بقلم : محمد شمروخ
مهما بلغ من التكثيف الإعلامى على مهرجان القاهرة السينمائي، فلن يخفى الحقيقة المريرة وهى أن صناعة السيينما قد أصيبت بالبوار وأنها في طريقها إلى الزوال وقد ينتصف القرن الواحد والعشرين الميلادى وتكون السينما بشكلها التقليدي قد اتخذت مكانها في الذكريات المتحفية!
– هل يمكن يا أعزائي أن تصل السينما حقيقة لهذا المصير؟!
– ألم تسبقها الصحافة إليها، وإن وجدت السينما من يقاوم هبوطها بينما وجدت الصحافة من يسارع بها إلى الزوال؟!
لكن الحقيقة ستظل ماثلة وهى أن صناعة السينما مهددة بالانقراض مهما بلغ دعمها، فتكاليف الصناعة ستزيد كثيرا على الإيرادات، فالإنفاق على عمليات بناء وتجهيز الأستديوهات وأجور النجوم والفنيين والعاملين ودور العرض بالإضافة إلى ماكينات ومستلزمات الصناعة نفسها وانتهاء بدور العرض، سيجعل من استمرار السينما عملا مستحيلا، خصوصا مع ضعف الإيرادات.
هذا إذا لم تجد السينما وسيلة ترويج غير دور العرض كما حدث في بعض المنصات الإلكترونية، لذلك لابد من أن مقرات السينما ستصبح أثرا بعد عين إذا سوف تصبح تذاكر السينما بأسعار خيالية ستعجز قطاعات كبير من الجماهير.
وهذه معضلة كبرى، إذ كيف ستضحى الدولة بمقرات السينما التاريخية التى ارتبطت بتاريخ الفن والثقافة فيها.
هذه الأفكار وردت على ذهنى وأن أتابع ما حدث لمقر (سينما ريفولى) منذ سنوات طويلة وحتى الآن، مرورا بالحريق الذي وقع فيها قبل أربع سنوات.
فبالتوازى مع افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي فقد بريقه وزخمه الجماهيرى وبقى فقط كمظهر بروتوكولى لا يليق إلغاؤه، أثيرت مرة أخرى مأساة ريفولى!
ودعك الآن من حديث المهرجان واترك كل ما سبق وركز معى في أزمة دور العرض وفي القلب منها مأساة مقر (سينما ريفولى)، فلست هنا بصدد تقديم دراسة عن واقع ومستقبل السينما وإنما ما استفزنى للكتابة عنها هو إثارة قضيتها في أيام مهرجان القاهرة السنمائي والذي لم يكد يشعر به أحد إلا قليلا في حفل الافتتاح أو في أحاديث وثرثرة مملة ومكررة عن إطلالات الفنانات في الفساتين على السجادة الحمراء، أما الأفلام فلم يهتم بها أحد ولا حديث عنها إلا في دائرة ضيقة من النقاد والمتخصصين والمدعوين، أما الجمهور فلم يعد يهتم بالمهرجان ولا المهرجان اهتم بالجمهور وكل معلوماتى الشخصية عن المهرجان أن رئيسه هو الفنان حسين فهمى.
أما دور العرض السينمائي في وسط القاهرة فستلقى ما لقيته (ريفولى)، فقد باتت حزينة غريبة.
وقد كتب على القدر بشكل شبه يومى أن أمر على أطلالها في طريقى إلى (جريدة الأهرام) مخترقا شوارع وسط البلد، فأكاد أسمع بكاء الواجهات ولوحات الإعلانات فوق مبان كانت لياليها نور تسبح في ضيه بحور وصبحت فضا مهجور.
ومأساة ما حدث أن (سينما ريفولى) أشهر من نار على علم، فقد أكدت تلك المأساة حقيقة ضياع السينما في مصر وأنه قد انفرط عقد احترام حاضرها وتم هتك عرض ماضيها جهارا نهارا منذ يوم أن تم تأجير أجزاء من المبنى الفريد كمقلة ومحل عصير ومعرض لحلويات المولد بجانب أن جدرانها صارت متكآت لبضائع الباعة الجائلين!
ولم يتحرك من فنانى مصر ولا حتى واحد يحط في عينه حصوة ملح، وينبرى للدفاع عن تاريخ السينما ليتصدى لهذا الطمس العمدى لتاريخ الفن المصري المتمثل في الإهمال والاعتداء المتكرر على ريفولى وكل ريفولى، ذلك لأن المعتدين يمثلون واحد من أكابر الأثرياء العرب، ولذلك عندما تحدث الدولار كان على الجنيه أن يصمت!
فما حدث لريفولى هو بروفة واقعية لما سوف يحدث لمستقبل السينما التى ستواجه مصيرًا تراجيديًا إغريقيًا محتوم!
لكنه الواقع الأسيف، فها هو فنان كبير مثل (أحمد ماهر) يظهر في برنامج بث مباشر ويمتطى صهوة جواده ويشهر سيفه ويلوح به الهواء – كما كان يفعل كجنكيز خان في مسلسل الفرسان – ولكنه بدلا من أن يدافع عن انتمائه الذي عرفناه به كما توقعت، إذا به يحبطنى وهو يبرر ما حدث وهاتك يا تمجيد في الأمير ووكيل الأمير وفداه (ريفولى وميامى وكريم2).
لكن بصراحة كان ماهر متسقا مع نفسه ومع واقعه وواقع البلد وواقع الدنيا كلها!
فماذا يعنى مبنى من مئات المبانى يتحول إلى مقلة لب ومحل عصير ومعرض حلويات، أليس هذا مصدر رزق وأكل عيش؟!، لاسيما أن الموقع الفريد للمبنى (وهو في الأذين الأيمن لقلب القاهرة) يمكن استثمار كل مللي فيه!.
لكن أحمد ماهر كفنان ذكى أدرك جيدا أن السينما نفسها في طريقها للزوال، فما الحال في مبنى دار عرض؟!.
كما أنه لا جدوى في أن تتصدى الصحافة من خلال ما أثاره الكاتب الصحفي يحيى وجدى في (أخبار النجوم) حول (إهانة تاريخ الفن فيما حدث في سينما ريفولى).
فخلال حديث (ماهر) التليفونى مع الإعلامية (كريمة عوض) في قناة (القاهرة والناس)، كان صريحا للغاية عندما انتصر لمهنته الحالية كتاجر له وزنه في سوق التوفيقية، ولابد أن نغفر له أنه نسي مهنته التى عرفناه بها كواحد من نجوم الدراما المصرية، فالواقع الحاضر يؤكد أن التاجر لابد أن يكسب وإلا ما معنى التجارة؟!
وقد لمست المرارة في تعليق الأستاذة الكاتبة القديرة (عبلة الرويني) في البرنامج نفسه لاسيما أن مكالمتها جاءت عقب مكالمة الأستاذ ماهر!
(وكم ضحكت من نفسي عندما ظننت أن صدفة مشاهدتى للفنان أحمد ماهر في قلب سوق التوفيقية كانت بسبب أنه نزل بنفسه لشراء فرش مستورد أو طاسات استيراد لعربيته.. وأتاريه هو نفسه شريك لواحد من كبار تجار السوق!
بس والنعمة براوة عليه، لأنه فهم الفولة بدرى وفضك من قصة رسالة الفن وتلغرافاته.. أنت صح يا فنان!
كما أنه يجب تقرير حقيقة أن المكسب من خلال تأجير مدخل المبنى أكثر جدوى من أن يظل مهملا، خاصة أن أى من زملائه الفنانين لم يحرك ساكنا تجاه ما حدث لمبنى ريفولى وربما من بينهم أيضا شركاء في تجارة الفرش والطاسات!
فلابد أن نخرس ونلم لسانا عندما يتحدث رأس المال، فكل شيء يقع تحت سطوة المال، حتى السينما ذات نفسها ما هى إلا صناعة وتجارة تخضعان لما يفرضه السوق ولا تحدثنى عن رسالة فن ولا قيمة ولا تاريخ، يا عم تاريخ إيه.. هى رسالة الفن ولا التاريخ ولا الجغرافيا ممكن يفتحوا خمس أو ست بيوت على الأقل كما حدث من جراء تأجير مدخل المبنى؟!.. الناس مش لاقية تاكل يا ابن عمى، وإذا بالأستاذ (وجدى) يأتي ليحدثنا عن عراقة وتاريخ وتربية قومية وأم كلثوم وفايزة ونجاة وجمال عبد الناصر والسادات!
لو لابد من التاريخ والجغرافيا، فممكن نقلبها سنتر دروس خصوصية تاريخ على جغرافيا على فرنساوي وناكل الشهد ومنها كسبنا ومنها راضينا الأستاذ تاريخ!
ومضطر أمام سطوة رأس المال واحتياجى لجوز مساحات جديدة لسيارتى، أن أحييي واقعية الحاج أحمد ماهر وإخلاصه لشركائه في لقمة العيش.. ثم إن مسئوليته عن المبنى، لم تأت من تقدير قيمته كفنان له ثقله (الراجل مش بس بكلمته) بل جاءت من ثقل آخر لأنه – والحكاية لا هى عيب ولا حرام- أنه شريك لوكيل أحد الأمراء الذي يملك مبنى ريفولى.
– مالك مبنى ريفولى؟!
– نهار أسود من قرن الخروب.. هو مقر سينما ريفولى مش ملك وزارة الثقافة؟!
– يا عم صباح الفل، هى وزارة الثقافة عارفة تصرف على الموظفين بتوعها؟!
– إذا كان ممكن الوزارة نفسها تأجر مقر مكتبتها القريب من سينما ريفولى كمحل كشري أو مقلة لب على الأقل يسد مرتبات الموظفين في المكتبة بدال ما قاعدين ينشوا ليل نهار ويلبسوا الوش الخشب للمثقفين بتوع كتب مكتبة الأسرة!
قال يعنى لما الدنيا تزعبب وتمطر ممكن أمسح قزاز العربية بكتاب شخصية مصر، لا يا عم أحمد ماهر أبقى لى من (جمال حمدان)، خصوصا وأنا عايز أغير المساحات بعد ما سعر الجوز منها عدى الميتين جنيه، يمكن الباشا يخدمنى وأقدر أشتريهم بسعر الجملة!