كتب : محمد حبوشة
تعيش الساحة الإعلامية العربية – والمصرية منها على وجه الخصوص – فوضى إعلامية لا مثيل لها، لكثرة الوسائل الإعلامية، من مقروءة ومسموعة، ومشاهدة، يضاف إليها فوضى وسائل التواصل الاجتماعي، وفوضى الشبكة العنكبوتية، التي تعج بالمواقع الإعلامية المختلفة، والكل من هذه الوسائل يقذف إلى سمع وبصر وعقل المتابع من الجمهور بضاعته، غثها وسمينها، فيختلط على المتلقي المفيد من المضر، والصادق مع الكاذب، والمضخم مع المقلل، كل وسيلة ولها غرضها في التأثير على رأي المتلقي، وهو الضحية لهذه الفوضى، كما الحقيقة والمعلومة الصحيحة، هذا ما يدمر ثقافة المجتمع، ويفقده القدرة على الوصول إلى الحقيقة وإلى المعلومة الصحيحة، في كل المجالات المختلفة، اقتصادية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو صحية طبية، كما حتى المعلومات العقدية والدينية لم تسلم من تأثير هذه الفوضى الإعلامية والثقافية الرغبوية.
وفي ظل غياب التخصص المبني على المعلومة الصحيحة، والتحليل السليم والعلمي المبني على أسس منهجية ومعلومات حقيقية، يصبح الإعلام أداة تخريبية رغبوية، بدل أن يكون أداة توجيهية وتثقيفية سليمة، ومن هنا لا بد من وجود إعلام متخصص، ووضع حد لفوضى الإعلام الرغبوي الذي بات ضرره أكثر من نفعه، إن الثقافة والآداب والفنون تعكس مستوى الحضارة لأي مجتمع، فلا بد من الاهتمام بها، كي نرتقي بذائقة شعوبنا الأدبية والفنية، ونرتقي بمثقفينا وأدبائنا وفنانينا ليقدموا ما يفيد المجتمع، وأن تكون هناك الرعاية الكافية لهم ونشر إنتاجاتهم الأدبية والفنية فقط، وليس التركيز على الجوانب الشخصية للمشاهير ونجوم الفن منهم في القلب، فما حدث في قضية الفنانة (شيرين عبد الوهاب) يدعو للغثيان جراء هذا (الهطل) الذي تم من خلاله معالجة قضية (مطربة) تعرضت لأزمة طارئة، تحولت إلى فضيحة ظلت تلوكها الألسنة في مباراة قبيحة أدلى فيها غالبية إعلامي مصر بدلوهم، حيث راح كل واحد منهم يتباري في البحث عن أسباب واهية كي ينشغل الرأي العام بقضية تافهة لا تستحق كل هذا الضجيج.
بداية أشعل (عمرو أديب) فتيل الأزمة عندما قال إن شيرين عبد الوهاب المطربة رقم (واحد) في مصر وتمادي في غيه قائلا: إن (شيرين ثروة قومية)، وهو ما استفز جماهير السوشيال ميديا الذين ذهبوا في زفة غريبة تنال من (شيرين)، وربما يكون معهم بعض الحق، فلايمكن الاستخفاف بنا إلى حد أن تكون (مطربة) بمثابة ثروة قومية، فالثورة القومية بحسب التعريف الأكاديمي هى: (مجموعة القوى المنتجة في الدولة)، فهل يمكن أن تكون (شيرين) أو غيرها ثروة قومية حتى بالمعنى المجازي؟.
أيضا بالغ بعض الإعلاميين حين اعتبروا قضية (شيرين) تدخل تحت بند الأمن القومي، ذلك الذي يشير إلى قدرة البلد أو الدولة على حماية مواردها وأراضيها ومصالحها من كافة التهديدات الخارجية والداخلية، وظني أن قضية إدمان (شيرين) من عدمه لايمكن أن تمثل أدني تهديد للأمن القومي، أم حتى الأمن الفني أوالغنائي، فهي تبقى مجرد (مطربة) ربما اجتهدت وصنعت شهرة من العدم، لكنها لاترقي إلى مستوى الأمن القومي لبلد يعيش على أرضه أكثر من 100 مليون لم تتح لهم فرص تكوين الثروة مثل (شيرين) وغيرها من النجوم الذين يتباهون بفلوسهم، ومن ثم كان حريا بإعلامنا الصمت أو على الأقل تقديم التحليل العلمي لقضية (شيرين) المستند إلى الحقائق لا التحليل الانطباعي الذي يضفي هواه على التحليل والاستنتاج ويخفي الحقائق الصادمة في كثير من الأحيان، إن ضبط الإعلام وبناءه على أساس التخصص يحتاج في الأساس إلى كليات إعلامية متخصصة ليس في فنون الإعلام وأدواته ووسائله فقط، وإنما في أقسام إعلام تربوي ثقافي، اقتصادي وسياسي، أدبي وفني، اجتماعي وأسري، لتنشئ جيلا متخصصا من الإعلاميين الحرفيين والمهنيين، يعملون في القطاعات الإعلامية المختلفة، لتحقيق رسالة الإعلام في التوعية العام.
تلك آفة الإعلام المصري في الفترة الأخيرة الذي لا يزال أسير الرغبوية، بعيدا عن المهنية الهادفة إلى تشكيل وعي خاص وعام ينفع الفرد والمجتمع والدولة، على عكس الإعلام المتخصص في بعض الدول المتقدمة، مهما تعددت الوسائل الإعلامية التقليدية أو وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تأخذ حيزا ودورا مهما في التأثير في المتلقي وبالتالي في تشكيل الرأي أو الموقف، أو إيصال المعلومة، فالإعلام المتخصص بالتأكيد يمثل البديل لهذه الفوضى الإعلامية الرغبوية السائدة، ومن هنا لا بد من العمل على إيجاد الإعلام المتخصص، في كل مجال من المجالات، لإنقاذ الإعلام من الفوضى والتردي، وإنقاذ الحقيقة من التزييف، وإنقاذ المتلقي والمتأثر بهذا الإعلام من تدني الوعي واختلاط المفيد بالمسيء، على مستوى الفرد والمجتمع في آن واحد.
وفي ظل وجود (مواقع التواصل – السوشيال ميديا) التي أصبحت منبرا بلا رقيب متاح للجميع، للجاهل والمتعلم، الوطنى والخائن، صاحب الرأى الصحيح وصاحب الرأى الخبيث، للخبر الصحيح وأيضا للشائعات ، وفى بلد به نسبة مرتفعة من الأمية والجهل والمغرضين ومثيرى الفتن فليس كل ماينشر فى (السوشيال ميديا) يعد صحيحا، أو من المسلمات ولا يعد مصدرا للأخبار على الشاشات التي راحت تقطع الأخبار والتصريحات حول (شيرين) المتدولة بطرق مجتزئة تارة، أو تارة أخرى بتضخيم الجانب السلبي في القضية، بدلا من التركيز على الجانب الإنساني لفنانة تمر بظروف خاصة، لم يرحمها فيها أهلها أو المحيطين بها، وكأنها أصبحت فريسة ثمينة لصيد جائر.
لم تدرك كل الفضائيات التي أدلت بدلوها في قضية (شيرين) حقيقة أن يكون الخبر المنشور مغلوطا أو المعلومة خاطئة أو الصورة مفبركة، فمن غير البديهى أن يكون المنشور مصدرا لوسائل الإعلام خصوصا المرئية الأكثر انتشارا وتأثيرا بين جموع المصريين، وفى ظل انفلات إعلامى غير مسبوق تحولت (السوشيال ميديا) عبر معدين غير مدربين وإعلاميين غير مؤهلين للعمل الإعلامى إلى مصدر معلومات أصيل، تقوم على معلوماته حلقات ونقاشات، وينقل عنه كمصدر لخبر أو قضية قد لا يكون لها وجود من الأساس، أو تكون القضية أكثر حساسية (مثل حالة شيرين) ولا توجد عنها معلومات رسمية، فى هذه الحالة لايصح أن يدلي الخبراء من الإعلامين البلهاء بدلوهم من خلال آراء مواقع التواصل الإجتماعى لما بها من معلومات مضللة ومفبركة.
أحزنني جدا هذا أن الجميع (الأهل والأصحاب والجمهور) أكل وشرب على جثة (شيرين)، فمن الإعلاميين من قال: (لا أريد أن أتحدث عن الموضوع .. ومع ذلك دخل في الزفة والتهليل، ومنهم قالت: (دايما أحب أتكلم عن أغنية أو فيلم أو مسلسل ومع ذلك خصصت 12 دقيقية للحديث حولها)، ومنهم من قال: (هى ضحية ناس طماعين فيها !!!، وآخر يقول: (بأنها ضحية واحد مستغل وطماع!!!)، ومنهم من قالت: (كنا لا نتمنى أن يخوض أحد في خصوصياتها وخاضت هى 7 دقائق في أدق خصوصياتها)، وآخرهم ارتدت ثوب الواعظ قائلة: (كيف نحافظ عليها؟! .. مع أنها انتهكت خصوصيتها)، كان الأولى بالإعلاميين والأهل والجمهور أن يصمت عن كل الكلام المباح وغير المباح بدلا من الخوض في سيرتها وفضح أسرارها .. فلايمكن أن يكون هذا خوفا عليها أو من أجل مصلحتها.
فمعلوم أن (شيرين نفسها) كانت عاجزة لا تقوى على الرد، أو أغلب الظن أن لاتعي كل تلك الجرائم التي ارتكبت في حقها، سواء من أقرب الناس إليها (شقيقها وأمها) حين قاما بفضح أسرارها على الهواء مباشرة وفي سبيل تبرئة نفسيهما من تهمة ضربها وسحلها عبر سيناريو هابط صنعته السوشيال ميديا وأكدت عليه فضائيات العار والفضيحة، أطلقا عليها رصاصات الموت المجاني أمام جمهور لايرحم، وفضائيات لاتعي أن تخاطب شعب فيه نسبة كبيرة من الأمية بل أطلقت العنان لخيال بعض من الجمهور المريض بالفضول والرغبة في التشفي.
للأسف حاصرت كل وسائل الإعلام (مكتوبة ومرئية ومسموعة) المطربة شيرين عبد الوهاب، ضمن سلسلة متصلة من الأزمات التي تتعرض لها منذ زواجها ثم انفصالها عن الفنان حسام حبيب، بدءا من الجدل الذي دار حول تفاصيل حياتهما الشخصية، وآخر هذه الأزمات هى وجودها داخل إحدى المصحات النفسية لتلقي العلاج اللازم، وما صاحب ذلك من لغط واسع خلال الساعات الأخيرة، كانت الأشهر الماضية بشكل خاص حافلة بالتطورات بالنسبة للمطربة المصرية، بعد انفصالها عن زوجها المطرب والملحن حسام حبيب، بعد زواج لم يدم طويلاً (من أبريل 2018 وحتى ديسمبر 2021).
وقد ساهمت (شيرين) نفسها في توسيع رقعة هذا اللغط، حين خرجت خلال تلك الفترة بتصريحات مثيرة للجدل، كشفت خلالها عن تفاصيل حياتهما الشخصية، وحجم الضغوطات التي ذكرت أنها تعرضت لها أثناء تلك الزيجة، وكالت الاتهامات لطليقها بشكل أثار جدلا واسعا، بعدها تحرك الطرفان قانونيا من أجل مقاضاة بعضهما البعض بعد تصاعد تلك الاتهامات، وذلك قبل أن يتم الإعلان في 10 أكتوبر الجاري، عن الصلح بينهما، وإعلان شيرين – طبقا لما ورد في بيان صادر عن محاميها – أنها تكن كل الاحترام والتقدير لحسام حبيب، وتتنازل عن القضايا كافة التي كانت مثارة بينهما.
ولعل أسوأ ما حدث في هذه الأزمة الذي تسبب في صدمة تلك التصريحات الإعلامية لشقيق المطربة (محمد عبد الوهاب) حيث قال أن (شيرين) كانت رفقة طليقها حسام حبيب، يتعاطيان المخدرات داخل إحدى الشقق بمنطقة التجمع الخامس خلال الأيام الماضية، وأنه عمل على إنقاذها وأخذها للعلاج في إحدى المستشفيات النفسية، وشدد على أنه في بداية الأمر أعلن عن أنها تتلقى العلاج في مستشفى للعظام وليس في مصحة نفسية (حرصا على اسمها)، وأكدت (كريمة أبوزيد) والدة شيرين عبد الوهاب، في تصريحات إعلامية لها أيضا نفس رواية نجلها، موضحة أن علاقتها بابنتها شيرين (جيدة جدا)، والغريب أنها طالبت في الوقت نفسه بـ (حماية ابنتها من طليقها بوصفه شر عليها) طبقا لتصريحاتها، التي أثارت جدلا واسعاً
وعلى الرغم من أنه أفاد تقرير المستشفى الذي تتواجد فيه الفنانة (شيرين) حاليا يقول إنها تحتاج شهرا من أجل العلاج، رافضا الكشف عن مزيد من التفاصيل بشأن التقرير وحالتها الصحية حاليا، كما رفضت مصادر طبية بالمستشفى الإفصاح عن حالتها، وقالت: قانون الصحة النفسية يمنع الكشف عن الحالة الصحية للمرضى، ويقر بالسرية التامة، أيضا يضاف إلى ذلك قرار النيابة العامة المصرية التي أصدرت بيانا، مساء الأحد، أعلنت فيه عن أنها تحقق في البلاغ المقدم من محامي الفنانة شيرين عبد الوهاب، بتهجم شقيق الفنانة وآخرين عليها داخل مسكنها واصطحابهـا لأحد مستشفيات الصحة النفسية؛ لإدخالها بها عنوة على إثر خلافات بينهما، على الرغم من كل ذلك لم تنتظر فضائيات العار بيان النيابة الذي قالت فيه: (في ضوء هذا البلاغ سألت النيابة العامة مدير عام المستشفى والمدير الفني الطبي به، وقد ظهرت تناقضت شهادات الطرفين مع ما ورد بمضمون البلاغ، وتسعى النيابة العامة باستكمال تحقيقاتها إلى جلاء الحقيقة فيها، بل ظلت تلك الفضائيات تنفخ النار في الأزمة، وزاد من حدتها بوستات وتويتات وتعليقات زملاء وأصدقاء (شيرين) من الفنانين الذين ذهبوا في وصلات من (الصعبانيات) التي لاتفيد أكثر مما تضر على الأقل في الوقت الراهن.
والآن ونحن أمام حالة السيولة والعبث، فإني أقول أن ظاهرة استخدام السوشيال كمصدر للمعلومات على الشاشات والاعتماد عليها أصبحت ظاهرة فى غاية السوء ولا يمكن الاعتماد عليها وقد تكن أحيانا مفيدة فى أشياء معينة بعيدا عن استخدامها كمعلومات، بينما الاستسهال من البعض وعدم بذل الجهد هو ما يؤدى لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعى والتعامل معها على أنها خبر حقيقى، على الرغم من أنها قد يكو ن لها أهداف معينة من جانب بعض اللجان الإلكترونية التى قد تستغل هذه المواقع للنقل المباشر والسريع وتحقيق السبق بدون توثيق مما يكون له خطورة، وهو ما أدى للفوضى فى وسائل الإعلام خصوصا فى الأزمات والحالات الطارئة، فالترويج لمعلومات متسرعة ومغلوطة يؤثر فى اتجاهات الرأى العام، كما أن الفراغ فى المعلومات فى أوقات الأزمات هو ما يؤدى لهذه النتيجة التى نستاء منها فلابد من إمداد وسائل الإعلام بمعلومات دقيقة يأخذ المواطن بها ويكون رأيا عاما مناسب تجاه القضايا.
ياسادة آفة اعتماد فريق الإعداد فى البرامج التلفزيونية على السوشيال ميديا غير مهنى نهائيا، لأن مواقع التواصل الاجتماعى بلا رقيب لما ينشر فيها ولكل شخص حرية كتابة أى خبر خاطئ فكيف لإعلامى أن يعتبرها مصدر، خصوصا وأنها من وجهة نظرى حولت عقول الشباب للسيئ بسبب المعلومات المغلوطه وغير الموثوق فيها التى تنشر من خلالها، وما يثير الاستغراب أن هناك برامج ومذيعين ومعدين يستعينون بها وما ينشر ويبث عليها من معلومات وفيديوهات ليعرضوها عبر الشاشات، وهو أمر فى منتهى الإساءة للمهنه ابتدعتها جهات متأسلمه تحت مصطلح (الإعلام الجديد) و(صحافة المواطن)، واستخدمتها القنوات المشبوهه لهدم الوطن، وهو أسوء مثال لاستغلالنا للتكنولوجيا.
وأخيرا ما نحتاج إليه لبناء مصر حاليا إعلام واعى له رؤية مستقبليه وإدارة صحيحه تعمل بمهنية وليس بعشوائية عبر مختصين وليس جهلاء أو دخلاء، وينبغى أن تفعل مواثيق الشرف الإعلامى وأن تكون هناك عقوبات لمن يخطئ، فعلى الأرض لاحريه مطلقه خصوصا لو كانت تدمرالآخرين وتؤذيهم، وظني بأن الإعلام إذا سار على نهج الاعتماد على السوشيال ميديا بلا وعى لخطورته كمصدر للمعلومات فسيشهد انهيارا لصالح السوشيال ميديا، لأن المشاهد سيلجأ لها مباشرة بما أن الإعلام ينقل عنها، والعلاج هو الاستعانه بالمعد والإعلامى المتخصص فى مجال العمل الإعلامى، إضافة الى التدريبات المستمره التى يجب أن يحصلون عليها من وقت للآخر، فربما ينقذنا هذا من (هطل الإعلام) الذي أصبح شوكة في خصر هذا الوطن.