بقلم : محمود حسونة
هى ليست شائعة أطلقها مَوتور وأراد أن يثير بها جدلاً، وليست حكاية من حكاوي القهاوي للتسلية، وليست هذياناً مما نراه على السوشيال ميديا التي يختلقها بعضهم بهدف إحداث بلبلة اجتماعية، ورددها مغفلون يعيشون على مواقع التواصل الاجتماعي كما الببغاوات التي لا تفقه معنى ما تقول ولا عواقب ما تردد، وليست سبقاً صحفياً حيث يفترض فيه أن يكون صحيحاً وموثوقاً ومؤكداً، وليست رأي شاطح خال من أي حقائق، ولكنها اقتحام لخصوصيات نجم كبير جداً أو خبر ملفق أعلنه إعلامي يعتبرونه كبيراً، يعيش حالة من الإفلاس الإعلامي والغياب الجماهيري، فقرر اللجوء إلى تفجير قنبلة تشد انتباه الجميع إليه، وعندما تتعلق القنبلة بصحة الزعيم فهي ليست قنبلة عادية، ولكنها من النوع الباليستي أو الكيميائي أو النووي الذي تتمدد آثاره إلى أكبر رقعة جغرافية ممكنة، وهو بالضبط ما فعله هذا الإعلان غير المقبول عن إصابة الزعيم بالزهايمر، فقد عبر الحدود وشغل الجماهير العربية كما المصرية، بل وتجاوز حدود أرض العرب لتتناقله وسائل إعلام غير عربية، وبالطبع تردد اسم ملفق الخبر ومطلقه جنباً إلى جنب اسم الزعيم عادل إمام.
بعض الإعلاميين يحاولون أن يبنوا لأنفسهم مجداً على حساب حياة وخصوصيات المشاهير، وهم لا يدركون أن مجدهم زائف ووهمي، وأن الناس تلفظهم وتقاطع أعمالهم ولو شاهدوها يكون ذلك من باب البحث عن شيء عن أكذوبة يسخرون من مطلقها. ومن المؤكد أن هذا الإعلامي يعي جيداً أن انتشار خبره الملفق لم يكن نتيجة ارتفاع نسب مشاهدة برنامجه، ولكن لأن الناس تناقلته باعتباره يمس صحة نجمهم الكبير، الفنان الذي سخّر حياته لإسعاد وإدخال البسمة على حياة ملايين الملايين من المصريين والعرب وغير العرب، ومن المؤكد أيضاً أن صمت الزعيم هو صمت الكبار، لم يقبل أن يرد على هذا التلفيق حتى لا يمنح مردديه أي قيمة، ولأنه يدرك أن الأخبار المثيرة الكاذبة مثلما تنتشر سريعاً تموت سريعاً، ولا يكون لها تأثير سلبي سوى على من أطلقها حيث تسحب المتبقي من رصيده عند الناس، إن كان لا يزال عنده رصيد.
كان يمكن للزعيم عادل إمام أن يرد، وكان يمكنه أن يكلف رامي أو محمد بالرد، ولو كان مريضا فقد كان الرد سيأتي على لسان رامي أو محمد، ولكن الزعيم بخير وفضّل الصمت حتى لا يعطي للأكذوبة قيمة، وتبرع بالرد نيابة عنه شقيقه المنتج عصام إمام الذي أزعجته الشائعة، وجاء رده قاطعاً بعدم الصحة ولا يستلزم تفسيرات، ونقل عصام موقف عادل من رده حيث قال عبر أحد البرامج (أنا لسه سايب عادل من نص ساعة بعد ما قعدت معاه 3 ساعات، اتكلمنا في حاجات كتير وضحكنا.. القعدة مع الزعيم لا تخلو من الضحك)، وتابع: (عادل قالي إنت ليه يا عصام بترد عليهم.. قلت له لازم أرد لأنهم بيقولوا إنك مصاب بالزهايمر.. فقالي ما هما موتوني قبل كده 5 ولا 6 مرات).
هذه الكلمات تختصر رؤية الزعيم للإعلام الكاذب ولمطلقي الشائعات، فهم من وجهة نظره لا يستحقون الرد لا منه ولا من غيره، ولا يستحقون سوى التجاهل التام، وفي النهاية هم أناس يخاطبون أنفسهم، ولا يؤثرون في غيرهم، والدليل أنهم أماتوا عادل إمام مرات ومرات وهو حي يرزق، أماتوه وهو محاط بمشاعر الحب من الملايين من عشاق فنه، وأصابوه بالزهايمر وهو الذي استخدم هذا المرض في فيلمه الذي يحمل اسم (زهايمر) قبل 12 سنة ليكشف جحود الأبناء، وترك جحود الإعلاميين لكي تكشفه الأيام ويكتشفه الجمهور والرأي العام حتى يضعهم في المكان المناسب وينصرف عنهم بحثاً عن الحقيقة بنفسه.
نظرياً، لا عادل إمام ولا أنا ولا أنت ولا أحد فوق هذا الكوكب بمنأى عن المرض، وجميعنا معرض لأن يصاب بأي مرض، ومن حق أي منا أن يخفي ذلك أو يعلنه، وليس من حق أي إعلامي أن يقتحم خصوصيات النجوم ويعلن عن شيء لا يحبون الإعلان عنه، وليس من حق الإعلام ولا الرأي العام سوى ما يتعلق بأعمال هذا النجم أو ذاك، وعندما يكون الإعلام هدفه الحقيقة فهو يسعى للحقيقة التي تؤثر على حياة الناس وليست تلك التي تنال من خصوصياتهم، ولكن إعلاميونا انصرفوا عن المؤثر والحقيقي وامتهنوا الخوض في الخصوصيات وتلفيق الأكاذيب.
عملياً، عادل إمام بلغ من العمر 82 عاما، وندعو الله أن يطيل عمره لأسرته ومحبيه، وهذا الرجل منحنا عمره وترك لنا مئات الأعمال الفنية التي ستظل جاذبة للجمهور ومضحكة للناس، ومن حقه اليوم أن يستريح وأن يهرب من ضوضاء الحياة وإزعاج المتطفلين وملاحقات الإعلام، وقرار الوقوف أمام الكاميرا من عدمه قرار يخصه وحده، وقرار الظهور في الحياة العامة أو الهروب التام منها أيضا يخصه وحده، وأياً كان قراره من حقنا أن نحترمه ولا نعلن عنه شيئاً إلا بإرادته أو بإرادة عائلته، وأياً كان قراره سيظل زعيم، نعم زعيم كما أراده الناس بعد أن اعتلى عرش النجومية أكثر من نصف قرن، ولم ينجح أحد في زحزحته عن مكانته كل هذه المدة، بفضل موهبته وذكائه وتجدده.
عادل إمام لم يرد ولكن تطوع آخرون للرد نيابة عنه، وعلى رأسهم شقيقه عصام وعدد من الفنانين والفنانات الذين يحرصون على التواصل معه، ونقيب المهن التمثيلية، والجميع أجمع أن الزعيم بخير وأن إصابته بالزهايمر خبر عار تماماً من الصحة.
لا أدري سر إصرار البعض على هدم رموزنا والنيل من كبارنا وتشويه صورة عظمائنا، في وقت تسعى بعض الدول الخاوية من المواهب والمبدعين على خلق رموز لها ودعمها بكل السبل حتى يتباهون بها، ولا يسمحون لأحد مهما كان بالنيل منها أو تشويه صورتها. يبدو أن من أقدارنا أن يعيش بيننا من يسعون إلى خلق مجد زائف لهم ولو على حساب القيم والمبادئ وبالضرب في الرموز، وهو ما لن يتوقف إلا بمواقف رسمية وشعبية تجاه هؤلاء.