بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
كتبت أقلام كثيرة عن إعادة تقديم مسرحية ( سيدتى الجميلة ) هذا الشهر في موسم الرياض ، من بطولة النجم (أحمد السقا) و مجموعة ضخمة من النجوم ، و كانت معظم الكتابات رافضة لتلك الإعادة ، و نال القسط الأكبر من الهجوم بطليها (السقا و ريم مصطفى) بسبب المقارنة بينهما و بين نجمى العرض الأصلى أيقونتى الكوميديا (فؤاد المهندس و شويكار) ، و اشتدت تلك الأقلام في الهجوم حتى وصفت العرض الجديد بالسبوبة و أنه تشويه لتراثنا المسرحى ، و لم تجد تلك الأقلام مانعا من إضافة قائمة اتهامات طويلة للقائمين على العمل ، في حين لم يلتفت أحد إلى مدى الأمانة الفائقة و الشجاعة النادرة في إعادة تقديم العرض باسمه الحقيقى ، فلم تلجأ الشركة المنتجة الى الحيل المعروفة كتغيير اسم النص أو المخرج أو إعادة كتابة نفس الأحداث مع تغيير أسماء الشخصيات لتدعى أنه نص جديد أو معالجة جديدة ، و إنما أعلنت بكل صراحة أنها ( سيدتى الجميلة ) التي نعرفها – بل و نحفظها – و التي أبدع في إخراجها أستاذنا (حسن عبد السلام) عن اقتباس لنص الكاتب الإنجليزى الشهير (جورج برنارد شو) قام به الثنائى (سمير خفاجى و بهجت قمر)، فقدم لنا الثلاثة نسخة مصرية فائقة الجمال ، برغم ابتعادها قليلا عن هدف المؤلف.
فمن المعروف أن برنارد شو كان ساخطا على الفقر ، و يعتبره مصدرا لكل الشرور كالسرقة و الإدمان و الانحراف ، و أن الفقر يجلب الضعف و الجهل و المرض ، وفي الأوساط الفقيرة يسهل القمع و ينتشر النفاق ، و لذا جعل من محاربة الفقر هدفا أساسيا لكل ما يكتب ، و شارك في العمل السياسى من خلال حزب يسعى لتطبيق الاشتراكية بالوسائل السلمية ، و كتب ( شو ) هذا النص للسخرية من الطبقة العليا الإنجليزية ( الأرستقراطية ) و اعتبر أنها لا تملك أسبابا للتفوق على باقى الطبقات ، فهو لا يعترف بالحسب أو النسب او الدماء الزرقاء ، بل كل مايميز هذه الطبقة – كما أوضح في النص – مجرد مجموعة من الشكليات في السلوك من السهل على أقل الناس ثقافة أن يتعلمها ، و هكذا تعلمتها بائعة الورد عند شو – و النشالة في النسخة المصرية – لتصبح تلك الآتية من قاع المجتمع زهرة المجتمع الراقى التي يسعى الجميع للتعرف عليها و مصادقتها بل و تقليدها.
و خلال حياة برنارد شو الطويلة ( 1856 / 1950 ) كتب ما يقرب من 50 مسرحية ( هذا عدا الروايات و الكتب ) فاز عنها بجائزة نوبل في الأدب عام 1925 التي رفضها متعللا بأنها جاءت بعد أن لم يصبح في حاجة إليها !! ، لكن ظلت هذه المسرحية هى درة التاج في أعماله حتى أن الفيلم الغنائى المأخوذ عنها و الذى تم تقديمه عام 1964 من بطولة ( أودرى هيبورن و ركس هاريسون ) فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم في نفس العام ، و يعتبره النقاد ضمن أفضل 100 فيلم سينما في العالم.
و من الطبيعى أن يصبح هذا النص هو حلم كثيرين – و كثيرات – في الوسط المسرحى المصرى ، فلقد كان سببا في نجاح و نجومية كل من شارك فيه و كان نقلة هامة في حياتهم ، حتى ( فرقة الفنانين المتحدين ) التي كانت تتعثر ماديا استقرت بعد هذا العرض ، و يبدو أن ذلك التعثر كان من حسن حظ الفنان الكبير ( عبد الله فرغلى ) الذى قام بدور ( جعيدى ) بدلا من الفنان الكبير ( صلاح منصور ) الذى ترك البروفات بسبب المشاكل المالية ، أما أستاذى حسن عبد السلام الذى كان يخرج في نفس الوقت عرضا آخر لفرقة الثلاثى هو ( طبيخ الملايكة ) – و كلاهما علامة من علامات المسرح الموسيقى – فقد ظل اسمه مرتبطا بسيدتى الجميلة برغم أنه أخرج عشرات الأعمال الناجحة و الشهيرة .
و الحقيقة أنه هناك محاولات متعددة تمت من قبل لإعادة تقديم العرض ، و لكن الجميع خشى من نجاح العرض الأول ، لذا لجأوا الى تقديمه من خلال تناول جديد و منها فرقة الفنانين المتحدين ، حيث قدمت نفس الفكرة تحت اسم ( كعب عالى ) التي قامت ببطولتها ( الفنانة الكبيرة يسرا مع النجم حسين فهمى ) ، ومن إخراج المخرج الكبير شريف عرفة ، و لم تصادف تلك التجربة نفس الهجوم و أيضا لم يصبها نفس النجاح . و لكن لم يفكر أحد في إعادة العرض الأصلى برغم أن تلك مسألة معروفة في الفن المسرحى و تسمى الريبورتوار ( و تعنى كمصطلح إعادة تقديم العروض )، بل هناك مسارح تخصصت في إعادة أعمال كبار المخرجين ، ففي روسيا هناك مسرح يعيد تقديم أعمال ( مايرهولد ) كما أخرجها ، و في ألمانيا مسرح ( برلينر انسامبل ) الذى يعيد تقديم أعمال ( بريخت ) ، و في معظم مسارح العالم يحتل إعادة تقديم العروض نسبة من برنامجها السنوي ، سواء كانت تلك الإعادة بوجهة نظر جديدة أو بإخراج جديد أو إعادة تقديم نسخة قديمة بممثلين جدد.
و لكننا لا نتبع هذه الطريقة ، بل نصر و نصمم على تقديم إنتاج جديد لنفس النص ونهرب دائما من إعادة تقديم النسخ السابقة ، حتى المسرح القومى عندما أعاد تقديم بعض نصوص الستينات مثل ( السبنسة ) لسعد الدين وهبة قدمها بإخراج جديد ، وأيضا مسرحية (كوبرى الناموس) عندما أعادت سيدة المسرح العربى (سميحة أيوب) تقديمها – من إنتاجها – برغم أنها كانت بنفس مخرجها الاستاذ سعد أردش.
و هكذا نرى أنها ليست أعجوبة أن يعاد نفس العرض ، فلماذا الهجوم قبل أن نراه ؟
أعتقد أن الإجابة في أننا أصبحنا سلفيين حتى في المسرح ، أخذنا الحنين إلى الماضى الذى نعتقد أنه جميل في كل شيئ و أصبحنا ندافع عنه باستماته و نرفض المساس به، بل نعتبر أن أي اقتراب منه هو تشويه و تدمير . ألم يكن من الأفضل الانتظار إلى أن نرى العرض الجديد و نقارن بين الاثنين دون تحيز أو أحكام مسبقة ؟ ثم نسأل أنفسنا : هل قلد (السقا) المهندس أم اختط لنفسه طريقا آخر ؟.. هل إقتربت (ريم) من (صدفة بعضشى)، و هل أخذت عن
شويكار؟.. نعم أبدع الأستاذ (فؤاد المهندس) و تفوقت الفنانة الكبيرة (شويكار)، و لكن هذا لا يعطينا الحق في مصادرة مجهود الآخرين ، فمن المؤكد أنهم بذلوا أقصى ما في وسعهم ليظهروا في أفضل صورة.
أم أن المسألة كلها تكمن في أن العرض الأول مسجل و مازالت التليفزيونات العربية تذيعه ؟ أعتقد أن هذه إجابة أخرى عن أسباب الهجوم ، فمعظم مسرحيات (الريحانى) أعيد تقديمها بأبطال مختلفين منهم (فريد شوقى و عادل خيرى و فؤاد المهندس) و لم تقم نفس الضجة لأن أعمال (الريحانى) لم تسجل بالطبع ، و لكن هناك فيلم (سلامة في خير) أعاد فريد شوقى تقديمه باسم (صاحب الجلالة)، و نجح أيضا و عن نفس الفكرة قدم الزعيم عادل إمام مسرحيته ( الزعيم )، و هناك على الأقل فيلمان تم اقتباسهما عن نص (سيدتى الجميلة) ، فلماذا نتغاضى عن السينما التي تعيد تقديم الفيلم ربما مرات و مرات و نقف عند المسرح ؟
الغريب في الأمر أن التسجيل التليفزيونى لمسرحية (سيدتى الجميلة) تم بخدعة لولاها لما تم تسجيلها ، فلقد توجهت فرقة المتحدين الى الإسكندرية لتقديم العرض على مسرح سيد درويش لمدة قصيرة ، حتى أنها استعانت بديكورات مؤقته تشبه الديكور الأصلى الذى تركته بالقاهرة على أساس أنها ستعود مرة أخرى لتقديمه، و في الأسكندرية علم المنتج الكبير سمير خفاجى – بطريقة ما – أن الفنانة الكبيرة شويكار لن تواصل تقديم العرض عند العودة للقاهرة فقرر تصوير المسرحية في الأسكندرية، و بالفعل أحضر سيارة التصوير ، و عندما اعترضت شويكار قال خفاجى إنها مجرد بروفة للكاميرات و أن التصوير سيتم بالقاهرة فور العودة ، و تم تصوير المسرحية على أنها بروفة ، و عندما عادت الفرقة للقاهرة رفضت (شويكار) بالفعل الاستمرار و لكن خفاجى كان قد فاز بتسجيل أيقونة الكوميديا الموسيقية.