بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
ما ترى طير وارتفع الا كما طار وقع…
يصدق هذا المثل على النجم الأسطورة الفنان والإعلامي والطيار والممثل والمؤلف والمنتج والمخرج أحمد سالم..
نحكي الحكايه من البداية:
كان أحمد سالم هو أول طيار في العالم يعبر البحر المتوسط بطائره شراعية عام 1931 وكان في العشرين من عمره بعد دراسته للطيران في إنجلترا، وهو أول صوت يستمع إليه المصريون من الراديو عند الافتتاح الرسمي للإذاعه وهو يقول: (هنا القاهرة).
وقد لفت أحمد سالم إليه الأنظار بما كان يملك عن في الصحافه المصريه من اشتغاله بالسينما عندما استعان به (طلعت حرب باشا) مؤسس الاقتصاد المصري ليكون مديرا لاستوديو مصر، وكان هو الذي استطاع إقناع (نجيب الريحاني) بالعمل في السينما وألا يكتفي بكونه نجما مسرحيا لأن المسرح لا يعيش طويلا لكن السينما هى الفن الذي يعيش مئات السنين، وكانت النتيجه هى اقتناع (نجيب الريحاني) ليبدأ مع أحمد سالم وبديع خيري ومعهما أحمد سالم في كتابه سيناريو فيلم (سلامة في خير) الذي اشترك ثلاثتهم في كتابته.
كان أحمد سالم معروف بثرائه ووسامته وخفة ظله فوق أنه كان كثير الزواج، وفي أثناء جوله له في فلسطين للبحث عن وجوه تصلح للعمل في أفلامه، وكان في ذلك الوقت متزوجا من الفنانه (أمينه البارودي) كما خطب الفنانه (تحيه كاريوكا) وبعدها بالزواج، لكنه كان بصحبته (فريد الأطرش) التقى باسمهان ووقع في حبها رغم زواجه من صديقتها (أمينه البارودي)، وقد وجدتها (أسمهان) فرصه لدخول مصر التي كانت ممنوعه من دخولها باعتبار أنها أجنبيه فرنسيه لولا تدخل خال الملكة فريدة لإدخال أسمهان مصر بعد زواجها من مصري.
وتسافر (تحية كاريوكا) لإحياء بعض الحفلات في بيروت وحلب لمدة أسبوع عادت بعدها إلى فلسطين لتجد أسمهان وأحمد سالم قد تزوجا شرعيا، وكانت مشاجرة بين تحية كاريوكا وأحمد سالم وأسمهان بعودة تحية كاريوكا إلى القاهرة.
ثم بدأت الغيرة بين أحمد سالم وأسمهان لخروجها وسهرها المتكرر خارج بيت الزوجية رغم حاله الحبس التي وضعها أحمد سالم في مذكراته بأنها كانت أجمل شهر عسل بين حبيبين، ولم تتحمل أسمهان غيرة أحمد سالم الذي اشتعلت الغيرة بينه وبينها عندما طلبت منه الطلاق فأطلق عليه وهو مخمور رصاصة خطأ فانطلقت هاربة من البيت في حاله هستيرية لتتصل بأحمد باشا حسنين وتخبره بالواقعه فيجرى اتصالا ليرسل ضابط كبير ورتبه أميرلاي للقبض على أحمد سالم، وتبادل سالم والأميرلاي الرصاص ويصيب الضابط أحمد سالم ويدخل المستشفى لعلاجه، لكنه يموت أثناء استخراج الرصاصه عن عمر يناهز 39 عاما.
وكانت اسمهان في ذلك الوقت مشغوله بفيلم (غرام وانتقام) مع يوسف وهبي حتى حدثت حادثه غرقها المشهوره عام 1944 ليتوفى أحمد سالم بعدها بخمس سنوات ليخرج فيلمه الأخير (دموع الفرح) بعد وفاته، وما نحكيه عن أحمد سالم نحكيه أيضا عن أفلامه الـ 14 التي مثلها وأنتجها وأخرجها منذ عام 1939 وحنى 1950 وكانت على الترتيب:
أجنحه الصحراء 1939، ثم رجل المستقبل 1946، بعدها ياتي فيلم الماضي المجهول 1946، وهو الفيلم الوحيد الذي بقي في تاريخ أفلامه التي احترقت جميعها في الحريق المشهور لاستوديو مصر، وكان الفيلم من بطوله (ليلى مراد، بشارة وكيم، أحمد سالم فردوس محمد، أحمد علام، السيد بدير، أمينه نور الدين، سعيد أبو بكر، محمد كمال المصري، هاجر حمدي).
اما باقي الأفلام وكلها من تأليفه وإنتاجه وإخراجه، فكانت (البريمو 1947) واشترك فيه (سهام رفقي ومحمود شكوكو وفردوس محمد وميري منيب والسيد بدير) تلاها فيلم (شمشون الجبار 1947) بطوله (سراج منير وهاجر حمدي وعماد حمدي وعبد الوارث عسر وسعاد مكاوي ومحمود المليجي ومحمود السبع ومحمد الديب ورفيعه الشال)، وفي نفس العام 1947 ينتج فيلم (المنتقم) من تأليفه وبطولته مع (نور الهدى ومحمود المليجي وبشارة وكيم ولولا صدقي ودولت أبيض ومحمود السبع وثريا فخري وعبد العزيز محمود).
ومن الغريب أن سيدة الشاشة العربية وكانت طفلة قد مثلت أحد افلامه مع (سليمان نجيب ودولت أبيض وراقية إبراهيم) وكان الفيلم من إنتاج 1946 باسم (دنيا).
وتلت تلك الأفلام مجموعة أخرى من إنتاجه وإخراجه وكلها تدل على براعة وإتقانه لفنه وقدرته على أن يجمع كل نجوم التمثيل المعروفين ذلك الوقت، ومن هذه الأفلام كانت أفلام (ابن عنتر، المستقبل المجهول، رجل المستقبل، حياه حائرة 1948)، والذي شاركت في أيضا (فاتن حمامة الطفلة) مع الأساتذة (فرج النحاس، عبد العزيز محمود، عبد الحميد زكي، ساميه رشدي) كما عرف (إسماعيل ياسين) طريقه إلى أفلام أحمد سالم في فيلم (ابن عنتر 1947) مع (مديحه يسري وسراج منير والسيد بدير وسيفان رشدي وفاخر فاخر ونيللي مظلوم ولطفي الحكيم والبطل العالمي مختار حسين).
وأغرب ما في حكايه أحمد سالم الذي انطلق كنجم منذ سن العشرين ليلمع ويسطع في سماء مصر بأفلامه وغرامياته ليسقط بعد ذلك سقوطا مدويا ومفجعا عندما يحترق (ستوديو مصر) الذي هو مديره، فلا يتبقى من كل ما ألف وأنتج ومثل وأخرج إلا فيلم واحد هو (الماضي المجهول) مع ليلى مراد الأخيرة في تأثيرها على نهايته قبل كارثه احتراق الأفلام، وهو ما طلبه منه (طلعت باشا حرب)، وكان يثق فيه ثقه مطلقة ونشاطه واجتهاده.
وكانت حكاية غريبة لا يكاد يصدقها عقل عندما طلب منه الباشا أن يأتي إلى (ستوديو مصر) صباحا ومعه ساندويتش طعمية، نعم ساندوتش طعمية، كان شرط الباشا الوحيد
أن يكون من محلات (أبو ظريف) في باب اللوق.
لكن الأسطورة (أحمد سالم) المشغول بكل ما في الدنيا من نجوميته السينمائية وغزل البنات والثروه والشهره ينسى الساندويتش ولا يتذكره إلا وهو يدخل (ستوديو مصر) بسيارته فيعود مسرعا إلى شارع الهرم يبحث عن أقرب محل للفول حتى يجد واحدا بالقرب من ميدان الجيزه فيشتري الساندوتش بسرعه ويقدمه للباشا الذي لم يكن قد تناول إفطاره بعد..
ويسأل الباشا وهو يفتح الكيس إن كان الساندويتش كما طلب من محلات أبو ظريفه؟، فيرد (أحمد سالم) بكل الثقه مع ابتسامته المعروفة:
طبعا يا باشا.
لكن الباشا بعد ما قدمه له الساندوتش سرعان ما يلقي بالساندوتش كله في صندوق القمامة، وقد تغيرت ملامح وجهه قائلا: كذاب أبو ظريفه ما فتحش المحل النهارده.
إلا الكذب يا.. هذا الساندوتش ليس من محلات أبو ظريفه!!!
ويقف (أحمد سالم) كالتمثال لا يعرف ماذا يقول، لكن الباشا يبادره:
إلا الكذب يا أحمد في حاجة صغيرة لأن هذا يعني أنك تكذب في اللي أكبر منها بالالاف المرات!!! .. وأنا ما اقدرش استحمل واحد كذاب يشتغل معايا.
ثم يشير إلى باب الخروج قائلا:
مع السلامه يا أحمد…. أنا ما أحبش يكون معي كذابين!!!، يلا قدم استقالتك وما وما شوفش وشك ثاني!