بقلم الإعلامي : علي عبد الرحمن
لطالما تحدث السيد الرئيس مؤخرا عن ضرورة عودة الوعي، ليس لشبابنا فقط بل لجموع المصريين، لماذا؟، ذلك لكي يدركوا حقيقة مايقدم لهم من شائعات وحقائق، وليدركوا ما وصلت إليه بلدهم من استقرار وتنمية وتآثير، ولكي يميزوا بين الغث والسمين، ولكي يلفظوا ماطرأ علي حياتهم وسلوكياتهم من غرائب، ولعل الرئيس دعي إلي ذلك مواجهة لحروب الجيل الرابع من الشائعات، ولمواجهة أفكار المخربين والمثبطين للهمم، وأيضا ذوي الألسنه التي أدمنت الفتوي في كل شئ دون مراعاة لحق الوطن وأهله.
ولعل الوعي المنشود صناعة لها صناعها، فالوعي يبدأ من الأسره وتصرفات أهلها أمام صغارهم، ويمر بالمدرسه وسلوكيات المعلمين أمام تلاميذهم، ويمر بالجامعة وحالات زرع الهوية والإنتماء، ويعد النادي والحزب والمسجد والكنيسة ورواد المجتمع المدني، كل أولئك هم صناع الوعي وزارعيه، والوعي يبدأ ببناء الشخصية السليمة بروافدها الثقافية العميقة وبإلمام بهموم الوطن وطموحاته.
الوعي الذي يجعلنا نميز بين العدو والحبيب، ونفرق بين الشائعة والحقيقه، وننظر إلي الوطن بحرص عليه، الوعي الذي يجعل شبابنا يحب وطنه وعمله ورفعته، والذي يصحح سلوكا غريبا علي مجتمع متسامح معتدل، والذي يرفع قدر الوطن في عيون أهله، الوعي الذي يجعلنا نعمل وننتج، والذي يجعلنا نثق في غد أفضل، وهو الذي يجعلنا نتكاتف في السراء والضراء.
الوعي الذي يدفع الأسر لحسن تنشئة أولادهم، والمدرسه لجودة تنوير تلاميذهم، والمؤسسه الدينية للقيام بدورهم في صقل عقول شبابنا، ويدفع الأحزاب الكرتونيه للقيام بدوها في التثقيف السياسي لأعضائها، ويدفع الأنديه للعودة لدورها الرائد في تثقيف وتوعية أعضائها، وهو الوعي الذي يجعل النخب ورواد المجتمع المدني للعطاء من خبراتهم لاهل مصر، هو نفس الوعي الذي يدفع الوزارات والهيئات للقيام بدورها الوطني حبا في الوطن وأهله وليس تظاهرا وتمسكا بكرسي السلطه، الوعي الذي يجعل الكيانات الاقتصاديه ورجال الأعمال لتفعيل دور المسئولية المجتمعيه في خدمة وتنوير أهل المناطق المحيطه بمشروعاتهم، وهو نفس الوعي الذي يلزم وسائل إعلامنا بالعودة إلي صواب الطريق شرحا وتواصلا وتعبيرا عن هموم الشعب وطموحاته، ذلك أن الاعلام الواعي هو الذي يعد حائط صد ضد الشائعات والمغرضين، الإعلام الملتحم، المهني، الصادق هو الذي يحصن أهله ضد كل حروب وآفات العصر والجيل، المحتوي الجيد هو الذي يقاوم هذه الآفات العصرية.
عندما يقوم الكل بدوره سيعود الوعي إلى سابق عهده، ويعود الحس الوطني الذكي، وتختفي اللامبالاة، والأنانية، والكسل، والتواكل، وعدم الانتماء، والتطلع لأحلام الثراء السريع، وأحلام الهجرة بلا عودة، الوعي وعودته هو الذي يقدم القدوة والفرص المتساوية والحق في خدمة الوطن، هو الذي يظهر بعد إختفاء الرأي الآخر والنقد البناء ويخرجه من دائرة التخوين والإقصاء، الوعي الذي يعيد الخبرات المهمشة إلى خدمة وطنها بعيدا عن الولاء والصحوبية، هو الذي يتيح فرصا متساوية لخبرات الوطن وكوادره، الوعي الذي يجعلنا نخافظ علي الممتلكات العامة، ويعيد إلينا أخلاقنا الجميلة.
وبالوعي ننشط سياحتنا،وبالوعي نحارب تطرفا غريبا علينا، وبالوعي نجعل فكرة الشباك الواحد للمستثمر حقيقه وليست نغمة نرددها منذ حكومة (أحمد نظيف)، وكفانا تعددا للجهات والرسوم والدمغات والتحريات وتداخل الأجهزه وتضاربها، الوعي ليس في مواجهة الشائعات فقط إنما في إصلاح أمور كثيرة، في الاتفاق علي أجندة للعمل الوطني، وفي دمج الأحزاب الكرتونية حسب تشابه برامجها (يمين السلطة ويسار السلطة واحزاب الوسط)، الوعي الذي يجعل دمج ذوي الهمم واقعا وليس شعارا، الوعي الذي نحقق به العدالة الاجتماعية والإعلامية والتعايش المجتمعي السليم.
دعونا نخصص برامجا للأسره لتوعية أولادها من خلال الإعلام ومراكز النيل التابعة للهيئة العامة للاستعلامات، ونخصص فترات للبث لتنوير شعبنا، ونخصص إنتاجا برامجيا ودراميا وسينمائيا لإعادة الوعي إلى عقول أهل مصر، فلنتفق على عودة الوعي في هذه المرحلة ولنوزع الأدوار علي صناع الوعي ومؤسساته، ولنحدد دورا للأسرة وللمدرسه وللنادي وللمسجد وللكنيسه وللجامعه ولرواد المجتمع وللإعلام، إذا كانت صناعة الوعي هدف حاليا فإن عودته ضرورة، ولن يعود الوعي إلا باعتدال قيم وأدوار ومؤسسات المجتمع حتي نحفظ النشئ من سلوكيات واردة والشباب من أفكار غريبة والمجتمع من مظاهر لاتشبهه.
ولتكن عودة الوعي ومؤسساته ومفهومه وأثره هى الحصة الأولي في جميع مراحلنا التعليمية، وهى التنويه والفواصل في كل وسائلنا الإعلامية حتي تعود موادنا الدراسية المهمشه مثل التربية الوطنية والدينية والإعلاميه التي تعتمد علي سياسة التعرض والانتقاء لدي شعب متنور يستطيع أن يختار ما في صالحه ويلفظ ما يضره.
ألا أهلا بعودة الوعي ومؤسساته وأثره المجتمعي، وتحيا دوما مصر الواعيه، وأهلها الحريصون عليها مادامت الحياه مستمرة .. وتحيا مصر.