الشيخ (عبدالباسط عبدالصمد) يتجه إلى الغناء ، و(عبدالحليم حافظ) يرتل القرآن ؟!
* الشيخ الشرباصي: إذا كان موضوع الغناء نبيلا كريما فليس هناك أي مانع يمنع مرتل القرآن من أن يغني
* إحسان عبدالقدوس: طالبت بتلحين القرآن، وطلبت من الإذاعة بأن تسمح للمطربين بترتيل القرآن
* عبدالباسط عبدالصمد: أغني في جلساتي الخاصة أغنيات عبدالوهاب وعبدالحليم، وأم كلثوم عشقي
* عبدالحليم حافظ: أتمنى أن تسمح لي الإذاعة في يوم من الأيام أن أرتل القرآن الكريم.
* مصطفى إسماعيل : لا يوجد حرمانية في تحويل المطرب إلى مقرئ والعك
كتب : أحمد السماحي
هل يفشل الشيخ (عبدالباسط عبدالصمد) إذا غنى (ظلموه القلب الخالي ظلموه)؟! تحت هذا العنوان أجرت مجلة (الكواكب) عام 1958 تحقيقا صحفيا عن سر عدم تحول المطربين إلى مرتلين قرآن؟ وعدم تحول شيوخ التلاوة إلى مطربين؟!.
وبدأ الكاتب الصحفي (جميل الباجوري) تحقيقه بعدة أسئلة قال فيها ماذا يحدث لو إنك فتحت الراديو فسمعت المذيع يقول: (هنا القاهرة الآن عبدالحليم حافظ يرتل آيات بينات من القرآن الكريم من سورة البقرة، هل تعتريك الدهشة لماذا؟ وأيضا ماذا يكون شعورك لو إنك سمعت المذيع بعد ذلك يقول: هنا القاهرة، تسمعون الآن (ظلموه القلب الخالي ظلموه)، من كلمات حسين السيد، وألحان محمد عبدالوهاب، وغناء الشيخ (عبدالباسط عبدالصمد).
مهلا لا تأخذ الأمر من ناحيتك فقط، ولا تقل أن الدنيا انقلبت أوضاعها أو أن هذا مخالف للمعتاد أو أن هذا كفر وإلحاد، لقد سألت في هذا الموضوع المقرئين وأهل الدين والمطربين والكتاب، وأهل الفكر في الأزهر، وبدأت بفضيلة الأستاذ (أحمد الشرباصي) الأستاذ بالأزهر، والمرشد العام لجمعيات الشبان المسلمين، وهو شاب مثقف وله آراء جريئة في حدود العلم والدين واللياقة، وسألته: ألا يجوز لمرتل القرآن أن يغني؟
فقال: الغناء فن من الفنون الخطيرة الشأن العميقة الأثر، وهو من الفنون التى يتوقف الرأي الديني فيها على موضوعها وطريقتها، فإذا كان موضوع الغناء نبيلا كريما فليس هناك أي مانع يمنع مرتل القرآن من أن يغني هذا الغناء النبيل الرفيع.
* هل ترتيل القرآن فن كالغناء؟
** الترتيل القرآني فن صميم له أصوله وقواعده الصوتية والفنية والموسيقية، وعندنا علم يسمى في اصطلاح الأزهريين (علم التجويد) يحلو لي كما يحلو لكثير من أفاضل العلماء ومنهم أعضاء في جماعة كبار العلماء أن يسميه (علم الموسيقى القرآنية) لأن هذا العلم يتعرض لفن الأصوات وأداء الكلمات والنطق بالحروف، والكيفية التى تتكيف بها الجملة عند أدائها، كما أن هذا العلم يتحدث بالتفاصيل عن مخرج كل حرف من الحروف الملفوظة، وأظن أن هذه البحوث من صميم الموسيقى ويوجد مثل هذه البحوث أو نحوها في قواعد الغناء وأصوله، وفي هذا يتبين بوضوح أن الترتيل فن أصيل من الفنون التى لها قواعدها الفنية وأصولها الموسيقية.
*هل هناك ما يمنع من أن نسمع عن طريق الإذاعة مقرئا في الصباح يرتل القرآن الكريم، ثم نسمعه في المساء ينشد أغنية من الأغنيات؟
** ليس هناك ما يمنع من سماعنا للشخص الواحد مرتلا ومغنيا ما دمنا في حدود الأوضاع الضرورية التى سبق لنا الحديث عنها، فليس هناك مثلا ما يمنع من أن أسمع مرتل القرآن يذكرني في الصباح بهدى الرحمن، ثم اسمعه في المساء وهو يرتل أغنية رفيعة نبيلة تثير أكرم العواطف وأنبل المشاعر في صدور السامعين مثل (إلهي ليس لي عونا سواك، أو النيل نجاشي أو الكرنك، أو الله أكبر فوق كيد المعتدي) وغيرها ويا سلام لو بصوت الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي أو الشيخ محمود الحصري وهما من أجود قرائنا.
* لقد منعت الإذاعة تسجيلا فيه آيات قرآنية رتلتها أم كلثوم فما رأيك؟
** لست أرى ما يمنع إذاعة مثل هذا التسجيل، ما دامت قد توافرت فيه أصول الترتيل وقواعد التجويد والبعد عن الهيئة التى لا تليق بجلال القرآن، وأظنك تذكر معي أن الإذاعة كانت إلى عهد قريب تخصص إذاعات لسيدات وآنسات يرتلن فيها القرآن الكريم، ولا أدري على أي أساس عادت الإذاعة إلى منع مثل هذه الإذاعات؟!
أغني لعبدالوهاب وحليم
* بعدها اتجهت إلى الشيخ (عبدالباسط عبدالصمد) وسألته هل ممكن أن يتحول الى المرتل إلى مطرب والعكس صحيح؟
** الصفة المشتركة بين المقرئ والمطرب هى الصوت الجميل، ولكن معنى أن يتحول المقرئ من ترتيل القرآن إلى ترتيل الأغنيات فيها شيئ من عدم اللياقة، ثم أن الأمر يحتاج إلى تمرين ودراسة، وليس مجرد أن يفكر المقرئ في الغناء أو أيضا المطرب في ترتيل القرآن فيجد الطريق من أمامه ممهدا بل أن الأمر ليس بهذه السهولة والبساطة، وأحب أن أقول أن الأمر بعيد كل البعد عن الحرمانية، إنما فيه ذوق وعادات وتقاليد.
أنا لا أشك في أن هناك من المطربين من يحلو له في خلوة أو مع مجموعة من أصدقائه أن يرتل القرآن وسيرتل، ولكنه لن يجيد كما يجيد الغناء، وعلى رأي المثل (إدي العيش لخبازه ولو يأكل نصه)، والحكاية تمرين وأنا شخصيا لو تمرنت وتعلمت الغناء في صغري لكنت مطربا ناجحا، ولكنني تعلمت وحفظت القرآن لأكون مرتلا، وأنا لا أنكر أنني في كثير من خلوتي وبيني وبين نفسي يحلو لي أن أردد بعض أغنيات (محمد عبدالوهاب، وعبدالحليم حافظ، وعباس البليدي، ومحمد الكحلاوى)، كما أنني من عشاق صوت وأغنيات أم كلثوم وأردد منها الكثير .
لو فرشوا الطريق أمامي ذهبا
وقال الشيخ مصطفى إسماعيل : المطرب والمقرئ يشتركان معا في نعمة الصوت الجميل، هذه حقيقة لا مراء فيها، ولكني لا أتصور نفسي حاليا أن أقف أمام الميكرفون وبدل من أن أرتل القرآن أغني لعبدالوهاب أو غيره أغنيات دينية أو عاطفية أو وطنية، فأنني سأفشل وسأفقد جمهوري، أن مهنتي أن أرتل القرآن، ومنذ نشأتي وأنا أرتل القرآن وليس من المعقول أن أتحول من مقرئ إلى مطرب حتى لو فرشوا أمامي الطريق ذهبا وجواهرا، حقا إنه ليس هناك من حرمانية في ذلك ولكن الأمر يرجع إلى الذوق والاستعداد والتمرين.
أتمنى أن أرتل القرآن
قال المطرب عبدالحليم حافظ في هذه القضية: أنني أؤكد لك أن (عبدالباسط عبدالصمد) لن يفشل إذا تحول من مقرئ إلى مغن فهو صاحب صوت جميل، ولكن الأمر يحتاج إلى تمرين وإعداد وصقل، ولو تم له كل ذلك فأؤكد لك إنه سينجح وسيجد له معجبين وعشاقا كما له الآن، وأنا شخصيا أتمنى من كل قلبي وصادقا فيما أتمنى أن تسمح لي الإذاعة في يوم من الأيام أن أرتل القرآن الكريم، ولقد تعودت في كثير من الليالي أن أجلس إلى نفسي وافتح المصحف وأرتل بعض الآيات الكريمة وكثيرون ممن يسمعونني وأنا أرتل القرآن يشهدون بصلاحيتي لترتيل القرآن.
للقرآن طريقة خاصة
أما الموسيقار فريد الأطرش فيقول: المقرئون يمتازون بالنفس الطويل والصوت الرخيم والإحساس المرهف، ولاشك أيضا بالآذن الموسيقية وهذه هى مميزات المطرب أيضا، ولكني أرى أن الصوت مهما كان جميلا فلابد من التمرين والصقل، حتى يؤدي دوره بإتقان إذ ليس من المعقول أن يتحول المقرئ إلى مطرب أو المطرب إلى مقرئ بمجرد إنه يرغب في ذلك، صحيح إنه في إمكان الشيخ مصطفى إسماعيل، وعبدالباسط عبدالصمد أن يغني ولكن لن يكون غناءهما على أساس سليم، وبالتالي لا يمكنني أو يمكن عبدالوهاب أو عبدالحليم أن نرتل القرآن لمجرد إننا نريد أن نرتل فللقرآن طريقة خاصة لتلاوته وللغناء طريق آخر.
إذن لو تمرن مصطفى إسماعيا وعبدالباسط ولهما من المميزات التى شرحتها لاستطاعا أن يؤديا الغناء بطريقة سليمة ويجدا معجبين لهما في الغناء.
طالبت بتلحين القرآن
أما الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس فقال في هذه القضية الشائكة: أعتقد أن الفن لا يتعارض مع الدين فالفن هو أسمى شيئ في الوجود، وتجويد القرآن نفسه يتطور لقد أصبحت هناك آيات يؤديها المقرئ بطريقة قريبة جدا للتلحين القديم، التلحين الشرقي الأصيل، والمقرئ كثيرا ما يحلو له وهو يرتل القرآن أن يظهر جمال صوته بنغمات أقرب إلى الغناء منها إلى التجويد، وعبدالباسط عبدالصمد ما سمعه أحد وهو يرتل القرآن بصوته العذب إلا وقال إنه يغني!، فهذه البحة التى في صوته إنما هي بحة مطرب.
ولقد جمعتنا جلسات كثيرة مع مقرئين ومطربين فغنى المقرئون ورتل المطربون وكان النجاح حليفهم جميعا، إنني من قبل قد طالبت بتلحين القرآن، وطلبت من الإذاعة بأن تسمح للمطربين بترتيل القرآن، وأنا اليوم لا أجد غضاضة في أن أطلب من الإذاعة أن تسمح للمقرئين بالغناء، وليكن مبدئيا كما يقدم الشيخ محمد الفيومي، لقد كنا نسمع الشيخ علي محمود وهو يرتل القرآن وبعدها بربع ساعة يجلس وسط تخته الموسيقي ليغني وكان بديعا.