بقلم : محمد شمروخ
لأن مسلسل (أم كلثوم) من تلك النوعية من المسلسلات التى تقبل تكرار المشاهدة مرارا دون كلل أو ملل، فقد توقفت ليلة أمس أمامه وأنا أقلب في قنوات التليفزيون، فهو عمل فنى تاريخي تم إنتاجه عام 1999، لينضم إلى قائمة خوالد الشاشة إن صح التعبير.
وكأى مسلسل مرتبط بذكرياتنا مع الشاشة الصغيرة ليس مهما أن تشاهد حلقاته بالترتيب كأول مرة، كما يمكنك أن تستمتع بأى حلقة من المسلسل.
لكن مع إحدى الحلقات التى شاهدتها ثار لدى سؤال حانق على الفنانة (صابرين) التى كانت قد اعتزلت الأضواء عقب النجاح منقطع النظير لها وللمسلسل، حتى أنه بدا من الصعوبة أن تتاح لها فرصة تخرج فيها إمكاناتها الفنية التى فاجأتنا بها في (أم كلثوم) وكان إجادتها للدور حديث الصباح والمساء بين الجماهير.
حقا لقد تحدت صابرين نفسها وتفوقت عليها في أداء دور (كوكب الشرق) وما أدراك من هى كوكب الشرق؟!.. تلك التى كانت ومازالت ماثلة أمامها بحفلاتها وأغانيها وشخصيتها ومواقفها وتاريخها العريض، مما يجعل أى ممثلة مهما بلغت قدراتها التمثيلية كان لابد من أن تتردد كثيرا أمام تجسيد دورها، لكن فعلتها صابرين وكانت المفاجأة فإذا بها تستطيع تجسيد شخصية (أم كلثوم) باقتدار مذهل ومازلت تتقدم حلقة تلو أخرى حتى انتزعت الإعجاب، وما لبثت أن سجلت اسمها في أعلى القمة، خاصة وأن كثيرين -ومنهم أنا بصراحة – انتظروا فشلها لأن صابرين ساعتها لم تزل في عيوننا صاحبة أدوار البنت الشقية الدلوعة، لكن البنت الدلوعة فاقت كل التوقعات وكانت جديرة بعلو الكعب بعد هذا العمل الفريد.
غير أن الذي جدد حنقى عليها هذه المرة أنها لم تحافظ على الإطار العريض الذي وضعت فيه صورتها، فقامت بأدوار لا تتناسيب مع المكانة التى حققتها وكان يجب أن تحافظ عليها، فكيف ارتضت أدوارا دون هذا الدور؟!.. حتى لو كانت مشاركة في البطولة أو قريبة منها، بل بدا دورها وأداؤها في مسلسل (شيخ العرب همام) سنة 2010، دون ما كان يجب أن تكون عليه بغض النظر عن نجاحها في أم كلثوم.
لكن هل يمكن اقتسام الحنق على صابرين بتوزيعه على شركات الإنتاج والمخرجين والمؤلفين الذين لم يستثمروا نجاحها وقدراتها التى كشف عنها مسلسل أم كلثوم؟!
غير أن القرار كان ومازال بيدها على أن تضع في اعتبارها أن ما حققته لم يكن بالذي يمكن تجاهله، فإن تمثيل دور أم كلثوم والنجاح فيه ليس بالعمل الذي يمكن نسيانه أو إلقائه جانبا، ولا يمكن أن يعتذر المعتذرون بأنه لا يمكن تكرار فرصة مثل فرصة أم كلثوم، لكن هناك أعمال مهمة تلت مسلسل (أم كلثوم) وكان يمكن أن يكون لصابرين منها نصيب، غير أن الملفت والغريب، أن أدوار وأداء صابرين قد تراجع فيما قامت به بعد عودتها للأضواء بعد فترة اختفاء عقب المسلسل لحوالى 5 سنين، فمنذ عودتها لم تقم في دور واحد أتيح لها بمثل ما كانت تؤدى في مستوى (أم كلثوم)، ولا حتى قبل مسلسل أم كلثوم، فقد كان دورها في الجزء الخامس في مسلسل (ليالي الحلمية) بأربعة سنوات، على درجة عالية من الإتقان الذي يجعلها جديرة بنا هو أفضل.
لكن هل يمكن التماس العذر حقا لمن يفرط في مكتسباته الفنية تحت ضغط الحاجة إلى العمل تحت أى زعم، خاصة أن محترفي التمثيل عادة ما تكون كل خبراتهم في هذا المجال وحده دون غيره، وليس هناك من فرص خارج هذا الإطار، لكن ليت الأمر كان قاصرا على صابرين وحدها، فإن هناك نجوما من الجنسين ومن أجيال مختلفة لديهم قدرات مميزة لكن مع ذلك، يتم تجاهلهم في ظل العشوائية المسيطرة على أجواء الإنتاج في سوق الدراما، أو إن شئنا الصراحة والدقة: لتمكن الشللية في المجال – شأن أى مجال آخر في أرض المحروسة – وتلك هى التى أفسدت كل شيء.. أو لأى أسباب أخرى تظهر أو تختفى لكنها تدور في ظل ما سبق وإن اتخذت أقنعة أخرى!.
لكن في النهاية لم يذهب غيظى المختلط بالحزن مع الشفقة على صابرين (وكل صابرين)، فقد كان يتحتم عليها أن تقف برهة أمام أى عمل لتضع شروطها التى تعيد لها مكانة قريبة من دور (أم كلثوم) ولا تستسلم لفرضيات السوق، تلك التى سحقت وتسحق وستسحق من هم مثلها بل وأعتى منها وأشد!.