها من جميع جوانبها وعبر مختلف المستويات.
ولأنه يتعين على الممثل أن يدع الشخصية تتعايش مع ذاته، وأن تكون جزءا منه من كيانه، لا أن تكون غريبة وشاذة ومستقلة، فإن الممثل لايستطيع أن يكون صادقا ومقنعا فى دوره إن شعر بنفور أو كراهية للشخصية التى يؤديها، وحتى لو اتخذ موقفا محايدا إزاءها، فإن خللا ما سيظهر جليا للعيان ومن أجل ذلك فإن (هالة صدقي) لابد أن تحب الشخصية أيا كانت، ولابد أن تشعر بأنها تمثل جانبا منه الظاهري أو الخفى، ربما لايشعر الممثل بارتياح، أو لنقل بتماثل مع شخصية شريرة – على سبيل المثال – لكن هناك حتما جوانب مشتركة بين ذاته، وهذه الشخصية ربما ليس فى السلوك، لكن فى حركة ما، فكرة ما، طموح ما، اتصال حميمى بشىء ما، تماما كما تفعل (هالة) في كل حالتها التمثيلية.
ولدت هالة صدقي جورج يونان في مدينة القاهرة، كانت السباحة هى هوايتها في الطفولة حيث أحبت هذه الرياضة وتلقت فيها الكثير من التدريبات، كما شاركت في عدد من البطولات، أمضت طفولتها في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تعود إلى مصر بعد أن أنهت دراسة المرحلة الثانوية، لتكمل تعليمها في كلية الآداب في جامعة القاهرة، واكتشف موهبتها المخرج (نور الدمرداش)، حيث شاركت لأول مرة في مسلسل (لا يا ابنتي العزيزة) بطولة الفنان عبد المنعم مدبولي والفنانة هدى سلطان عام 1979، وقد أنهت دراستها الجامعية عام 1981 وقررت دخول مجال التمثيل.
شاركت الفنانة هالة صدقي في عدد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وقد كانت انطلاقتها الحقيقة في الثمانينات، حيث شاركت في عدد من الأفلام مثل (نص أرنب – عام 1983، تسألني من أنا – 1984، زوج تحت الطلب، والطوفان – 1985، وداعا يا ولدي – 1986، امرأتان ورجل، والرجل يحب مرتين – 1987، البوليس النسائي – 1988، وفي نفس العام شاركت مع النجم أحمد زكي في فيلم (الهروب)، وعن كواليس تصوير الفيلم قالت هالة صدقي: (أحمد زكي ضربني بالقلم وكانت ضربة جامدة حتى أن الحسنة اللي كانت مركباها طارت، ولما قال المخرج إن المشهد هيتعاد تاني بكيت خوف من ضرب أحمد زكي لي، ولكن على الرغم من ذلك استمتعت بالعمل معه فهو إنسان وفنان بمعنى الكلمة)، ثم شاركت في أفلام (ولاد الإيه – 1989، مجرم رغم أنفه – 1991، فخ الجواسيس – 1992، الرجالة في خطر – 1993، في الصيف الحب جنون 1995، يا دنيا يا غرامي – 1996، تفاحة – 1997.
وتألقت في التلفزيون في الثمانينات عبر مسلسلات (عابر سبيل – عام 1983، ينابيع النهر – 1986، الضابط والمجرم – عام 1987، خمسة خمسة – 1987، سنبل بعد المليون – 1987؛ أما في فترة التسعينات فقد شهدت مشاركتها في عدد من الأعمال الدرامية كان منها (شارع المواردي – عام 1990، أرابيسك – 1994، الحفار – 1996، أمسك الخشب – 1999، وعدد من الأفلام منها (المشاغبات والكابتن – 1991، أحوال شخصية – 1992، سباق مع الزمن – 1993، الرجالة في خطر – 1993؛ كما شاركت في مسرحية (727 – عام 1994، ومسرحية (وداعا يا بكوات – 1997).
أما خلال سنوات الألفين، فقد شاركت في عدد من المسلسلات والأفلام: ففي عام 2000 ظهرت هالة في الجزء الثاني لمسلسل (زيزينيا) من إخراج جمال عبد العزيز، ومسلسل (ميم تربيع) إخراج محمد عبد المغني؛ وفي عام 2001 شاركت في فيلم (نحب عيشة الحرية) من إخراج عادل الأعصر، وفي عام 2002 شاركت في مسلسل (ديدي ودوللي) من إخراج محسن فكري، ومسلسل (رجل في زمن العولمة) إلى جانب الممثلين صلاح السعدني، وأحمد صلاح السعدني، ومن إخراج عصام الشماع، وفي عام 2004 شاركت في فيلم (إسكندرية نيويورك) من إخراج يوسف شاهين.
في عام 2005 شاركت (هالة صدقي) في مسلسل (ينابيع العشق) من إخراج وفيق وجدي، وفي عام 2006 ظهرت في مسلسل (أسلحة دمار شامل) من إخراج عصام الشماع، وفيلم (ما تجي نرقص) من إخراج إيناس الدغيدي، وفي عام 2007 شاركت في فيلم (Young Alexander the Great) إخراج جلال مرعي، وفيلم (هي فوضى) من إخراج يوسف شاهين وخالد يوسف، وفي عام 2008 شاركت في مسلسل (جريمة على الساحل الشمالي) من إخراج عبد اللطيف زكي، وفي عام 2009 شاركت في مسلسل (أحلام نبيلة) من إخراج رائد لبيب، وفي عام 2010 شاركت في مسلسل (سيت كوم: جوز ماما) بطولة الفنان طلعت زكريا، وإخراج أسامة العبد، وفي عام 2011 شاركت في بطولة مسلسل (جوز ماما الجزء الثاني) مع طلعت زكريا، ورجاء الجداوي، وإخراج أسامة العبد وأسد فولادكار، كما ظهرت كضيفة شرف في فيلم (رد فعل) من إخراج عمرو يوسف.
شاركت (هالة) في عام 2012 في بطولة مسلسل (الخفافيش) من إخراج أحمد نحاس، وفي عام 2013 ظهرت في مسلسل (غرفة البحر) من إخراج أحمد مدحت، ومسلسل (نظرية الجوافة) بطولة إلهام شاهين، سماح أنور وهاني رمزي ومن إخراج مدحت السباعي، كما قدمت برنامج (نواعم وبس) على قناة إم بي سي مصر، وفي عام 2014 شاركت في فيلم (النبطشي) بطولة محمود عبد المغني، ومي كساب، وإيناس كامل، ومن إخراج إسماعيل فاروق؛ ومسلسل (كيد الحموات) من إخراج أحمد صقر. في عام 2015 شاركت في مسلسل (حارة اليهود) من إخراج محمد جمال العدل، وشاركت خلال 2016 في فيلم (يوم للستات) من إخراج كاملة أبو زكرى؛ ومسلسل (ونوس) من إخراج شادي الفخراني وقدمت في نفس السنة مسلسلها الرومانسي الرائع (حالة خاصة) مع كرم مطاوع، وفي عام 2017 شاركت في فيلم (آخر ديك في مصر) من إخراج عمرو عرفة، ومسلسل (عفاريت عدلي علام) من إخراج رامي إمام؛، وفي 2018 شاركت في مسلسل (رحيم)، كما شاركت عام 2019 في بطولة مسلسل (بركة) من إخراج محمود كريم، أما في عام 2020 فشاركت في مسلسل (ليه لأ؟!)، وفي عام 2022 شاركت في مسلسل (فاتن أمل حربي).
حصلت الفنانة هالة صدقي على عدد من الجوائز خلال مسيرتها الفنية، نذكر منها: (جائزة في المهرجان الفني الثقافي لمدينة بوزان بتونس عام 2006؛ وفي عيد ميلاد مجلة الكواكب عام 2008؛ ونالت جائزة أفضل ممثلة كوميدية عن دورها في مسلسل (السيت كوم جوز ماما)، وذلك في الدورة الأولى لمهرجان أوسكار الدراما المصرية، بالإضافة إلى تكريم من المركز الكاثوليكي، كما حصلت في عام 2016 على جائزة من حملة (نورت مصر وجائزة من مهرجان الرواد ببيروت، وجائزة من مؤسسة الأهرام، وجائزة من مهرجان يوسف شاهين للأفلام الروائية، وفي عام 2017 حصلت على جائزة من جريدة الأنباء الكويتية.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنانة هالة صدقي، فهى فنانة من طراز خاص، تملك منطقة خاصة من الصعب أن نجد من ينافسها بها، فهى شخصية فنية ثرية بالمشاعر والأحاسيس، لديها القدرة على أن تخطفك سواء بخفة ظلها أو بالتعاطف معها، ولا تشغلها أبدا البطولة المطلقة، فكل دور تقدمه هو بطل فى نطاقه بحسب وجهة نظرها، ولا يوجد ما يسمى ببطولة مطلقة، ورغم ذلك فقد وصلت لحالة من النضوج الفني التي تجعلها تقدم أدوارا وشخوصا لها تأثير على جمهورها في مختلف أنحاء الوطن العربي، فأصبحت تبحث عن الكيف وليس الكم منذ فترة طويلة، مما جعل ما تقدمه مختلفا عما قدمته من قبل من أعمال درامية، سواء في السينما أو على الشاشة الصغيرة، حتى استحقت تكريمها مؤخرا في مهرجان قرطاج السينمائي من قبل وزيرة الثقافة بحضور وزير السياحة وعدد من الوزراء وسعادة السفير المصري بتونس في أكتوبر الماضي.
