بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح
أعجبت أيما إعجاب برد البرلمان المصري بصفعة مدوية أثلجت قلبي وكثيرين ممن يعرفون قدر مصر وتاريخها علي بيان البرلمان الأوروبي الذي أجده تجاوزاً لكل المواثيق والأعراف التي تحفظ للدول سيادتها ، و قد جاء الرد: (طالع مجلس النواب المصري القرار الصادر من البرلمان الأوروبي بتاريخ 24 نوفمبر 2022 بشأن حال حقوق الإنسان بمصر، والذي بني علي حزمة من المُغالطات والادعاءات الباطلة التي لا تمت للواقع بصلة، ولا يعكس سوى نظرة متحيزة غير موضوعية إزاء حقيقة الأوضاع في مصر، وأردف ما هذا الاستعلاء الوصائي تجاه مصر؟!، لقد نصبتم أنفسكم استناداً الي وقائع و أكاذيب حكماً وقيماً علي تطورات وأحداث في الدولة المصرية وهذا تدخل سافر في الشئون الداخلية لدولة ذات سيادة بالمخالفة لمواثيق الأمم المتحدة وهذا لا يمكن تجاوزه أو غض الطرف عنه ومرفوض جملة وتفصيلاً).
وهنا وقد ارتفع صوتي وأنا أقرأ: الله ما هذا ومن أنتم وكيف ؟!، ومن سمح لكم بهذا التعالي الوصائي المغلوط وما تلك الأكاذيب، وهل أذكركم بتاريخ مصر البرلماني العريق وأننا دولة عرفت النظم والحقوق والقوانين من آلاف السنين، وكذلك أفعالكم الاستعمارية الاستغلالية في أفريقيا وكثير من دول القارة، وهل لعدم الرد عليكم أن نشاهد كل تلك الادعاءات المغلوطة؟، لقد كتبت أكثر من مرة عن أي حقوق وأي إنسان تتحدثون، نعم أرى مشاهد تبث في الإعلام تظهر محاولات إنقاذ لبطة وصغارها فيقف الطريق وأحياناً تأتي المطافي لتنقذ قطة من على شجرة وكلب من الغرق، ولكن وعلي التوازي أشاهد الأطفال في فلسطين تقتل وبدم بارد وتهدم منازل أسرهم وكأنكم لا تبصرون، ثم أين أنتم والحقوقيون مما يحدث للأطفال السوريين في المخيمات؟، وأين أنتم من آلاف اللاجئين علي حدودكم يفترشون الأرض وعلي الثلوج يعانون؟، ثم أين أنتم من قتل الصحافيين وهم يمارسون أعمالهم ويرتدون ملابس كتب عليها وبلغتكم (إعلام) ، وأين انتم من مقتل الإعلامية (شيرين أبو عاقلة) وبدم بارد وهى مرتديه لكل ما يؤكد هويتها الإعلامية ! ومن قبلها الطفل (محمد الدرة) يقتل في حضن والده وهو يصرخ أمام العالم أعزل، ثم تتجاهلون ما حدث في (سجن أبو غريب) في العراق من امتهان لكل قيم الإنسانية والتزمتم الصمت والتجاهل، وأضيف ماذا فعلت الشرطة الفرنسية مع ذوي السترات الصفراء؟، وماذا فعلت تركيا مع المعترضين والمتمردين، وأذكركم بما قاله رئيس وزراء بريطانيا السابق (ديفيد كاميرون) حين قام البعض بالتظاهر وعم الشغب بعض المدن فأعلن وبكل وضوح وأمام معظم وسائل الإعلام (عندما يتعلق الامر بالامن القومي لبريطانيا فلا تحدثني عن حقوق الانسان).
ما هذا الانفصام يا سادة وما هذا التعالي واللامنطق والعجرفة التي أصبحت واضحة وضوح الشمس ليس للدول والحكومات بل للمواطن وأنا منهم؟، بأي منطق تتحدث عن ما يفيدك ويبقي على مصالحك فقط وتزيد من تجارة الأسلحة التي تتفننون في إنتاجها وتطالبون ببقاء الأسلحة النوويه لكم ومعكم فقط؟، وبكل عنترية وفقط لما يناسب أطماعكم تطلق شعارات شرق أوسط جديد وحداثة وعولمة وصفقة القرن، وأخيراً حقوق الإنسان.. أي حقوق وأي إنسان.. هل لكم أن تتمتعون بحقوقكم في المثلية؟!، فلكم كامل الحق فيما لديكم لكن لا تطالبوننا بتفعيل ما يناسب أغراضكم وتصالحاتكم إن كانت لا تناسب شعوبنا فلكم على أرضكم ما يناسبكم ولكنه قد لا يناسبنا.. إن الحياة الكريمة والأمان وحرية العقيدة من أهم ركائز حقوق الشعوب والإنسان وحبذا إن كان موضوعياً ويعرف قيم إعمال العقل والمنطق وعدم التعالي الفاجر.
العالم أصبح على الهواء فنحن نشاهد الآن يوماً بيوم ما يحدث في أوكرانيا وندرك كم اللا إنسانية، فالأطفال تقتل والنساء تبكي والمنازل تهدم ولا نسمع صوتاً للحقوقيين فقط نستمع لطلقات القنابل وأنين الأمهات ودوي الطائرات، وما زال البعض يتاجر بكلمات فُرغت من كل معانيها.. كفانا استعلاء ووصاية فقد اكتشفت الشعوب وكل من يمتلك بصر وبصيرة حالة التشدق بكيانات أصبحت هياكل خرسانية صماء ولا تعبر عن أي تماس بأسمائها وأغراضها، ولنا في الأمم المتحده ومجلس الأمن التابع لها مثال فهما الكيانان الأكبر وقد يكونا الأعلى كبناية في نيويورك، ولكن وبنظرة موضوعية: هل شاهدنا لهما آثراًعلي الواقع.. فقط أرقاماً على ورق وقرارت كم قرار لصالح دولة فلسطين وحق الشعب الفلسطيني، ولكنها قرارات تحمل أرقاماً وتحفظ في الأرشيف يتذكرها القادة حين تكون لديهم فرصة لمحاولة تذكير العالم بما حدث ويحدث ولكن عبثاً.
ماذا يحدث في اليمن أيها المتحذلقون أمام الإعلام، وماذا يحدث في ليبيا التي انقسمت، وماذا يحدث في سوريا التي يقف كثيرون من شعبها نساءً وأطفالاً علي حدود دول أخري ولا يعرفون أي مصير ينتظرهم؟!، فقط اللا منطق هو المسيطر ولكنها قوانين السياسة التي اقتربت لقانون الغاب فالبقاء للقوي ومن يمتلك المال والسلاح، وهنا يستطيع أن يقول ويتحدث ويتحول إلى المطالب بحقوق الإنسان وما علينا إلا أن نندهش فالعالم أمامنا على الشاشات نتابعه وفقط تزداد دهشتنا.
أسعدني رد مجلس النواب فهو المنوط بالتعبير عن المواطن المستاء من التعالي والنصائح لدولة مصر العريقة التي قدمت للإنسانية أقدم النظم التشريعية والإدارية وعلى مدي التاريخ فقد تعاقبت الحضارات المصرية الشامخة و استطاع الملك مينا قبل 5200 عاما من وضع أقدم النظم التشريعية في التاريخ الإنساني في دولة مركزية موحدة تمتلك جهازاً منظماً في الحكم والإدارة والقضاء.
حين تتعالى مصر عن الرد علي بعض أكشاك مرتزقة ما يسمي بحقوق الإنسان إنما هو ترفع عن مهاترات نعرف داعميها، ولكن أن تأتي الاتهامات من البرلمان الأوروبي فقد كان من الضروري والواجب أن يرد البرلمان المصري العريق بما يرضي الشعب ويرضيني فقد تجاهلوا كل ما يحدث في مصر من تجليات في كل مناحي الحياة ومنها حقوق الإنسان وآخرها الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي، ولكنها المصالح حين تلتقي فيتسلل اللامنطق والتعالي والادعاء، ولم يبق لدى إلا كلمة: ألا تستحون؟!.. مصر تنطلق بمحبيها وتستحق.