بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
ما يزال عبد الوارث عسر يتساءل كما نتساءل نحن ويقول: أنا كان عندي 23 سنة لماذا لا يعطيني المخرجون أدوار الشباب؟، فلما سألت قال لي أحدهم ماذا يفعل الممثل الشاب في المسرحية غير أنه يحب فتاة معينه ويتالم في حبها وهكذا بشكل نمطي وتقليدي ، لكننا نكلفك بأدوار مركبة ومعقدة فيها جميع المشاعر الإنسانية لكي تعبر عنها بمقدرتك التمثيلية إذن استمر فيها أحسن، وفعلا في ذلك الوقت كان الممثلون يجتهدون في تقديم أعمالهم بدون تعليم وبدون تدريب ولا دراسة في معهد ما، ولذلك ظلت أسماء هؤلاء الفطاحل حية وتتردد على السنة الجماهير.
فكيف جاءت لهم تلك المقدرة؟، جاءت لهم بالفطرة والموهبة الخلقية إلى جانب اهتمامهم بتنمية ثقافاتهم بالقراءة ومشاهدة المسرحيات وخصوصا المسرحيات المترجمة وقراءتها بتمعن، والتعرف على الناس وطبيعتهم وأحوالهم ومنهم الأجانب الذين يعيشون في مصر لكي نستطيع أن نمثل شخصياتهم التي جاءت في الروايات المترجم ، فهل يفعل الممثلون الآن نفس الشيء رغم وجود معهد التمثيل ويتخرج منه مئات الدارسين، ومن يلمع منهم وهم عدد كبير جدا لا يلمع ويعرف منهم إلا نسبة قليلة جدا على مدى الأعوام مثل (فريد شوقي وسناء جميل وسميحة أيوب وعبد الله غيث) وغيرهم من الأسماء القليلة التي نبغت بسبب موهبتها الفطرية لأن معهد الفنون المسرحية يقبل المتقدمين نظرا للمجموع الحاصل عليه الطالب في الثانوية العامة مثل الكليات الأخرى.
في ذلك الوقت كانت حركة الترجمة مزدهرة جدا فقرأت كثيرا من الكتب المترجمة وكانت أسعارها لاتزيد عن ثلاثة قروش أو خمسة قروش، وكنت ألاحظ أداء الممثلين على المسرح فأجد أن بعضهم يميل للخطابة وألاحظ مخارج الحروف لديهم وسلبياتها فوجدت كتبا عن فن التخاطب، وتعلمت منها كيفية النطق ونطق الحروف علي وجه الخصوص وعمل الحنجرة واللسان وكيفية التركيز على كلمة واحدة في كل جملة إذا كانت مهمة، وهكذا كونت رأيا وكتبت دراسة عن فن الإلقاء وقمت بتدريسه في معهد السينما عندما أنشيء ومعه لابد من دراسة علم النفس وعلم الاجتماع ويتمرن الطالب أيضا علي أداء الانفعالات المطلوبة ويدرس الروايات العالمية وايضا الروايات المصرية مثل رواية قنديل أم هاشم للأديب الكبير يحيى حقي التي حولناها الي رواية مسرحية وفيلم ونجحت نجاحا باهرا.
وقد طلبني الوزير بعد نجاح الرواية والسيناريو في مكتبه فوجدت هناك كل الممثلين والمخرج فسألت عن سبب الاجتماع لدي الوزير فقالوا للتكريم علي نجاح الرواية فسألتهم وأين المؤلف فهو أول من يستحق التكريم علي روايته، ووجهت السؤال إلى الوزير الذي قال لي لديك كل الحق وقام بتكريم المؤلف ايضا، وهناك رواية أخري أيضا تحولت إلى فيلم سينمائي وكتبت لها السيناريو وهى رواية الأديب أمين يوسف غراب واسمها (شباب امراة) التي أخرجها صلاح أبو سيف، وكان المنتج هو رمسيس نجيب الذي استدعاني بعد كتابة السيناريو وحضر معنا المخرجون محمد كريم وأحمد ضياء الدين وأحمد علام وحسين رياض، وقام المنتج بمناقشة أحداث الفيلم معهم ليأخذ رايهم ثم قرا عليهم السيناريو وكانت لهم ملحوظات معينة أخذنا بها في كتابة السيناريو وساعة التمثيل أيضا وهي مقنعة للجميع.
أما اختيار الممثلين فكان موفقا جدا تحية كاريوكا البطلة وكانت فى عز جمالها وشبابها مثلت الدور بكفاءة كبيرة جدا، دور أرملة صاحبة (مسرجة) ولها بيت بجانبها وجاء شاب ريفي يسكن عندها فأحبته وعشقته، وأنا عبد الوارث عسر قمت بدور حبيبها السابق الذي اشتغل عندها لكي يظل قريبا منها ويلاحظ كل ماتقوم به ويصد عنها، وكان الشاب الذي قام بدوره شكري سرحان طالبا في دار العلوم يقضي يومه في المذاكرة فقمت بتعليمه طريقة للمذاكرة وهى الطريقة القديمة التي كانت تلقن اللغة العربية والشعر في الكتاتيب فتعلمها شكري سرحان وأخذ يرددها في المذاكرة وكان لها وقع جميل عند المشاهد.
ولهذا فأنا أنصح الممثلين بالعمل على أنفسهم وتكوين شخصيتهم بالقراءة المستمرة ودراسة علم النفس وعلم الاجتماع وملاحظة تصرفات الناس ومعرفة الفلسفة، وماذا يقول الناس في الأحداث المختلفة مثل ماذا يقولون في المآتم وماذا يقول البائع وهو يبيع بضاعته في الشارع وينادي عليها، ثم يقف أمام الجمل التي يكتبها الكاتب وأين يضغط علي بعض الكلمات المهمة التي هي الهدف من الموقف الذي يمثله في حدث معين وطريقة النطق.
وهذا ما كنت أدعو إليه في مادة الإلقاء التي تخصصت فيها وقمت بتدريسها في المعهد العالي للسينما إلى جانب كتابة السيناريو والتمثيل ونجح فيها عدد كبير من ممثلي السينما الموهوبين والقادرين على التلوين والنطق الجيد و القيام بالانفعالات المطلوبة .