بقلم : علا السنجري
أغلب بيوتنا القديمة في القاهرة بنظام الإيجار القديم ، مقابل مادي قليل و متوارثة بين الأبناء بينما صاحب العقار يحصل على القليل كعائد ربح منه، فيما قيمته العقارية تساوي حاليا ملايين ، مدخل استغله المؤلف ليكون محور أحداث اجتماعية للطبقة المتوسطة ومناقشة قضايا متعددة من قلب مجتمعنا المصري وليست مستنسخة.
تدور الأحداث بعد قرار إزالة البيت الذي يسكن به رمزي مما يدفعه للعودة إلى عمارة قديمة يملكها، ولكن الشقق بها مسكونة ولا يوجد مكان فاضي يعيش به له سوى السطح مما يعرضه لنزلة برد شديدة جدا، وهو ما يجعل حسين جاره وصديقه يستقبله في شقته، خاصة بعد ما تشاجر مع ابنه طارق بسبب رفضه أن يخطب له (ريهام)، وكذلك رفضه أن يعيشوا معه بعد الزواج مما دفع طارق لترك المنزل لوالده ويصر حسين أن يقيم معه رمزي.
ريهام من ناحية أخرى تضغط على طارق بمطالب أهلها المادية العالية جدا بالنسبة لامكاناته والتي يراه والده غير معقولة، والدة ريهام هى المتحكمة والمصممة على الطلبات التي تراها أقل ما يمكن عمله، ووالدها لا يستطيع أن يعارضها.
نتعرف من خلال الأحداث على السكان، فهناك ليلى الطبيبة المطلقة ولديها ابن اسمه كريم، لديها مشاكل مع طليقها في المحاكم بسبب النفقة وعدم رؤيته لابنه، ومراعاة نفسيته.
حازم لديه مشاكل مع زوجته بعدما ترك الشغل وباع شقة الزوجية وعاد ليعيش مع والدته، تعاني زوجته من مشاكلهم المادية وعدم بحثه عن عمل مما يدفعها لطلب الطلاق خاصة وهناك زميل بالعمل يحاول التقرب منها، والدة حازم تتدخل لتصلح الحال بينهم، المحامي ربيع الذي يستغل شقة الزوجية ويستخدم إحدى الغرف مكتب محامي وزوجته الريفية التي تعتقد أن حب زوجها لها عن طريق معدته يحاول مساعدة رمزي بطرد (هشام) من الشقة لأنه الوحيد غير المتواجد والشقة مغلقة أغلب الوقت، الفنانة المعتزلة (سوسو وجدي) والتي تعيش وحيدة مع كلبها بعد أن انحسرت الأضواء عنها.
يحاول حسين الترفيه عن رمزي باصطحابه إلى النادي ليعرفه على أصحابه هناك، ومع الوقت يعجب لكاميليا .
يتورط طارق في إيجار شقة أعلى من راتبه، يأخذ متعلقاته وأثاث غرفته من عند والده مما يزيد حدة المشكلة مع والده.
يحاول رمزي مفاجأة حسين بعمل عيد ميلاد له بالاتفاق مع ليلى ويحضر طارق لمصالحته لكنه توفي أثناء نومه، وتبدأ المشاكل بين طارق ورمزي في النزاع على الشقة، ويسعى كل منهم في جعل الآخر يزهق ويترك الشقة لكن مرض رمزي يقرب بينهما.
بمتابعة الأحداث استطاع المؤلف عمرو الدالي رسم شخصيات متناسقة ومترابطة في السياق الدرامي دون مبالغة، اعتمد على البساطة وقدم نماذج واقعية بحوار لا يوجد به أي لفظ خارج يؤذي المشاهد، قدم بواب العمارة الذي يعيش في غرفة واحدة مع أسرته مع أنه يمتلك عمارة ببلده، الأهل الذين يختارون شريك حياة ابنتهم على أساس مادي بدلا من النظر لشخصه وأخلاقه، الزوج والزوجة ومشاكل ترك الشغل والالتزامات المادية، لكنه قدم نموذج أتمنى أن يكون موجودا بكثرة بين الحموات، (الحماة العاقلة اللي عارفة تستوعب ابنها وزوجته وتعطيهم نصايح حتى لا يتم الطلاق).
اسم العمل ليس فقط تعبير عن مشاكل الإيجار القديم، ربما المؤلف (عمرو الدالي) يقصد معنى عام وهو الرجوع لعاداتنا وتقاليدنا خاصة في علاقات الجيران ببعضها، فهو لم يناقش مشكلة الإيجار القديم بشكل مباشر بقدر إظهار علاقات إنسانية بين الأصدقاء والجيران .
فكرة صاحب العمارة الذي لا يجد مكان يسكن فيه بها إلا السطوح واستضافة أحد الجيران وهو صديق له بها سخرية كبيرة يتم استغلالها بعد وفاة حسين في الصراع بين الابن طارق ورمزي صاحب العمارة.
مشهد وفاة حسين مؤثر جدا، يقول المؤلف انه أراد بهذا المشهد توثيق لحظة فقدانه لوالده فجاء المشهد معبرا جدا تأثر به المشاهدين خاصة بعد ارتباطهم بشخصية حسين، لكنه مدخل للصراع على الشقة.
جاءت الموسيقى التصويرية لمحمد أبو ذكري مناسبة، كذلك اختيار تتر مختلف في الحلقة (11) كتعبير عن الاحداث القادمة بعد وفاة حسين، أغنية التتر للملحن إيهاب عبد الواحد وكلماتها لمصطفى البرنس لتكمل المعنى لفكرة العمل وهي الصراع بين الأجيال، الحنين لكل ما هو قديم حيث تقول كلماتها :
سردين مملح وتتقولي سوشي لا مفهاموشي وأنا ايه جابرني عليه
لا حد جابرك ولا أخدت رأيك اتغدى تونة سبهولنا هنقوم بيه
حتى الفلافل بتقولوا برجر قال ايه واخضر ده زمانكوا أغبر ليه.
يقوم بالغناء كل من هشام عباس ومحمد الشرنوبي.
استطاع المخرج طارق رفعت توظيف فريق العمل كل منهم في مكانه، كذلك تصدير طاقة إيجابية في صورة جميلة بحيث استطاع أن يعيد جو (لمة العائلة) أمام مسلسل تليفزيوني (هو أمر كان يحدث قبل عصر الانترنت في زمن ماسبيرو عند الساعة الثامنة مساء على القناة الاولى).
الديكور يحمل الطابع الكلاسيكي لبيوتنا القديمة.
الفنان (شريف منير) أداء جيد ليثبت جدارته كبطل لعمل فني، قدم شخصية رجل على المعاش بلا مأوى رغم امتلاكه عمارة، لديه امكانيات مادية قليلة رغم أنه موهوب في الموسيقى لكنه اكتفى أن يكون مدرسا.
أما الفنان (صلاح عبدالله) القمر كما أطلق عليه لأنه يضيء العمل الفني ببهجة خفة دمه وتمكنه من أداء الشخصية مهما كانت صعبة جعل المشاهد يتعاطف مع شخصية حسين في مشاكله مع ابنه الوحيد، ورغم ذلك قادر على مراعاة ومساندة جيرانه وأصدقائه.
القديرة (ميمي جمال أبهرت) الجميع بجمالها وخفة ظل وتمكن رائع من الأداء لفنانة اعتزلتها الأضواء رغم قدرتها على التمثيل، تعيش وحيدة بذكريات أعمالها القديمة، كما أثبتت أن الإبداع لا حدود له.
(محمد الشرنوبي) لا جديد في أدائه، يحتاج للمزيد من النضج الفني،هناك مشهدين كان تمثيله صادقا لحد كبير كسب به تعاطف المشاهد، مشهد وداعه لوالده ومشهد حديثه مع رمزي في المستشفى و أدائه للأغاني جيد جدا.
الفنان (حازم سمير) قدم الدور بإجادة تامة لرجل في الأربعينات ترك العمل ويحاول الوفاء بالتزاماته المادية، نضج فني كبير يحسب له، وتقابله (رحمة حسن) في دور الزوجة التي تتحمل الكثير حتى لا تنهار الأسرة، إنما الطلة الرائعة فكانت من نصيب الفنانة (حنان سليمان) بطيبة ملامحها في دور الأم والحماة، لتقدم نموذج اتمنى أن يحتذي بها كثير من الحموات حتى تقل نسب الطلاق في ظل الظروف الاقتصادية.
(فيدرا) في دور مختلف عن أدوارها المعتادة، (أحمد أبو زيد) قام بدور الصديق المساند لصديقه في الشدة والفرح ليؤكد معاني الصداقة الحقيقية، (ماريا أسامة) في دور (إنجي) قدمت نموذج لبنات كتير في الجيل الحالي من الاندفاع والصراحة المباشرة دون مراعاة مشاعر الآخرين.
(إلهام وجدي) اجتمعت كل الآراء على أدائها الجيد للمرأة المطلقة والتي تجاهد في تربية ابنها رغم مشاكلها مع طليقها حول النفقة والرؤية.
الثنائي الرائع الذي كان ينتظر ظهورهم كل المشاهدين هما (هشام اسماعيل و رانيا عبد المنصف)، فقدم (هشام) دور المحامي بشكل كوميدي الذي يبحث دائما عن قضية يكسب منها لكنه طيب ،ليترك أثرا جيدا لدى المشاهدين، (رانيا) قدمت الزوجة الريفية التي ترى إسعاد زوجها عن طريق معدته، أجادت اللهجة الشرقية طيبة وبسيطة في ملابسها وتصرفاته، (محمد العمروسي) الزوج العصبي صاحب المزاج المتقلب نتيجة التربية، الفنان (علاء زينهم) خفة ظل في دور بواب العمارة، (محمد نشأت) في دور هشام أداء جيد للجار الذي يخاف على وضعه ويساعد طارق لمصلحته.
(بسمة داود) نجحت في أداء ممتاز إلى الحد الذي جعل الجمهور يكره شخصية (ريهام) ويحتفل على مواقع التواصل الاجتماعي بانتهاء علاقتها بطارق، وعائلتها (محمد غنيم و إيمان ناجي) في تجسيد الأسرة التي تغالي في متطلبات الزواج وأن يكون العريس جاهز بطريقتهم وليس إمكاناته وشخصه.
العمل اجتماعي كوميدي، تم معالجتها بدمج الواقعية مع الرومانسية، فليست كل علاقة مستأجر بمالك تنتهي هكذا بمنتهى الرومانسية، كما أنه ناقش مشكلة واقعية بشكل كوميدي دون التركيز عليها أو تقديم حلول، لكن المشاهد ارتبط بالعمل لنوعية العمل الخفيفة، شخصيات سوية دون بلطجة أو قتل غير مبرر أو خيانة، ففي عصر الدراما الذهبي لتراثنا هذه النماذج غير السوية يتم تقديمها بشكل ثانوي وليست أدوار رئيسية يتم دعمها من المحيطين بها وليس رفضها.
نحتاج إلى تشجيع أعمال اجتماعية تقدم محتوى غير هابط، تقدم محتوى أخلاقي ونماذج سوية يحتذى بها، مشاكل وحالات حقيقة من واقع حياتنا اليومية، حتى وإن تم معالجتها بشكل رومانسي حتى تعطي طاقة إيجابية وسط إحباطات الحياة، أن نعيد لمة الأسرة حول شاشة التليفزيون بعيدا عن الإنترنت، وأتمنى لمثل هذه الأعمال أن تقل المساحة الإعلانية لها لتحقق الهدف المطلوب منها.