افتتاح هادئ ووقور يعيد البريق لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي
كتب : محمد حبوشة
في حفل يتسم بالوقار والهدوء الذي يفوح بعطر السينما الجميلة، افتتح الفنان الكبير حسين فهمي، ليلة أمس الأحد 13 نوفمبر 2022 فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وسط أجواء مفرحة تتسم بالشياكة التي تليق بتاريخ السينما المصرية في عبورها نحو مستقبل واعد ومشرق يعكس جودة صناعة الفن السابع في مصر والمنطقة العربية، وهو ما بدا واضحا في شكل السجادة الحمراء هذه المرة حيث جاء مغايرا للدورات السابقة، فقد بدت غاية في الرقة والجمال، بعيدا عن صخب الفساتين وكرنفالات الألوان والعري المستفز، في التزام صارم لـ (الكود) الذي أعلنه رئيس المهرجان الذي أعاد للمهرجان رونقه القديم، وهو الذي كان قد قال قبل افتتاح الدورة 44 بأكثر من شهرين: إن (فكرة الدريس كود والالتزام باللبس في المهرجان مهم، وإحنا بنقول للناس نلبس لطيف، إحنا عاوزين نهتم بمضمون الأفلام وفكرة المهرجان)، وهو ما يعكس ذكاء قيادة هذه الدورة الفارقة في تاريخ المهرجان.
كانت كثرة اللقاءات مع النجوم هى العلامة الواضحة في الدورة 44 من عمر المهرجان، ولكنها للأسف لم تخدم المهرجان بالشكل المطلوب، خاصة أن المذيعين المكلفين بالتغطية ليسوا على مستوى الحدث السينمائي الأكبر في الشرق الأوسط، نعم لم يكونوا على دراية بفنون الحوار الجاد الذي يثري ولا يجنح نحو تفريعات تخاصم جوهر وحقيقة مهرجان يعبر عن القوى الناعمة المصرية في أوج تألقها، ففي الوقت الذي أعلن فيه الفنان الكبير حسين فهمي أن إدارة المهرجان بذلت مجهودا كبيرا بالمهرجان من أجل جلب أفلام مميزة من جميع أنحاء العالم تمثل ثقافات مختلفة، وجدنا حالة من عدم الاحترافية من جانب المذيعين بتوجيه أسئلة ساذجة للنجوم من قبيل الحديث المكرور والممل عن أعمالهم في شهر رمضان القادم، أو أي أسئلة أخرى سطحية عن سر جمال النجمة وشياكة النجم وكأنه شيء يستدعي العجب والدهشة، متناسين تماما الحديث عن فحوى الدورة أو التركيز على تساؤلات حول صناعة السينما وسط التحديات الكبيرة التي تواجهها.
لقد ساءني سماع تلك الأسئلة التي تجنح نحو السذاجة والعشوائية التي لا تعكس ثقافة سينمائية لهولاء السطحيين جدا، حين خرجوا عن سياق الحدث بفرط من بلاهة نادرة، وذهبوا كي يسألوا النجوم عن أعمالهم التلفزيونية القادمة، ما يعكس ارتباكا واضحا من جانب اللجنة الإعلامية التي على ما يبدو أنها لم تضع خطة معدة سلفا لهؤلاء ترسم لهم ملامح الدورة الجديدة، بل للأسف الشديد تركوا الكرة في ملعب مذيعين غير احترافيين، يستندون إلى ثقافة ضحلة وانبهار غير مبرر، وكأننا في مولد شعبي اختلط فيه الحابل بالنابل، وبالطبع كل ذلك نال بالفعل من قيمة المهرجان، رغم وقاره وهدوئه على غير العادة على عكس إرادة الفنان الكبير حسين فهمي في استعادة المهرجان إلى سابق عهده، ووضعه من جديد على خارطة المهرجانات الدولية، فلم تكن القيمة الإعلامية بحجم قامة هذا الفنان العظيم السامقة في فن السينما المصرية، وهو ما عبر عنه من حب وعشق للسينما المصرية في كلمته التي كانت علامة بارزة في حفل الافتتاح.
لقد جاء كلمته المعبرة عن عمق وثقافة فنان عظيم ارتبط بعلاقة خاصة ومميزة بالفنان الراحل الكبير (سمير صبري) عندما عبر عن روعته بحديث ذو شجون عن علاقة فيها قدر من الرقة والعذوبة، وهو ما يوضح كيف كان الفيلم المصري يحتوى على الاستعراض والدراما، وفيه تراجيدي والأكشن، وفيه كل ما يمكن أن نتخيله واستعرض جانبا من الذكريات الجميلة بينهما، ثم ذهب بحديث ارتجالي أكثر جدية وعذوبة عن الفيلم المصري كيف كان مهما والسينما المصرية مهمة، ومن حقها أن يكون لها مهرجان قوي، مهرجان يقدم السينما ونجومها في جميع المجالات وفي أحسن صورة.
ولأنه قامة فنية وثقافية كبيرة ارتبطت ارتباطا وثيقا بوجدان الجمهور المصري من خلال أعماله الجميلة، قال في تواضع جم: أنا أتشرف أن أكون بينكم اليوم كرئيس للمهرجان في دورته الـ 44، والذي قابله تصفيق حاد من جانب الحضور في قاعة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، ثم أردف قائلا: الحقيقة هو شرف كبير لي لأني أحب السينما بصفة عامة والسينما المصرية بصفة خاصة، والذي أحببني فيها هم نجومنا القدامى، أقصد السينما المصرية التي بدأت منذ زمن بعيد، أحببتها في الأبيض والأسود، ومن هنا جاءتني فكرة أن أرمم مجموعة من الأفلام المصرية القديمة، وكما تعلمون فإن الفيلم تغير تماما وأصبح يتحلل الآن، لأن المواد التي نعمل بها بدأت تتحلل في جد ذاتها، فكان حتما علينا أن نعيد مرة أخرى ترميم بعض تلك الأفلام تماشيا مع العصر.
وفي هذا الصدد قال (فهمي): لقد وقع اختيارى على فيلم (يوميات نائب في الأريارف) للكاتب الكبير والعظيم (توفيق الحكيم)، وإخراج توفيق صالح، وفي فترة اختياري لهذا الفيلم توفي صديقي المخرج الكبير (على عبد الخالق) ففكرت بترميم فيلمه (أغنية على الممر)، وبالتالي أصبح لدينا فيلمين تم ترميمها والحمد لله وأصبحوا (ديجيتال) بـ (كواليتي عال جدا) ومتطورة جدا، وأعتقد أننا في السنوات القادمة سوف يقدم المهرجان أفلام أكثر وأكثر، ودائما في كل سنة يكون هناك فيلمين مرممين، ولدينا أفلام عظيمة جدا مثل ( ثرثرة فوق النيل، ميرامار، اللص والكلاب) وغيرها من أفلام نفتخر بأنها موجودة في السينما المصرية، ثم قام بترجمة كلامه السابق بلغة إنجليزية متقنة تعكس موسوعيته الثقافية والفنية، حيث درس الإخراج كما نعرف في الويات المتحدة الأمريكية ويقف على حدود تطور صناعة السينما في العالم.
ومن جانبه وجه (فهمي) الشكر لوزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني على كل الدعم الذي تلقاه من وزارتها، وأيضا وزارات (الخارجية، الداخلية، الشباب والرياضة) بالإضافة إلى (هيئة تنشيط السياحة، الهيئة العامة للاستعلامات)، وفي لفتة ذكية تعكس حسا وطنيا قال : أحب أن أقول بما أننا نتحدث عن السينما المصرية لابد أن أتحدث عن (بنك مصر) الذي أسسه الاقتصادي الكبير (طلعت حرب)، وهو نفسه الذي أسس (شركة مصر للتمثيل والسينما(، وبالتالي كان هناك (ستديو مصر)، والذي أسس منذ سنوات طويلة، وكان هناك بعثات ذهبت للخارج للدراسة مثل (محمد كريم، نيازي مصطفى، صلاح أبو سيف)، وبعدها استعرض فيديو قديم لافتتاح (ستديو مصر) الذي حضره كبار نجوم الزمن الجميل.
وفي تعليقه على فيلم افتتاح (ستديو مصر) قال الفنان الكبير حسين فهمي: هذه هى السينما التي أحببناها جميعا، ولازالت هناك أجيال وأجيال مصرية تستمر في تقديم هذا الفن الراقي الذي يعكس جوهر الإنسان المصري على مر التاريخ، ثم شكر الرعاة الرسميون للمهرجان، وختم كلمته بربط يشير إلى سرعة بديته وحسه الوطني في التعبير عن مصر القوية، قائلا : المهرجان هذا العام يؤيد (COP27) ونتماشي تماما مع الحفاظ على المناخ فقمنا بـ (تقليل المطبوعات الورقية، وقللنا من استعمال المواد البلاستيكية، بعض السيارات التي يستخدمها الضيوف تعمل بالطاقة الكهربائية) وأشار إلى تواجد ذوي القدرات الخاصة، فقد قدم المهرجان أربع كراسي بالعجل لتسهيل حركتهم داخل المهرجان والتنقل بسهولة بين قاعات العرض ويستمتعون بكافة النشاطات داخل دار الأوبرا، كما يتواجد أيضا ولد وبنت من الأبطال الأوليمبيين يحملون العديد من الميداليات الذهبية، ثم أعلن بشكل موجز عن أنشط المهرجان ولجان التحكيم وغيرها من الفعاليات التي تحظى بها الدورة 44 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وأبرزها فيلم الافتتاح (فابلمانز) الذي يحكي بعضا من سيرة المخرج العالمي (ستيفن سبيلبرج).
وفي النهاية أحب القول بأنني عمدت إلى التركيز على كلمة الفنان الكبيرحسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لما تحمله من دلالات على عمق تجربته العريضة وزخم هذه الدورة التي تعيد رونق وبريق المهرجان في طبعته الـ 44، بعيد عن ما حدث من سلبيات طفيفة على السجادة الحمراء، وهو ما يليق بفنان كبير لعب أدوارا مهمة في تاريخ السينما المصرية والدرما التلفزيونية بتجسيد حي لكل هموم وأخزان وأفراح الإنسان المصري، فكان جديرا به أن يثبت اليوم أنه الأرقي والأعظم والأجل برئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.