بقلم : بهاء الدين يوسف
بينما نطالع بشكل منتظم أخبار الأرقام الفلكية والمبالغ فيها التي يتقاضاها بعض الفنانين عن أعمال درامية عليها الكثير من الملاحظات النقدية، تتجاهل وسائل الإعلام العربية معاناة عشرات أو لنقل مئات الفنانين الآخرين الذين غاب نجمهم وتراجعت أدوارهم وباتوا يجلسون على رصيف الفقر في انتظار دور هامشي على سبيل الحسنة من ذلك المنتج أو تلك الشركة.
معاناة هؤلاء الفنانين أو لنقل بوصف أكثر دقة مأساتهم فجرها حوار تليفزيوني للنجم (خالد زكي) الذي كان الفتى الأول في العديد من الأعمال الدرامية الناجحة طوال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، بل يمكن القول أنه كان فتى أحلام مئات الفتيات المراهقات في تلك الفترة، لكن الزمن دار دورته وأعطاه ظهره ليظهر في أعمال نادرة ولا يتذكره المنتجون إلا فيما ندر رغم قدرته التي لا ينكرها إلا جاحد في تطوير موهبته ليؤدي دور الأب والرجل الناضج متخليا عن صورة فارس الأحلام المحفورة في ذاكرة الفتيات سابقا اللائي أصبحن أمهات وربما جدات أيضا، ولعلنا نتذكر دور وزير الداخلية الذي قدمه بكفاءة ملفتة في مسلسل صاحب السعادة مع الفنان عادل إمام.
خالد زكي شكا من أنه لم يعد يحصل على أدوار كافية لتدبير نفقات معيشته وأنه خائف من أن يصيبه المرض ولا يستطيع تدبير تكاليف علاجه مثلما حدث قبله للعديد من الفنانين الذين كانوا ملء السمع والأبصار في وقت ما ثم تحولت أوضاعهم إلى النقيض بعد أن انحسرت الأضواء عنهم، ولعلنا هنا لا يمكن أن نتذكر فنانا أشهر من اسماعيل يس الذي ظل طوال ما يقرب من عقدين من الزمان الحصان الرابح لكل المنتجين قبل أن تغرب عنه شمس النجومية ويدير الحظ ظهره له ليموت فقيرا تعيسا.
بقليل من البحث اكتشفت أن (خالد زكي) ليس وحده من يعاني ولكن هناك عديد الفنانين الذين يقاومون الفقر والعوز منهم (سيف عبد الرحمن) الذي لمع نجمه لفترة قصيرة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي قبل أن يأفل سريعا ولم يشفع له عمله الإداري في شركة مصر العالمية للأفلام في مساعدته على تدبير نفقاته وبات يشكو من الفقر قائلا: أن معاش النقابة لا يكفي وجبة عشاء واحدة حيث لا يزيد عن 2200 جنيه.
وهناك عشرات الحالات الأخرى لفنانين من الصف الثاني والثالث يواجهون ظروفا مشابهة مثلما كان هناك عشرات الفنانين المرموقين في عصور سابقة وقعوا في نفس حفرة الفقر والحاجة في آواخر حياتهم، بل يمكن القول أن من حافظوا على حضورهم الفني حتى نهاية حياتهم كانوا قليلين للغاية في أي جيل.
لكن هناك سؤال لابد إنه قفز الى ذهن كل من يقرأ المقال مثلما جاء في ذهني وهو لماذا لا يعمل الفنانون حسابهم ويدخرون أموالا بيضاء تنفعهم في الأيام السوداء؟! .. سؤال وجيه لكن يبدو أن هناك ردود منطقية عليه، أولها أن أغلب الفنانين اعتادوا على أنماط معينة من الحياة ومن الإنفاق (المكلف) على الشكل والمظاهر وهى تكاليف يمكن تدبيرها كلما بقيت الدنيا تضحك لهم وتفتح لهم ابواب وخزائن المنتجين، لكن مع انحسار الحظ يمكن لمن ادخر منهم بعض المال أن يحافظ على تلك المظاهر لعدة شهور أو ربما لعامين أو ثلاثة، لكنه بالتأكيد سيفقد مدخراته وفي نفس الوقت لن يستطيع تغيير نمط حياته ليبدأ في الرحلة الملعونة وهى الاقتراض ليجد نفسه في النهاية أسيرا ليس فقط للفقر ولكن للديون والملاحقات القضائية، وهو ما واجهه من قبل الفنان إسماعيل يس الذي تمكن في وقت العز من بناء عمارة تحمل اسمه في حي الزمالك الراقي، لكن بعد أن أدارت له الدنيا ظهرها وقع في الديون حتى اضطر لبيع العمارة لتسديد ما عليه.
وهناك فنانين أسوأ حظا مثل الفنان الراحل (عبد السلام النابلسي) الذي كان ذكيا مدركا لتقلبات الزمن وتمكن من عمل إيداعات بنكية جيدة تقيه شر الحاجة في الكبر، لكن حظه السيء أن البنك اللبناني الذي اختاره ليودع فيه ثروته بعد هجرته إلى بيروت أفلس لتضيع الثروة ومعها يضيع العمر يا ولدي.