تعرف على أغنية أم كلثوم التى غنتها لجمال عبدالناصر، وتم تلحينها في التاكسي !
كتب : أحمد السماحي
قدمت كوكب الشرق أم كلثوم العديد من روائع الأغنيات الوطنية التى عبرت بصدق وإحساس عن الأحداث السياسية التى مرت بمصرنا الحبيبة، من هذه الأغنيات أغنية (بالسلام إحنا بدينا بالسلام)، كلمات الشاعر العبقري بيرم التونسي، ألحان مهندس الألحان محمد الموجي، والتى غنتها (ثومة) بمناسبة عودة الرئيس جمال عبدالناصر من أمريكا، ولهذه الأغنية حدوتة لطيفة جدا جاءت في مجلة (الكواكب) في العدد الصادر يوم 11 أكتوبر عام 1960 وتحدث فيها الملحن (محمد الموجي وبيرم التونسي)، وكتب كواليس هذه الحدوتة الكاتب الصحفي (جميل الباجوري) فإليكم هذه الكواليس:
يقول الباجوري: كنت يوم الاثنين الماضي في الساعة الثالثة عصرا مع محمد الموجي في أحد المكاتب الفنية، ورن جرس التليفون وكان المتحدث هو (أمين عبدالحميد) الإذاعي المعروف، كان يسأل بلهفة عن محمد الموجي، وناولت الموجي السماعة وجاء صوت أمين عبدالحميد يقول: معاك ورقة وقلم؟ فقال الموجي: أيوه خير إن شاء الله، فقال أمين: طيب أكتب ورايا، وكتب الموجي:
بالسلام احنا بدينا بالسلام يا سلام
ردت الدنيا علينا السلام، يا سلام
قطع الموجي الاسترسال وسأل: كلام لطيف ده بتاع مين ولمين؟! فقال أمين: الكلام ده كتبه (بيرم التونسي) لتغنيه الست وشد حيلك بقى، فقال الموجي: ربنا بسهل، وعاوزين اللحن إمتى إن شاء الله؟ فقال أمين: بسرعة على قدر ما تستطيع أريد أن يكون اللحن مسجلا قبل عودة الرئيس (جمال عبدالناصر) من أمريكا.
ولم تكن عودة الرئيس حتى مساء يوم الاثنين قد تحددت أو عرفت بعد، وكان المعتقد هنا أن إقامة الرئيس ربما ستمتد أسبوعا أو أسبوعين حتى يلبي الدعوات الكثيرة التى تلقاها هناك، ولذا فإن الموجي أعتقد أن هناك فسحة من الوقت، وأسرع الموجي يتصل بالسيدة أم كلثوم ويقول لها: مساء الخير يا فندم كلام الأغنية وصلني دلوقتي، فقالت (ثومه): كويس، عجبك؟، طيب يالا ورينا همتك، فقال الموجي: أنا تحت أمرك، فعادت ثومه تقول: وإمتى إن شاء الله ناوي تمر عليه، فقال الموجي : كمان يومين، تلاتة بالكتير، فقالت: طيب أنا عاوزة حاجة حلوة، مع السلامة، ولم يضع (الموجي) وقتا بل أسرع يمسك عوده ويدندن عليه.
سر بكاء بيرم التونسي!
يقول الباجوري : أسرعت أنا بالاتصال بالشاعر (بيرم التونسي) أسأله عن أغنيته الجديدة وظروف ولادتها فقال: لقد كنت واحد من أفراد الشعب الذين أسعدهم وملأ قلبهم بالعزة والفخر، سافر الرئيس إلى الأمم المتحدة ليرفع من هناك صوت الحق والسلام، وكنت أتتبع أخبار الرحلة ومقابلات الرئيس في شغف واهتمام، وعندما وقف الرئيس يخطب في الأمم المتحدة كنت أبكي فرحا مع كل كلمة يقولها، كان قويا معبرا مؤمنا بوطنه وعروبته، مؤمنا بالسلام، ووجدتني بعد خطابه أكتب هذه الكلمات.
ولم أكن أعرف أنها ستصبح أغنية ترددها (أم كلثوم) ومن ورائها الشعب العربي، ولقد كانت خواطر عبرت عن فرحتي وسعادتي وسلام وطني وأهلي وأبنائي، لقد كان الرئيس رئيسي بحق وبطل السلام وحاميه.
ملهى الفونتانا
يستكمل الباجوري كلامه قائلا: ولم أقابل الموجي بعد ذلك في هذا اليوم، وعلمت في اليوم التالي أنه قضى سهرته في ملهى (الفونتانا)، فقلت يا نهار أبيض!، على هذا فمما لا شك فيه أنه لم يضع فكرة اللحن بعد، وحتى صباح يوم الثلاثاء لم تكن عودة الرئيس قد حددت إلا أن أخبار تناثرت عن عودته مساء الأربعاء، وفي الثانية والنصف أعلنت الإذاعة عن موعد عودة الرئيس مساء يوم الأربعاء.
البحث عن الموجي
أصبحت الإذاعة حركة دائبة ونشاطا غير طبيعي، وكان لابد أن تكون أغنية أم كلثوم معدة قبل موعد وصول الرئيس، وأسرع رجال الإذاعة بالاتصال بمحمد الموجي في منزله، ولكنهم لم يجدوه، وكلفت أم كلثوم ثلاثة من العاملين معها بالبحث عن الموجي وإحضاره إليها فورا، وفي الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم الثلاثاء ظهر الموجي في مكتب سعيد الموجي الذي صاح به قائلا : أنت فين؟ الدنيا انقلبت عليك، الست والإذاعة، فقال الموجي: ليه أنا عملت حاجة وحشة؟! فقال سعيد : لأ، الرئيس جاي بكره وأغنية الست لازم تكون جاهزة قبل عودته.
فقال الموجي: طيب وفيها إيه؟! الأغنية جاهزة! وتحت الأمر، وفي هذا الوقت رن جرس التليفون وكانت المتحدثة هى أم كلثوم، وكان الموجي هو الذي تلقى مكالمتها قالت ثومه : إنت فين يا محمد بندور عليك من الصبح؟ قال الموجي: خير يا ست؟ قالت: لازم نسجل الأغنية النهاردة أو بكرة الصبح على أكثر تقدير، فالرئيس سيحضر غدا في الساعة الرابعة عملت ايه في اللحن؟، قال الموجي: خلاص يا ست نسجله النهاردة لوحبيتي، أم كلثوم: يعني خلاص عندك فكرة، وجاهز وتحت الأمر، طيب تركب تاكسي وتيجي حالا على البيت، رد عليها الموجي: حاضر دقيقتين وأكون عندك.
الناس في الشارع سبب ولادة اللحن
يستكمل الباجوري الحكاية فيقول قال لي الموجي: بعد أن أخذت الكلام قمت بعمل بعض المحاولات في المكتب ولكني شعرت أن جو المكتب برنين التليفون المتواصل لن يساعدني على التركيز، فحملت عودتي وفي أول تاكسي ألقيت نفسي وطلبت منه أن يذهب بي إلى أي مكان، ولم يذهب التاكسي إلى أي مكان فقد ظل يجوب بي شوارع القاهرة ويأخذني مرة إلى الهرم ومرة إلى مصر الجديدة، ومرة إلى العباسية.
وبعد ساعتين كنت قد وضعت اللحن، لقد كنت وأنا في التاكسي أرى انطباعت الفرحة والسلام على كل الوجوه التى أنظر إليها، سائق التاكسي، موظف الحكومة، بائع الخضرة، رجل الأعمال، سيدة المجتمع، من هؤلاء كلهم ومن ابتساماتهم وسعادتهم، وضعت لحني لأغنية أم كلثوم، وبعد ذلك قررت الاحتفال بنفسي فسهرت حتى الفجر في (الفونتانا).
في منزل أم كلثوم
في منزل أم كلثوم دام الاجتماع بينها وبين الموجي من الرابعة حتى السابعة والنصف وأعجبت الست باللحن، وطلبت حذف كلمة (الاحترام) واستبدالها بكلمة (السلام)، كما طلبت حذف كلمة (تفرق) ووضعت بدلا منها كلمة (يكونوا)، وفي الساعة الثامنة من مساء نفس اليوم كانت الفرقة الموسيقية بقيادة (محمد عبده صالح) في نقابة الموسيقيين في انتظار حضور أم كلثوم والموجي، واستمرت البروفات حتى الساعة الحادية عشر مساء.
استديو 1
في الساعة الحادية عشر من صباح يوم الأربعاء كان استديو (1) يمتلئ بالموسيقيين ورجال التليفزيون، وانتهى تسجيل الأغنية في الساعة الخامسة، وظل الموجي يقوم بعملية المونتاج حتى الساعة التاسعة تماما، وفي الساعة العاشرة أذيعت الأغنية من محطة الإذاعة من البرنامج العام لتعبر بلسان أم كلثوم عن فرحة كل قلب بعودة زعيمه وحبيبه جمال عبدالناصر.