كتب : محمد حبوشة
بداية لابد لي أن أوضح المغزى الذي أرمي إليه من استخدامي لعبارة (البطة العرجاء)، فيرى البعض أن عبارة (البطة العرجاء) هى اصطلاح مستخدم في سوق الأوراق المالية يعني إشهار إفلاس تاجر، وتحرير شيك من دون رصيد، والعجز عن الوفاء بالديون، ويرى آخرون أنها تعني عبارة (البطة السوداء)، التي عادة ما تستخدم لبيان استنكار عدم الاهتمام والرعاية من أي جهة لمجموعة ما، ويقال عندها: ولماذا نحن؟، هل لأننا أبناء البطة السوداء؟، أو أنكم تروننا هكذا؟، غير أن الواقع المعاش يؤكد أن عبارة (البطة العرجاء) غدت اليوم أسلوب حياة ونهج عمل لدى عديد من المؤسسات والجمعيات والشخصيات، حتى المسؤولة ذات المناصب الرفيعة، فكثيرا ما ترى بعض المسؤولين الكبار لا يتخذون أي قرار صارم وحاسم، خوفا وتوجسا من الخطأ أو اللوم، وبالتالي يتردد كثيرا في حسم عديد من الأمور التي تتراكم، ظنا منه أنه قد يعزل أو ينقل في أي لحظة، ما دعاه إلى أن يعيش طوال وجوده في المنصب في مرحلة (البطة العرجاء).
وظني أن عبارة (البطة العرجاء) تنطبق على غالبية المهرجانات والمسابقات الفنية العربية، بعد أن أصبحت الجوائز أهم عند بعض المغنين من الغناء نفسه، وعند بعض الممثلين نوعا من الوجاهة غير المستحقة، فتجدهم يتصارعون ويتنافسون للحصول عليها، بغض النظر عن الطريقة التي يسلكونها، فالجوائز التي يتم التصويت لها عبر الإنترنت، يتم حشد جيوش جرارة عبر المواقع أو صفحات الفيس بوك، ويشرف عليها أشخاص يتقاضون أجرا ثابتا من الفنانين لمتابعة نسبة التصويت، وهناك جوائز أخرى تمنح للمغني أو الممثل مقابل مبلغ مادي كبير، ولكن هذا لا ينفي وجود جوائز حقيقية تمنح للنجم تبعا لمقاييس وشروط محددة، ولكن بالتأكيد ليس من بين تلك الجوائز الحقيقية (موريكس دور) التي تشبه (البطة العجراء) في منح جوائزها كل عام على أسس موضوعية تستحق التقدير والاحترام.
لقد أصبح الحصول على جائزة في وقتنا الحالي، أشبه بارتكاب جريمة نظرا لكثرة الجوائز المزيفة، ومنها بالتأكيد جائزة الـ (موريكس دور) التي أعلنت جوائزها قبل أسبوعين تقريبا، فبالنظر إلى حيثيات الحصول على هذا الجائزة عام 2022، سوف نلاحظ أنها أقيمت على أسس غير موضوعية، وهو ما يتضح جليا من خلال منحها جوائز لمن لا يستحقون، وعلى رأس هؤلاء الفنانين (محمد رمضان) الذي تم منحه جائزة (النجم العربي الأكثر جماهيرية)، على الرغم من فشله دراميا خلال المواسم الثلاثة الماضية، وكذلك منح الفنانة (إلهام شاهين) عن مجمل مسيرتها الفنية، نعم هى تستحق الجائزة عن مجمل مسيرتها، لكنها لا تستحق عن تميزها في دورها بمسلسل (بطلوع الروح)، وكان ينبغي أن يحصل عليها الفنان (أحمد السعدني) عن نفس المسلسل.
وأعتقد جازما أنه كان ينبغي أن تمنح هذه الجائزة للفنانة المبدعة (نيللي كريم) عن مجمل مسيرتها الفنية الناصعة، وهى بالتأكيد تستحق الجائزة عن مسلسل (فاتن أمل حربي)، أو النجم المصري المبدع (ياسر جلال) عن مسلسل (الاختيار)، كما كان ينبغي أن تمنح نفس الجائزة للفنان الكبير والقدير (يحيى الفخراني) عن مجمل مسيرته التي تحظى بروائع درامية تضعه في مصاف النجوم الكبار قيمة وقامة، ثم ألم يلفت نظر القائمين على هذه الجائزة أعمالا سورية غاية في الروعة والإتقان لكنها غابت عن (موريكس دور) مثل (كسر عظم، أو جوقة عزيزة)، حيث أجاد الفنان الكبير (فايز قزق) في دوره في المسلسل الأول، بينما تألق كل من الفنان القدير (سلوم حداد) والنجمة العربية (نسرين طافش) في المسلسل الثاني، وكان الأجدر باللجنة منها لأي من هؤلاء بدلا من منحها لممثلة تتمتع بقدر من البلادة مثل (ماجي أبو غصن)، وأرى أن ممثلة مثل (دانيلا رحمة) كانت تستحق هذه الجائزة بدلا منها، ومع احترامي للفنانة (سيرين عبد النور) فهي لاتستحق (جائزة دور التميز)، فلم تكن متميزة في هذا العام على الإطلاق.
ولست أدري كيف تمنح كارول سماحة (جائزة نجمة الغناء اللبنانية) وأفضل أغنية لبنانية (فوضى)، وكذلك ملحم زين (جائزة نجم الغناء العربي) الذي لم يلفت النظر في عام 2022، وأيضا (جاد شويري) الذي لا يحمل رصيدا يذكر يستحق عنه الجائزة، بينما قدم كل من (راغب علامة، زياد برجي، وليد توفيق)، وغيرهم أعمالا تستحق الجائزة عن جدارة، ولقد تعجبت جدا لمسمى (الأغنية الضاربة) التي حصل عليها الطفل (محمد أسامة) عن أغنية (الغزالة رايقة) التي تحسب لـ (كريم عبد العزيز) أكثر منه، وما جدوى حصول الفنانة التركية (يلدز بطلة) مسلسل (التفاح الحرام) على جائزة عن مسلسل لم يتفاعل معه الجمهور العربي، أو شهد كثافة مشاهدة تذكر مثل كثير من الأعمال التركية.
ربما نجحت اللجنة في منحها محمد الأحمد (جائزة أفضل ممثل عربي عن مسلسلي (للموت2، وعروس بيروت3)، وكذلك الرائعة (منة شلبي) عن ملسل (بطلوع الروح)، واللبناني المبدع (بديع أبو شقرا) عن (للموت 2)، والفنانة المتألقة (لطيفة) لتفوقها عام 2022 في تقديم أغان متنوعة تستحق التقدير والاحترام، وكذلك الفنانة المتميزة (نوال كامل) التي أصبحت إحدى علامات الفن اللبناني، لكنهم نسوا الأيقونة الحقيقية (نيقولا شمعون) صاحبة الرصيد الأكبر في ساحة الفن اللبناني والعربي، وإذا كان شعار (موريكس دور): (إنهض يا لبنان) في هذه الدورة فكان الأجدر بلجنتها أن تحافظ على القيمة وتختار اختيارا حقيقيا قبل منح جوائز لمن يستحقونها، في شبه تعمد نحو أسلوب (البطة العرجاء) في التقييم ومنح جوائز لمن لايستحق.
ماحدث في جوائز الـ (موريكس دور) يفتح باب النقاش حول جدوى تلك الجوائز التي تمنح لهوى شخصي أو المجاملة الفجة التي تفقد الجائزة قيمتها، فلابد أن يحل التميز بدلا من التمييز، بمعنى أن يكون الاحتكام لتميز المرشح للجائزة فى مجاله دون أى تمييز مرفوض، حيث أننا نجد العديد من الجوائز العربية الرفيعة ينقصها وجود كيان حقيقي يمكن أن يمنح الجوائز كنوع من العرفان بما قدمه هؤلاء لأوطانهم والعالم العربى والإنسانية بشكل عام، وذلك بعد أن طالت الكثير من الاتهامات المهرجانات والمسابقات الفنية والبرامج المعتمدة على التصويت، مثل تلك التي تعتمد على تلفزيون الواقع الذي تزامن ظهوره مع ظهور الفضائيات في بداية التسعينيات الميلادية، هذا من جانب ومن جانب آخر طالت هذه الاتهامات اللجان التي تقف على تنظيم هذه الجوائز أو تلك في مهرجانات الموسيقى والغناء من ناحية والمهرجانات السينمائية والمسرحية وغيرها من الأنشطة ذات العلاقة.
ومن الملاحظ أنه مع اقتراب موعد الإعلان عن فتح باب التسجيل لأي جائزة من الجوائز العربية، يبدأ ماراثون الفنانون في تقديم منجزاتهم الفنية على أمل حصد إحدى الجوائز التي تمتد من المحيط إلى الخليج، وبعد الانتهاء من أي عملية إعلان لنتائج هذه الجوائز، تموج الساحة الفنية بالتساؤلات حول العمل الفني، ومدى استحقاقه للجائزة، وهل هو عمل إبداعي يستحق الفوز، إضافة إلى تساؤلات حول التقييمات والمعايير التي منحت الجائزة على ضوئها، وهل تلعب الجهة المنظمة للجائزة دورا في عملية فوز عمل ما دون آخر.
العالم العربي ياسادة يعج بالجوائز التي تطلقها العديد من المؤسسات العربية، ويرى أعضاء لجان تحكيم ونقاد أن الجوائز تلعب دورا كبيرا في تنشيط الساحة الإبداعية العربية، لكنها لا تستطيع خلق مبدع حقيقي يملك أدوات إبداعية من الفكرة والبناء الفني والخيال الخصب، منتقدين في هذا السياق دور الإعلام في الترويج لبعض الأعمال الفائزة، بغض النظر عن مستواها الإبداعي، خاصة بعض الجوائز أسهمت في تدني المستوى الفني بشكل واضح، وحول دور لجنة التحكيم في هذه الجوائز، فمهما بلغت اللجنة من قوة إلا أن إرادتها قابلة للكسر على أرض الواقع من طرف القائمين على هذه الجوائز، باختصار لأنها تقدم نموذج استثنائي (للركاكة والابتذال والاجترار وتواضع الموهبة)، وتبين أن هناك أكثر من عامل يحدد الحكم على أي عمل إبداعي، أهمها أنه (ليس هناك ذوقا واحدا لدى لجنة التحكيم بشكل عام، فكل واحد له ذوقه)، ولا ننسى أن الجائزة تكبر قيمتها بثقل قيمة وقوة لجنة التحكيم التي هى أساس في العملية برمتها.
وعند الحديث عن مصداقية الجوائز الفنية العربية أقول: إنها متذبذبة في كثير من المهرجانات والمسابقات، وهذا يؤثر على مزاج المشاهد والمستمتع العربي الذي يشعر بالرضى أو بالخذلان، فلجان التحكيم تنسى أن الجمهور العربي قد تطور وأصبح قادرا على الحكم على العمل الفني إذا كان سيئا أو جيدا أو يستحق هذه الجائزة أم لا؟، ومن هنا أؤكد على أهمية ومعيار اختيار لجنة التحكيم التي تمارس صلاحيات تجاه الأعمال، وهى الصلاحيات التي توصل بعض الأعمال إلى مرحلة الفوز، فعندما تكون اللجنة قوية وموضوعية ومتخصصة في مجال الغناء أو التمثيل أو النقد، سوف نحصل على نتائج موضوعية في الحكم على العمل الفني الذي يستحق الفوز، ومن ثم ينبغي أن تراجع تلك المؤسسات القائمة على هذه الجوائز نفسها في المرات القادمة حتى يتسنى لنا الوقوف على أعمال حقيقية تستحق الفوز بدلا من هذه الفوضى العارمة.