بقلم الأديب الكبير : حجاج أدول
السينما عموما صارت من أهم الفنون، رغم أنها من حيث الحضور التاريخي تعتبر الفن السابع، لكنها خاصة بعد تطور كاميرات التصوير وانطلاقات التقنيات الجبارة للكومبيوتر سادت السينما وصارت هي الأولى بين الفنون، صارت هى الأولى في الوصول لملايين الناس، وهي الأولى أيضا في التأثير على وجدانهم وعقولهم، السينما توسعت وتعمقت وصارت أفرعا مدهشة، أفرعا يصعب تصنيفها تصنيفا دقيقا فأكثر من نوع يمكنه أن يشارك في أكثر من تصنيف، ورغم كل هذه التنويعات المؤثرة، فجماهير المشاهدين يميلون بوضوح للأفلام الدرامية الغنائية الموسيقية المرحة، ففطرة الناس تُفضل الحكي وعشق الموسيقى والغناء، والاحتماء بالمرح لمغالبة الصراع المحتدم في أمور الحياة.
بالطبع أتكلم عن الأفلام الممتازة، الأفلام التي لم يبخل عليها منتجوها بالمال، ومبدعوها منحوها بعطاءات مواهبهم، إن هذه النوعية الممتازة من الأفلام تحشد في صالات السينما أكثف الجماهير وتستمر في الحشد لأيام وأسابيع وشهور متوالية، ولا تكتفي بهذا بل يتوالي نجاحها لأزمنة متوالية، والسينما المصرية خاصة خلال بداياتها الأبيض والأسود ركزت على الأفلام الغنائية، وتولى البطولة فيها مطربون ومطربات، بداية من ثلاثينات من القرن العشرين، حيث عرض عام 1932 فيلم (أنشودة الفؤاد) للمخرج السكندري الإيطالي ماريو فولبي، وغنت فيه المطربة (نادرة وجورج أبيض)، ثم في أربعينات نفس القرن وبعدها الخمسينيات حيث كان نجاح المطرب الملحن (محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش مع شقيقته أسمهان، ومحمد فوزي ثم عبد الحليم)، ولمع عدد من المطربات المشاركات في هذه الأفلام مثل أسمهان مع شقيقها فريد، وشادية وصباح ونور الهدى إلخ، ولا يجب أن ننسى أنور وجدي مع الطفلة المعجزة فيروز.
ونأتي لستينيات القرن العشرين، فكانت علامتان سينمائيتان للأفلام الاستعراضية الغنائية الراقصة، هما فيلم (أجازة نصف السنة 1962) ثم فيلم في نفس عام الهزيمة 1967(غرام في الكرنك) فيلمان رائعان قامت ببطولتهما أعضاء فرقة رضا للفنون الشعبية، وأذكر منهم طبعا (محمود رضا) مصمم الرقصات والراقص الأول، والفنانة فريدة فهمي، وإخراج علي رضا هو شقيق محمود رضا، وشاهدنا وسمعنا في هذين الفيلم العديد من الرقصات والأغاني، والمطرب الأشهر فيهما هو محمد العزبي، وأشهر الأغاني (الأقصر بلدنا، حلاوة شمسنا، وحتشبسوت)، وفيلم (تمر حنة) 1957، إخراج حسين فوزي، بطولة (نعيمة عاكف وأحمد رمزي ورشدي أباظة وزينات صدقي وذكي رستم)، وشاركت فايزة أحمد بالغناء. وفيلم (تمر حنة) به الغجر وهم في مرتبة تشبه عوالِم شارع محمد علي، وبه رقصة في نهاياته تشبه رقصة (سعاد حسني) في نهايات فيلم (خللي بالك من زوزو)، حين رقصت بدلا من أمها في قصر حبيبها وعائلته المتعالية، فنعيمة عاكف تقوم بدور تمر حنة الراقصة الغازية.
أحبها ابن العمدة الغني، والعمدة وطبقته يرفضون اقتران ابنهما بالغازية، والرقصة ليست فقط حوارا بين الغازية وابن العمدة، مع تدخل الحبيب وقام بالدور رشدي أباظة، بل أيضا رقصة حوار شبه صدامي بين طبقة الغازية والطبقة المتعالية، أما أفلام الثنائي فؤاد المهندس وشويكار، فلي أن أتخطاها، فهي لم تعجبني، وهذا رأي شخصي مع إعلان إعجابي بجمال وأنوثة شويكار.
والأفلام الاستعراضية الغنائية مطلوبة في العالم كله، هوليوود أنتجت أجمل الأفلام الاستعراضية، فيلم (ماري بوبنز Mary Poppins)، (الغناء تحت المطر Singin’ in the Rain)، و(صوت الموسيقى The Sound of Music) و(سيدتي الجميلة My Fair Lady)، و(كل هذا الجاز All That Jazz) وليس آخرا الفيلم البريطاني ( Mamma miaماما ميّا) إنتاج عام 2008، هو فيلم موسيقي رومانسي مبني على أغاني فرقة (ABBA أبا) وهى من أشهر الفرق، خاصة خلال سبعينيات وبدايات ثمانينيات القرن الماضي، والفيلم مبنى على فكرة فيلم سابق له، فيلم حمى ليلة السبت، المبنى على أغاني فرقة من أشهر الفرق خلال ستينيات القرن العشرين وهي البي جيز Bee Gees، فيلم كل أبطاله من الأمريكان الأفارقة (فتيات الأحلام Dream Girls وغيرها.
أما أفلام بولييود الهندية، فقد أمطرتنا بأفلام استعراضية منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، والجيل القديم لا يمكن أن ينسى أفلام (سانجام ومن أجل أولادي وسوراج)، والجيل الوسط لا ولن ينسى الممثل الهندي (أميتاب بتشان) في العديد من أفلامه التي رقص وغنى فيها، وأظن أن الهند هى السينما الأجدر بقيادة الأفلام الاستعراضية، فشعبها هو أهم شعب راقص في الدنيا، ولا ينافس الشعب الهندي، سوى عدد من شعوب أفريقيا، ولأن تعداد الهند زاد عن المليار، ففيها الكفاءات الموسيقية الغنائية بالمئات، بل بالألوف.