فرح الديباني .. مصرية استردت كرامة فننا في كأس العالم
كتب : محمد حبوشة
حين كتب الشاعر الراحل الكبير (أمل دنقل) قصيدته الثورية (لاتصالح) في معارضة عنيدة للسلام مع إسرائيل لم يكن يدرك أنها تنطبق على بعض فن هذا الزمان الردئ شكلا ومضمونا وهوية مصرية تتعرض للتجريف بفعل سفهاء من يدعون أنهم مطربون فهو القائل:
لا تصالحح!
.. ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..
وكأن لسان حال الشاعريؤكد علينا ألا نصالح الزيف الفني ونسمو بالقيم الموسيقية والغنائية في زمن ضاع فيه المبني والمعني للفن الحقيقي، حتى ولو منحونا الذهب كما يحدث حاليا في تظاهرات فنية خليجية تتعمد الاستعانة بمؤدي المهرجانات والراب وغيرها من رديء الفن، صدق فعلا في قوله (أترى حين أفقأ عينيك/ ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟ / هي أشياء لا تشترى)، حتى ولو كان الفن المصري على جناح الأوبرا التي ربما لايستسيغها كثريون من شبابنا الضائع والغراق في براثن التردي الغنائي، لذا شدد في نهاية القصيدة على قوله:
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ!
لا تصالحح
لا تصالح
ترى هل كان يقصد (أمل دنقل) شيوخ النفط (هؤلاء الذين تدلت عمائهم فوق أعينهم/ وسيوفهم العربية قد نسيت الشموخ) في لحظة النيل من فننا، مؤكدا أن المصري هو (فارس هذا الزمان الوحيد/ وسواه المسوخ) ومن ثم أطلق صيحته المدوية (لا تصالح/ لا تصالح).
هذا الكلام رواد عقلي حين شاهدت السوبرانو المصرية (فرح الديباني) وهى تخطف أنظار العالم بظهورها قبل انطلاق نهائي كأس العالم المقام بدولة قطر، والذى شهد مباراة منتخبى الأرجنتين وفرنسا، حيث ظهرت في ثياب تتسم بالشياكة والأناقة، وظهرت النجمة الشابة، بإطلالة تعكس أصالة مصر القديمة، مرتدية (قرطا)على هيئة زهرة اللوتس، بتدرجات اللون الأزرق، كما اختارت عقد نيفرتيتي الذهبي لتزيين رقبتها.
تلقت الفنانة المصرية فرح الديباني، إشادات واسعة من قبل رواد مواقع التواصل الأجتماعي، الذي حرصوا على تهنئتها بعد غنائها في حفل ختام نهائي كأس العالم 2022، وجاءت تعليقات الجمهور كالتالي: (بنت مصر أصبح صوتها من أهم وأفضل خامات الصوت السوبرانو في العالم، المصرية الرائعة فرح الديباني تنشد النشيد الوطني لفرنسا في نهائي كأس العالم.. (فرح الديباني لابسة حته حلق طراز مصري قديم تحفة وكمان كوليه مصري تحفة فنية، فرح الديباني غنت النشيد الوطني نصر لكل امرأة مصرية وعربية).
وقالت أخرى: (السوبرانو فرح الديباني بنت مصر، تبهر العالم بصوتها الرائع في غناء النشيد الوطني الفرنسي بختام كأس العالم، القوة الناعمة لمصر حاضرة بقوة في كأس العالم المصرية.
ومن جانبها أكدت (الميزو سوبرانو) المصرية (فرح الديباني)، أن اختيارها لغناء النشيد الوطني لفرنسا في نهائي كأس العالم قطر 2022، كان مفاجئة بالنسبة لها، مشيرة إلى أن الرئاسة الفرنسية اقترحت الأمر على الفيفا قبل يومين، والموافقة جاءت متأخرة)، وأضافت فرح الديباني، في مداخلة هاتفية ببرنامج (من مصر)، مع الإعلامي عمرو خليل، على قناة (cbc) أن الموافقة من الفيفا جاءت متأخرة ووصلوا أمس الأول لأداء النشيد الوطني الفرنسي، متابعة: (الفيفا نفسه مش متعود على هذا النوع من الغناء، وفرنسا هي اللي قالت الفكرة)
استكملت الديباني: (الفيفا حرصت على استقدام مغنية أيضا من الأرجنتين لأداء النشيد الأرجنتيني، وعملنا بروفة ربع ساعة فقط، لافتة إلى أن الفيفا، كان مترددا من أداء السلام الوطني لفرنسا في نهائي كأس العالم.
وعن شعورها بغناء النشيد الوطني الفرنسي في نهائي كأس العالم، علقت فرح : (أنا عمري ما غنيت في استاد، والإحساس كان مختلفا، وكله كان بيغني معايا ومكنتش عارفة أسمع صوتي من الدوشة).
لقد شفت (فرح الديباني) غليلنا بعد أن غنت نشيد فرنسا منسوبة لمصر بعد كارثة (المدو ويجز) الذي شوه شكل الغناء المصري براب ركيك على مستوى الكلمة واللحن وملابسه التي تنتمي إلى الطوارق، وكأنه كان يقصد مخاطبة الجمهور المغربي غير مدرك أن هذه الملابس تستفز المغاربة بحكم انتمائها إلى ملابس الصحراء المغربية التي تحاول الانفصال عن الوطن الأم، وهو ما يؤكد جهله بالدلالات الرمزية للملابس التي تشكل هوية تخالف الهوية المغربية.
حسنا فعلت (فرح الديباجى) بصنيععها الفني فائق الجودة حين غنت للسلام وقصدت مناصرة المرأة في العالم باعتبارها مصرية عربية تنتمي لجذور الثقافة العربية، وهى المولودة في الإسكندرية وعاشقة للتراث الغنائي المصرية وتمثل امتدادا للمطربة الرائعة الراحلة (داليدا) التي كانت أيقونة من أيقونات الغناء المصري والفرنسي على حد سواء، لقد شرفت (الديباجي) مصر بتمثليها لبلدها وفرنسا معا في كأس العالم العالم.
ولمن لا يعرف (فرح الديباني) هي مغنية أوبرالية مصرية ميزو سوبرانو، ولدت عام 1989 في الإسكندرية لعائلة تعشق للموسيقى الكلاسيكية والفن الأوبرالي، وتعلمت عزف البيانو والباليه داخل معهد الكونسرفتوار، ثم انضمت لمدرسة (سان شارل الألمانية) وشجعها مدرسها الموسيقي على الغناء في الأوبرا.
وتعتبر(فرح) أول مغنية مصرية تنضم إلى أكاديمية أوبرا باريس عام 2016، وقد حصلت فرح على العديد من التكريمات والجوائز حيث كرمت من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي في منتدى شباب العالم 2021، تحرص على المشاركة في حفلات أوبرالية مصرية، على الرغم من إقامتها في أوروبا، ومنحتها السفارة الفرنسية في القاهرة وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة فارس، وغنت النشيد الوطني الفرنسي في حفل فوز إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل من عام 2022، وحصدت كثير من الجوائز أبرزها من مجلة (أوبرنفلت) وجائزة مهرجان (كامروبر شلوس رانسبرج)، وجائزة (مؤسسة فاجنر).
جدير بالذكر أن (الديباني) هي أول مغنية أوبرا من العالم العربي تتم دعوتها للإقامة في أكاديمية الأوبرا الوطنية بباريس وأول عربية تفوز بجائزة أفضل مغنية شابة في أوبرا باريس لعام 2019، وفرح ليست فقط فنانة موهوبة، وصاحبة صوت أوبرالى غير شائع يسمى (ميتزو سوبرانو) ، لكنها أيضا فتاة دؤوبة مكافحة، درست الهندسة فى مصر وألمانيا ، وفى ألمانيا أيضا درست الأوبرا ، وحصلت على الماجستير فى الغناء الأوبرالى، وكانت أول مصرية تلتحق بأوبرا باريس .
ومن المفارقات المذهلة في حياة المصرية عاشقة الحضارة والتاريخ الفرعوني والأفلام المصرية وخصوصا أفلام (عمر الشريف)، أنها خلال الاحتفال بفوز إيمانويل ماكرون، برئاسة فرنسا للمرة الثانية، خطفت الأنظار بغنائها النشيد الوطني الفرنسي، في حضور الرئيس ماكرون وزوجته سيدة فرنسا الأولى، وحشد من أنصاره وما أن انتهت (فرح) من الغناء حتي سارع ماكرون إلى مصافحتها وتقبيل يدها أمام الحضور، وهو ما لاقى اهتماما واسعا وتفاعلا عربيا وعالميا، حيث أعرب العديد من المغردين عن إعجابهم بصوت المغنية المصرية وبتصرف الرئيس الفرنسي، وفقا لما نشرته شبكة (سي إن إن) الأمريكية.
وفضلا عن تعمق (فرح) في الفن الأوبرالي، فإن هذا لم يعزلها عن بقية أنواع الغناء، فهي تحب فيروز، وشادية، وأم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، فيما تعشق داليدا التي تأثرت بها على حد قولها، حتى باتت تحلم بإحياء حفلات من أغانيها داخل باريس، وتحلم بأن تكمل مشواري في صنع جسر ثقافي بين الغرب والشرق وبين مصر والعالم العربي، وتجسيد دور ملكة فرعونية على مسرح الأوبرا، قائلة: سأظل دائما رمزا للانفتاح والترابط والتأكيد على أن الفن يقارب بين الشعوب).. تحية تقدير واحترام لفنانة مصرية أكدت موهبتها في فرنسا وغيرها من دول أوروبا وأثبتت جدارتها في أكبر محفل دولي (كأس العالم في قطر).. ومن ثم نلفت الأنظار إلى هذه الموهبة التي نتمنى الاهتمام بها من جانب دار الأوبرا المصرية.
وأخيرا: أوكد على قول أمل دنقل مجددا: (هى أشياء لا تشترى).. نعم يستطيع شيوخ النفط أن يشتروا أشياء كثيرة بلا عدد، لكنهم لا يستطيعون أن يشتروا تاريخ و إبداع وفن وعبقرية المصرى فى كل المجالات وليس فى الفن والغناء، فالمصرى هو (العالم والمعلم والطبيب والمهندس والمحاسب الرسام والنحات والأديب والمفكر) وكل ما تتخيله في مجالات الحياة، وستبقى مصر (أم كلثوم، وعبد الوهاب، وعبد الحليم، وسميرة موسي، ونجيب محفوظ، وزويل، وعمر الشريف، ومجدي يعقوب)، مهما حاولوا العبث بالفن المصري واختيار الردئ منه ليمثل مصر في تظاهراتهم وأعيادهم الوطنية بهدف ضرب القوى الناعمة المصرية.