بقلم الكاتبة الخليجية : زينب علي البحراني
في الماضي المُهذب؛ قبل أن يختلط حابل الطبقات المُجتمعية بنابلها في العالم الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان الأفراد في مُجتمعاتنا العربية أكثر جديَّة في تحمل مسؤولية أخلاقهم ومُعتقداتهم وسلوكياتهم الشخصية وحمايتها باعتبارهم راشدين سنًا وعقلاً، وكانت الأُسَر مسؤولة عن دورها في حماية أخلاق أبنائها الذين لم يبلغوا سن الرشد، ولم يكُن أحد يُلقي مسؤولية إفساد أخلاقه على أحد.
كانت السينما تعرض أفلامًا متنوعة، ومن يعتبرونها فاسدة لا يذهبون إلى هناك، وكانت بعض قنوات التلفاز تعرض الأفلام في الأوقاتِ التي يكون فيها الصغار قد آووا إلى فراشهم وانطلقوا في عالم أحلامهم الوردية البريئة، بينما الراشدون يختارون المُشاهدة بملء إرادتهم لوعيهم أنهم (صاروا كِبارًا) يُدركون الفرق بين الصح والخطأ، أو يختارون إطفاء شاشة التلفاز بهدوء ما داموا يعتبرون الذي يُعرَض لا يتفق مع مبادئهم وأخلاقهم، وإذا شاهد أحدهم سرًا ما يعتبره المُجتمع معيبًا أخلاقيًا فإنه يحرص على إخفاء ما فعله خشية أن يوصَم هو بالفساد وقلة التربية وانعدام الأخلاق، أما الآن صار من هب ودب من الناس يسعى إلى أماكن عرض الأفلام والأغاني والمُقتطفات المصوَّرة، ثم يشتمونها ويؤلِّبون الرأي العام عليها باعتبارهم المساكين الذين انتُهكت براءتهم واغتُصِبت عُذرية طهارة أخلاقهم بتلك الأعمال!
إذا استمر الحالُ على هذا المِنوال، وظل الناسُ الذين يتهمون أشخاصًا أو جهاتٍ أخرى بأنها هي المسؤولة عن إفساد أخلاقهم بدل التأكيد على أن كُل فردٍ مسؤول عن أخلاقه وسلوكه ومُحاسبٌ عليهما بمُفرده، سيأتي يومٌ نرى فيه تلك الفئات المُستهترة تذهب بقدميها دون خجلٍ أو استتار إلى أماكن تعاطي السموم المُخدرة مع تحميل آخرين تلك المسؤولية، ونراهم ينطلقون إلى أماكن الممارسات الفاجرة والأفعال الداعرة لارتكابها ثم يُحمِّلون غيرهم مسؤولية انحلالهم مُتهمين الآخرين بما يزعمون أنه (تحريضهم على الفسق والفجور!).
مِنصات عرض المواد المرئية والمسموعة والمقروءة لا تأتي إلى الناس وتُجبرهم على مُطالعة مُحتوياتها، بل هم الذين يسعون إليها طالبين ما عندها، ومنهم من يختار المنصات التي لا تسمح بمُشاهدة ما تعرضه إلا باشتراكاتٍ ماليَّة، أي أنه يؤكد مسؤوليته تجاه ما يختار مُشاهدته أكثر من مرَّة بكل خطوة يخطوها نحوها، لذا فإن مُهاجمته لمادة من تلك المواد عبر وسائل التواصل الاجتماعي المُتاحة مجانًا للجميع ومن مُختلف الأعمار دون انتقاء هو ما يُستحق أن يُدعى فسادًا للأخلاق ومحاولةً لإفساد المُجتمع، وبدل أن يشعر بالخجل من هذا المُجتمع الذي يعتبره (مُحافظًا) يُعلن على جميع الملأ أنه مخلوقٌ (فاسد)، لم يكفِه السعي بملء إرادته لمشاهدة أو سماع أو مُطالعة محتوى (غير أخلاقي) وفق تعريفه، بل أعلن للجميع ارتكابه تلك الخطيئة مُحاولا إلصاق خطيئته بصُنَّاع العمل الذين لم يُجبروه على تلقّيه!
ما من شيء قادر على إفساد أخلاقك، أو تحريضك على الفسق والفجور، أو دفعك لارتكاب الرذيلة إن كُنتَ خلوقًا مُلتزمًا حقًا، لقد مررتَ طوال أيام حياتك الماضية بمُختلف المؤثرات والمغريات، فهل انحرفت بسببها؟ وهل غدوتَ من عداد الفاسقين الملعونين بعد مُشاهدة فيلم أو مُسلسل؟!