كتب : محمد حبوشة
سقطت آخر ورقة من أوراق الإنتاج المصري المحترم والجاد برحيل المنتج (وجيه الليثي) الشقيق الأصغر للمنتجين الثلاثة الكبار (جمال وإيهاب ممدوح الليثي) الذين عرفوا بمسيرة فنية كبيرة ومهمة في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في عصر الفتوة المصرية وأيام زمن الفن الجميل، وذلك عبر فترة تمتد لأكثر من 70 عاما، وتحديدا بدأت هذه الفترة ما بعد ثورة يوليو 1952، حيث أنتج لنا (جمال الليثي) مئات الأفلام المتنوعة مابين الرومانسي والكوميدي والاجتماعي والأكشن، ومن بعده جاء شقيقه (إيهاب الليثي) الذي استكمال مسيرة الإنتاج السينمائي، ليأتي (ممدوح الليثي) الذي برع هو الآخر في الإنتاج السينمائي، لكنه أصبح أهم منتج للدراما المصرية في عصرها الذهبي حين كان نائبا لرئيس إتحاد الإذاعة والتلفزيون، ورئيس قطاع الإنتاج ونقيب السينمائيين.
ويعد الراحل الكبير (وجيه الليثي) الذي رحل بالأمس بعد صراعه مع المرض، هو رابع ضلع من أضلاع عائلة الليثي الشهيرة، وقد أمضى الراحل مسيرة من العطاء النبيل، وحافظ على العلاقات الإنسانية الصادقة، وساهم في إنجاز العديد من الأعمال الفنية الكلاسيكية التي سطرت في تاريخ صناعة السينما في مصر والعالم العربي، حيث قدم أكثر من 60 عملا ما بين السينما والتلفزيون وأبرزها (عفريت مراتي، شلة المراهقين، البحث عن فضيحة، البحث عن المتاعب، سفاح النساء، أنت اللي قتلت بابايا، أنا وزوجتي والسكرتيره، ثرثرة فوق النيل، ميرامار، الأبطال، الهارب، المزيكا في خطر، إلى المأذون يا حبيبي، 30 يوم في السجن، الشياطين إلى الأبد والعتبة جزاز)، وكانت آخر أعماله إنتاج مشترك مع شركة صوت القاهرة خلال مسلسل (سلالة عابد المنشاوي) عام 2005.
ووجيه الليثي من مواليد عام 1944، وتخرج من كلية التجارة عام 1967، وبدأ مسيرته في عالم الفن من خلال شركة إنتاج أفلام جمال الليثي، وعمل في البداية منتجا منفذا لعدد كبير من الأفلام منها (البحث عن فضيحة، والبحث عن المتاعب، وإنت اللي قتلت بابايا، والأبطال، وسفاح النساء، وعفريت مراتي، وثرثرة فوق النيل)، وكرمه مهرجان الإسكندرية في دورته الـ 38 الأخيرة في أكتوبر الماضي.
جدير بالذكر أن الإعلامي الكبير (عمرو الليثي) ابن شقيق الراحل (وجيه الليثي)، قد أصدر كتابا العام الماضي بعنوان (حكايات الليثي) وثق فيه لمسيرة هذه العائلة، ويعتبر هذا كتاب عن قوة مصر الناعمة، بقعة الضوء الباهر الذي خطف أنظار العالم العربي واحتضن كل الكواكب الصغيرة التي جاءت لتلمع وتكبر وتصبح نجومًا ساطعة في سماء الفن والثقافة العربية.
يقول عمرو الليثي في هذا الكتاب: إن تاريخ عائلة الليثي، من جمال إلى ممدوح، إلى صاحب هذا الكتاب، هو جزء أصيل من تاريخ الفن والإبداع والإعلام المصري، ويكفي أن تطالع أسماء أبطال وبطلات الليثي، وأن تدخل مع عمرو الليثي عالمهم وكواليسهم التي كان شاهد عيان عليها أو استمع بنفسه إلى حكايات الأب المنتج والسيناريست الكبير ممدوح الليثي، والعم السينمائي والمنتج الفذ جمال الليثي، من عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ويوسف بك وهبي ومحمد فوزي ومحمود مرسي وإحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم ويوسف شاهين إلى الفاتنة سيدة الشاشة العربية وليلى مراد وشادية ومديحة يسري وسعاد حسني وهند رستم ونادية لطفي ونيللي وشيريهان، وفؤاد المهندس ومحمود المليجي وفريد شوقي ونور الشريف ومحمود ياسين ومحمود عبد العزيز وأحمد زكي وعمار الشريعي.. إلى آخر الكوكبة الرائعة التي أسست وأقامت صروح الفن المصري من السينما إلى الدراما التلفزيونية في عصرها الذهبي.
وفي هذا الكتاب حكى المنتج جمال الليثى لعمرو عن أفلام زمن الفن الجميل، عن إنشاء الشركة العربية للسينما، وكان أول إنتاج لشركة جمال الليثى فيلم (إسماعيل ياسين بوليس حربى)، وعرض فى السينما عام 1958، كما روى (جمال) أيضا حكايات عن عدد من الفنانين، منهم (سعاد حسنى ونادية لطفى وهند رستم)، وكواليس أفلام منها (للرجال فقط، وإشاعة حب)، كما أشار إلى كواليس اختياره رئيسا لشركة القاهرة للسينما، كما حكى شيخ المنتجين عن أحلامه التى كان أحدها إنتاج فيلم عن حرب أكتوبر 1973، فقال: (فكر الأستاذ جمال الليثى أن إنتاج فيلم عن الحصار يمكن أن يكون ختاما رائعا لحياته السينمائية الحافلة واتجه إلى القوات المسلحة وبحث تفاصيل تقديم الفيلم، وتفقد مع المنتج العالمى ديفيد سايد مواقع للتصوير، ونجح فى الحصول على موافقة صوفيا لورين، وآل باتشينو للمشاركة فى بطولة الفيلم، كما اقترح دورا على الممثل العالمى أنتونى كوين واتصل به بالفعل تليفونيا ووافق على تمثيل الدور، وتناقلت الوكالات العالمية أخبار الفيلم، وبدأ شريكه فى الإنتاج ديفيد سايد يسافر إلى أوروبا للتسويق للفيلم ثم بيروت وكان هذا آخر عهده به.. لم يعد)، وتوقف الفيلم إلا أنه أحيانا يخرج أوراقه من درجه ويسرح بخواطره فى حلمه الذى لم يتحقق.
عن ممدوح الليثى، حكى (عمرو) قصته عن قطاع الإنتاج الذى أنشأه والده، والذى أشار فى حكاياته إلى أنه كان يراعى كل الأذواق لجميع الفئات والأعمار، فقدم المسلسل الدينى كـ (عمر بن عبد العزيز)، والوطنى (رأفت الهجان)، وعن الحارة المصرية فى (ليالى الحلمية)، والعلاقات العائلية الأسرية فى (نصف ربيع الآخر)، وفوازير نيللى وشريهان، فقدم قطاع الإنتاج توليفة تضم كل الأنماط بين اجتماعى ودينى ووطنى.
وحكى (عمرو) عن والده الذى كان يصحبه معه إلى (مقهى ريش) خلال لقائه مع نجيب محفوظ، والذى قام ممدوح الليثى بكتابة السيناريو والحوار لـ (7) أفلام مأخوذة عن روايات (محفوظ)، هى (ميرامار، ثرثرة فوق النيل، السكرية، أميرة حبى أنا، الكرنك، المذنبون، الحب تحت المطر)، كما أنتج له عشرات الأفلام، وأفرد (عمرو) فى حكاياته فصلا كاملا عن صديق عمره – والده ممدوح الليثى – والذى أشار إلى أن رحلته مع أبيه لم تكن شكلا تقليديا عن علاقة الأب بابنه، بل كانت مزيجا مختلطا تجمع فى طياته كل أشكال العلاقات الإنسانية، فقال عنه: (كان يبدو أمام الناس قويا وصلبا، وفى الواقع كان قلبه قلب طفل صغير، متسامحا إلى أكثر درجات التسامح، رأيت بعينى كيف يصفح عمن ظلمه.. كان نموذجا فريدا تعلمت منه الكثير وما زلت أتعلم وأنا أعيش مع ذكرياته).
وفي النهاية نقول: رحم الله مربع آل الليثي في الإنتاج السينمائي والدراما التلفزيونية (جمال، إيهاب، ممدوح، وجيه) الذين تركوا لنا تراثا رائعا في فن السينما والتلفزيون سيظل نورا ساطعا تهتدي به الأجيال اللاحقة والقادمة من فرط إبداعه وصدقه وفاعليتها في الحياة الفنية المصرية.