الإنشاد الديني يتحدى فوضى المهرجانات في (محكى القلعة)
كتب : محمد حبوشة
في تحد واضح لفوضى ظاهرة المهرجانات القبيحة بصخبها وضجيجها المقزز، احتشد الجمهور المصري من مختلف الفئات العمرية، وملأوا جنبات (مسرح المحكى) في مهرجان القلعة للموسيقى والغناء في دورته الثلاثين، مؤكدا على سلامة الذائقة المصرية، من خلال حفل (الشيخ ياسين التهامي) الذي قدم عددا من الأناشيد وأبيات الأشعار الصوفية، وقصائد المديح النبوى والابتهالات التى تفاعل معها الحضور، ليلقى الضوء على مجموعات نادرة من الأعمال والقصائد التراثية، ويؤكد استعادة الإنشاد الدينى لأمجاده ومكانته المرموقة التى احتلها على ساحة الفنون العربية.
وكعادته استطاع الشيخ ياسين التهامي خلق حالة من السمو الوجدانى على مسرح القلعة، واستقبله جمهوره من مختلف الثقافات والفئات العمرية، وتفاعل الجمهور معه، ومن قبله وفي مجال الإنشاد الديني أيضا شهد حفل فرقة (الحضرة) حضورا جماهيريا كبيرا، وتفاعل الحضور مع وصلة الإنشاد الديني التي قدمتها الفرقة ومزجت فيها بين مجموعة من المدائح والموشحات وقصائد التراث، حيث قدمت أعمال: (المحمدية، عودي يا ليالي الرضا، أيها المشتاق لا تنم ، يا إله الكون إنا لك صومنا، اسمع مديح النبي ترتاح، يا من خلقت الورى، صلى عليك الهادي، وغيرها.
وقدمت فرقة (مواويل) بقيادة سيد إمام وعبد الرحمن بلالة، حفلا ضمن أيام فعاليات مهرجان القلعة للموسيقى والغناء، وتفاعل الجمهور مع أغانيهم ومنها: (احنا البلدي وياليل يابو الليالي ويابت جمالك وقمر سيدنا النبي) وعدد من المواويل، كما قدموا أغنية (فكرونى) لكوكب الشرق أم كلثوم، ومن هنا أكد هؤلاء المنشدين أن الإنشاد الديني والغناء الرصين مازال يتذوقه الجمهور المصري بشغف وأن هناك أمل في اعتدال المزاج العام، والعودة إلى أجواء الفنان (محمد الكحلاوي) صاحب (حب النبي يابا دوبني دوب… عن المعاصي يابا توبني توب)، ما يشير إلى أن مديح النبي محمد فن عشقه المصريون على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية، بل وانتماءاتهم الدينية أيضا.
فمدرسة المديح النبوي في مصر مليئة بالأسماء التي رسخت هذا الفن، وجعلته حاضراً في كل المناسبات، في بلدان عربية وأجنبية أيضا، بداية من الشيخ علي محمود، النقشبندي، طه الفشني، نصر الدين طوبار، ومحمد الكحلاوي، وانتهاء بالشيخ أحمد التوني، ياسين التهامي، العربي البلبيسي وغيرهم؛ استمر المديح واتسعت رقعة جمهوره، لكن ما لا يعرفه الكثيرون تلك البصمة القوية، والحاضرة التي تركها شيوخ المداحين، على نجوم الغناء والموسيقى في مصر، ولا يزال بعضهم عاشقا لهذا الفن.
ومما لا يعرفه كثيرون من عشاق صوت المبتهل الشيخ (نصر الدين طوبار) أنه تقدم لاختبارات الإذاعة المصرية ست مرات متتالية وتم رفضه، ولم ينجح إلا بعد أن تتلمذ على يد موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، الذي لقنه أصول المقامات وارتباط اللحن بطبقات الصوت، وعلمه مخارج الألفاظ ودقتها عند الابتهال، وهو ما جعله يجتاز الامتحان بجدارة في المرة السابعة، بعد ثماني سنوات من المحاولات، ليصبح الشيخ نصر الدين طوبار واحدا من أهم المنشدين في الإذاعة المصرية، رافق صوته العذب المصريين في أحداث تاريخية هامة، حيث قدم أول ابتهال في حرب أكتوبر 1973، ليثني عليه الرئيس السادات، ويقرر اصطحابه معه في زيارته الشهيرة للقدس في عام 1977، لينشد طوبار ابتهالات في المسجد الأقصى وينال شهرة عالمية.
كما عرف عن (طوبار) تعاونه مع نجوم الفن في مصر، فقد تعاون مع بليغ حمدي وكمال الطويل في وضع القالب الموسيقي المميز لابتهالاته وأناشيده الدينية، التي زاد عددها عن 200 ابتهال، وكذلك مع الشاعرين مرسي جميل عزيز وعبد الفتاح مصطفى في نظم كلماتها.
وجدير بالذكر أن كوكب الشرق أم كلثوم بدأت مشوارها الفني من ساحة الموالد الشعبية وليالي المديح النبوية، فتتلمذت على يد الشيوخ والمنشدين، لذلك ظل للمديح النبوي مكانة خاصة لديها، حتى بعد شهرتها وتألقها، و لم تتكاسل أم كلثوم عن حضور ليالي المديح في الموالد الكبرى، حيث كانت ضيفة دائمة على مولد السيد البدوي بطنطا، وكانت تلتقي هناك بالمقرئين والمدّاحين، فتوطدت علاقتها بمشاهيرهم، حيث عرف عنها صداقتها بالمنشد الشهير (سيد النقشبندي)، الذي حكي عن علاقته بكوكب الشرق في حوار إذاعي نادر، أجراه معه الإذاعي الكبير، طاهر أبو زيد، للإذاعة المصرية.
كشف الشيخ آنذاك عن إعجابه الشديد بكوكب الشرق منذ أن كان صبيا وأنه كان يقلدها، وأخبرها بذلك حينما التقى بها في مولد السيد البدوي بطنطا، وهو الأمر الذي أسعدها كثيرا وقتها، وكانت كوكب الشرق كذلك من أشد المعجبين بحنجرة الشيخ (النقشبندي)، وكانت تستعد لإتمام مشروع غنائي ديني مع الشيخ الجليل، يقوم بإعداده الموسيقار بليغ حمدي، بتوجيهات من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، إلا أنه لم يتم بسبب الظروف الصحية لكوكب الشرق، والتي أدت لوفاتها بعد الاتفاق بينهما بوقت قليل.
ومن هنا فإن مهرجان القلعة للموسيقى والغناء في دورته الـ 30، أثبت أن جمهور المداحين لم يقتصر على الأجيال القديمة من المبدعين والفنانين، لكنه استمر مع الأجيال الأحدث، الذين أصبحوا عشاقا لنجوم المديح الجدد، كالشيخ ياسين التهامي، الذي استطاع أن يكسب فن المديح شرائح مختلفة من الجماهير كما حدث من خلال إنشاده الراقي على مسرح (محكى القلعة) ليلة أمس الثلاثاء 24 أغسطس.
معروف أن مهرجان القلعة للموسيقى والغناء انطلقت فعالياته الأربعاء الماضى 17 أغسطس في دورته الـ 30، والذى تنظمه دار الأوبرا، بحضور الدكتور مجدى صابر رئيس دار الأوبرا، والدكتور خالد داغر رئيس البيت الفنى للموسيقى والأوبرا والباليه، وتضم الفعاليات 42 حفلا متنوعا حتى 31 أغسطس الجارى، وتشمل الفعاليات عروضا لنخبة من نجوم الموسيقى والغناء فى مصر والوطن العربى إضافة إلى عدد من الفرق الأجنبية.
ويشار إلى أنه يحيى فعاليات الدورة 30 كل من: أوركسترا الأنامل الصغيرة بقيادة الدكتور راجي المقدم، مدحت صالح بمصاحبة الموسيقار عمرو سليم وفرقته، فريق مسار إجباري، مجموعة التشيللو State of Harmony + فرقة كاتاك (الهند)، دينا الوديدي وفرقتها، هشام عباس وفرقته، عازف الريكوردر مدحت ممدوح، الفريق المصرى الألمانى كايرو ستيبس بقيادة الموسيقار باسم درويش، کورال أطفال وشباب مركز التنمية المواهب، فرقة قلعة عمان (الأردن)، فريق أطفال كلاسيك، نجوم فرقة أوبرا القاهرة، مجموعة (الحضرة) للإنشاد الصوفي، علي الحجار وفرقته، فريق وسط البلد، المطربة مروة ناجي، عازفة الماريمبا نسمة عبد العزيز وفرقتها، مصطفى حجاج وفرقته، بغدادي بيج باند بقيادة الدكتور مجدى بغدادى، مى كمال وفرقتها، أحمد جمال وفرقته.
ويأتي على رأس المشاركين في تلك الفعاليات المنشد الشيخ ياسين التهامي، اللبنانية تانيا قسيس وفرقتها، فرقة مواويل (سيد إمام – عبد الرحمن بلالة)، أوركسترا النور والأمل، نوال الزغبي وفرقتها، هاني شاكر وفرقته، نادية مصطفي وفرقتها، حنان ماضي وفرقتها، نسمة محجوب وفرقتها، سبيد أوف هارتس بقيادة شريف عليان، السورية لينا شاماميان وفرقتها، فريق بلاك تيما، اللبنانية تانيا صالح وفرقتها، نوران أبو طالب وفرقتها، محمد محسن وفرقته، الموسيقار عمر خيـرت، إلى جانب حفلين لنجوم الأوبرا للموسيقى العربية، بالإضافة إلى عدد من الفرق الدولية منهم بنما وفنزويلا.