بقلم : محمد شمروخ
(ليه كده يا منة؟!).. هذا ما خاطبت به نفسي، فلم أستطع أن أبتسم تلك الابتسامة الباردة الدالة على ترقب مثل هذا النبأ عن أى من نجوم أو نجمات الشاشة، ولم أمكن نفسي من تحسس أى أثر لسريان دبيب غير مبرر مع الشماتة الطفولية، وذلك إثر مطالعتى لخبر القبض على الفنانة (منة شلبى) متلبسة بحيازة (الماريجوانا) في مطار القاهرة!.
حقيقة لم يصبنى النبأ بالصدمة لعلمي بانتشار المخدرات في الوسط الفنى حتى تبدو كعرف سائد أو قاعدة عريضة ذات استثناءات نادرة، لكن ما أصابنى هو الحزن الشديد على فنانة مثل (منة شلبي) تلك التى أثبتت تلك الواقعة أنها لم تستطع مقاومة إغراء حماقة الاندفاع لولوج طريق المخدرات.
كما أن تلك الحماقة هى نفسها التى دفعتها للاستسهال في حمل كمية من (الماريجوانا) لتأتى بها من نيويورك إلى القاهرة وكأنها تصعد بها في أسانسير بعمارة سكنية، فلعلها ظنت أن كون (الماريجوانا) معلبة ومدون على علبتها جهة الصنع بلغة أجنبية، يمكن أن يمر في غفلة من سلطات المطار!
ولعلها اعتقدت أن مكانتها وشهرتها يمكن أن تيسر لها المرور بهذه العلب المعبأة بالماريجوانا بدون حساب أو عقاب وأنه سيتم التغاضي عنها!
ولعلها لا تعرف – وإن كنت أستبعد ذلك – أن (الماريجوانا) من القنبيات المنتمية إلى عائلة (القنب الهندى) المحظور حيازتها وتعاطيها وتتصدر الجدول الأول للمخدرات في مصر، فالماريجوانا – لمن لا يعرف – هى النسخة الأمريكية من البانجو المصري بأنواعه المعهودة، والذي هو عبارة عن أوراق وبذور شجيرة القنب التى يصنع منها الحشيش باستخراجه كناتج مستخلص منها بعد المرور بعدة خطوات معملية بدائية وطبقا لإجراءات تصنيع بسيطة للغاية!
لكن في النهاية من المؤكد أن (منة) تعرف أنها تحمل مادة مخدرة وأنها بتعاطيها وحرصها عليها قد وضعت نفسها في دائرة المدمنين على تعاطى المخدرات!
وإن كنت لا أخفى حقيقة وواقع أن تعاطى القنبيات يقف دون تعاطى بقية المخدرات التخليقية والكيميائية الأخرى والتى تدخل صاحبها في دوامة إدمان حقيقي يندر البراء منه.
فمن الممكن أن تقلع منة عن تعاطى الماريجوانا – لو ثبت عليها تعاطيها – مستقبلا، فقط لو أرادت، وربما لا يحتاج ذلك دخولها مصحة، لكن مع ذلك، فليس هذا هو الذي أحزننى في الحقيقة.
فسبب حزنى أن (منة) كنجمة سينما ودراما قد حققت مكانة كبيرة ومميزة كممثلة ذات قدرات عالية متعددة، فأفضل ما في (منة) أنها قد أفلتت كممثلة، من الاستسلام لدور الفتاة الشقية أو التافهة أو المستهترة أو المرحة، تلك التى كاد المنتجون والمخرجون أن يحصروها فيها كعادة السينما المصرية في تعليب الفنانين في علب جاهزة.
إن سر إعجابي بمنة شلبي، أنها تحدت نفسها واستخرجت من مكنوناتها التمثيلية قدرات حولتها إلى فنانة ناضجة سلكت بها طريقا صاعدا للنجومية، وحققت فيه نجاحا ملحوظا حتى صارت من نجمات الصف الأول بتلك الأدوار التى أدتها تلفزيونيا وسينمائيا، حيث ظهرت فيها كممثلة استحقت لدى شخصيا بأن توصف بأنها – لو أتيحت لها الفرصة – ستبدو ذات قدرات تسلك بها إلى العالمية بدون تردد!
لكن المهم أن الفنانة (منة شلبي) كانت لديها إرادة قوية انتزعتها من أن تحصر نفسها في أدوار سطحية بلا جدوى إو إغراء انتهى أثره حاليا.
وما أظن إلا أن ذكاءها الشخصي هو الذي ارتفع بها عن مصير كان يمكن أن يجعلها تنزوى في مجاهل النسيان بعد أن يملها المشاهد إذا ما كررت ما كان يمكن أن يتقرر لها.
حقا لا أعرف منة شلبي شخصيا ولا التقيت بها وجها لوجه من قبل، لكن ما أعلمه عنها – من خلال أصدقاء مشتركين – أنها ذات إرادة وعناد يسهل استنتاجهما من حدة نظراتها ونبرات صوتها لاسيما في بداياتها.
كما سبق أن تجاوزت محنا كثيرة صادفتها في طريق حياتها كان من الممكن أن تصيبها بالانهيار، لكنها كانت تخرج من كل محنة أقوى مما قبلها.
حقا ستتجاوز (منة) تلك المحنة كما تجاوزت ما قبلها، ولابد أن نذكر أن هناك نجمات وممثلات سبق ضبطهن في قضايا مشابهة، بل وقضايا أسوأ تصنيفا من المخدرات، وخرجن بعدها لينطلقن إلى الأعلى بسرعات صاروخية، لكنى مع هذا كنت أتمنى أن يخلو سجل حياة (منة شلبى) من أى سابقة جنائية ولو كان مجرد تعاطى مادة مخدرة يتفاخر بتعاطيها أبناء وبنات الفئات الفارهة من المجتمع.
هذه الفئات التى تنتمى لها منة الآن، تلقى نفسها في تيار اللامبالاة والاستهتار والترف البغيض بممارسة الولوج في أزمات نفسية واجتماعية تبدو من فرط حرصهم عليها كالمصطنعة تأكيدا لحياة البطر وترسيخا لشراهة الاستهلاك، بتبديد الأموال الطائلة فيما لا طائل وراءه غير الإصرار على السفه المتعمد وإثبات أنهم أكثر تفاهة مما هم عليه، لا سيما بإدمان وتعاطى المخدرات!.
كان من الممكن أن تدمن منة (الماريجوانا) أو أى نوع آخر من المخدرات وتستمر في مشوار نجوميتها بدون أن تقدم على هذه الحماقة بتحدى كل الإجراءات الأمنية والدخول عبر المطار بكمية من المخدرات، لاسيما وأنها يمكن تكييفها تحت بند جلب وتهريب المخدرات، وكلنا يعرف ما يمكن أن تصل إليه عقوبة الجلب والتهريب!
لكن ظنى – في حالة ثبوت إدانتها – أن الأمر سينتهى بتهمة حيازة وإدخال مخدرات بقصد التعاطى، فالكمية التى تم ضبطها لا تشير إلى قصدية جلب المخدرات أو الاتجار بها ومع ذلك فالأثر النفسي والأخلاقى لا يقل فداحة.
فما الذي دعا (منة) لفعل هذا؟!.. لا سيما وأن السوق المصرية يمكن أن توفر لها ما تريد من مخدرات وهى تعلم ذلك وسهولة الحصول والتوصيل متاحة!
لكن (منة) التى التى أفلتت من حصارها في دور الفتاة المستهترة، لم تقدر على مقاومة لعب هذا الدور في الواقع فأوقعت نفسها في هذه الورطة، بل حتى لو ثبتت براءتها فما حدث يؤكد أنها لم تدرك مقدار مكانتها كنجمة كبيرة حاليا ومستقبلا وأن لديها من القدرات ما يجعلها تتجدد وتستمر.
ترى.. ماذا ستبرر لنفسها ولجمهورها؟!.. إن كانت حقا تضع في الاعتبار احتراما لنفسها أو لجمهورها؟!
ألا تعرف (منة) زملاء وزميلات لها أكثر إدمانا للمخدرات، لكن حرصهم على صورة النجم أمام جمهوره جعلتهم يحرصون كل الحرص على ألا يسقطوا، لكنها لم تتعلم منهم ولا تعلمت من تجارب غيرها أن تتفادى مثل هذا السقوط.
ربما لم يكن سبب حزنى أن (منة) سقطت، فما أكثر الساقطين والساقطات في كل طريق، لكن حزنى من أنها كان يمكن أن تتفادى السقوط ولكنها لم تفعل فاستحقت أن تعانى آلام هذه التجربة المريرة وتتسبب في حزن جمهورها بسب أنها فشلت في الواقع فيما نجحت فيه في الاستوديو!
ورجائى أن تعود (منة) لرشدها قبل أن تعود للجمهور، فاحترام الذات قيمة كبرى أكبر من شهوة تعاطى المخدرات، فهذا الاحترام يتضاعف أثره عند الجمهور الذي لم يزل ينظر بإكبار إلى نجوم ونجمات راحلين وباقين، حافظوا على نظافة سجلات حياتهم فلم يطرقوا أبواب النيابة والمحاكم.
والأمر ليس قضايا ومحاكم وإدانة وبراءة فقط، فلن تعدم (منة) في قضيتها حضور المحامى الشاطر ولا التفاف الأصدقاء حولها ليقفوا معها في محنتها، فقد يصدر حكم البراءة أو قد يكون الحكم مخففا في حال الإدانة، لكن في النهاية حدث ما لم أتمناه لواحدة من الممثلات اللاتى يمكن أن يكون لهن أدوار بارزة في مسيرة السينما والدراما، والمصيبة الحقيقية أنه كان بيدها ألا يكون هذا الذي كان.. وهذا هو المحزن حقا!