رجاء حسين : يوسف عوف قدمني للإذاعة وسناء جميل كانت سببا في زواجي
إعداد : أحمد السماحي
رحيل الفنانة الكبيرة (رجاء حسين) أمس جعل الكثير من الجمهور يحزن لرحيل واحدة كانت على مدى 60 عاما هى واحدة من الأسرة المصرية والعربية بأدوارها القريبة منهم، والتى تسللت بفضل أدائها البسيط التلقائي إلى قلوبهم وكثافة الحضور التى حققتها من خلال أعمالها تجعلك تخجل من الاستشهاد بعمل دون الآخر، والتوقف عند عمل بعينه سيكون فيه شبهة الإهانة لبعض الأعمال الأخرى لأن هذا العمل أو ذاك ربما لا يكون شيئا يذكر بالنسبة لمسيرة (رجاء حسين).
لهذا قررنا أن نتوقف في هذا التقرير عند حياتها الخاصة، لترسم الكلمات التى أدلت بها في بعض البرامج والصحف، صورة جميلة لعصر لم نعيشه، وزمن مضى نحن إليه بعاداته وتقاليده ونجومه، فإليكم نص كلمات (رجاء حسين) التى ترسم مشوارها الفني والشخصي:
** الحقيقة أن الأسرة لم تعترض على عملي بالفن، لأني عملت بالفن (من وراهم) أي دون علمهم! فلا أبي ولا أمي كانا يعلمان حقيقة عملي بالفن، ولما عرف والدي كانت الطامة الكبرى، فقد التحقت بمعهد الفنون المسرحية معتقدين أنني في كلية الحقوق، وكانوا رافضين تماما لفكرة العمل بالفن لتدني نظرة المجتمع للفنانين الذين كانوا يوصفون بالمشخصاتية ولا يؤخذ بشهاداتهم في المحاكم.
** كنا أربع بنات وولدين وأنا أكبر إخوتي ومن كثرة انتقالنا في محافظات مصر بسبب عمل والدي كموظف في وزارة المالية، وكان يعاملني مثل الولد في تحمل المسؤولية، ومن هنا اكتسبت الشخصية القوية وقررت أن أصنع مستقبلي كيفما أشاء، ومع ذلك لم يكن في تفكيري أن أعمل بالفن، والمسألة تعود للمدرسة عندما قدمت أعمالا مسرحية على مسرح المدرسة وتكشفت موهبتي منذ ذلك الوقت، وعندما علم والدي بدراستي بمعهد الفنون بعد عام من الدراسة وضع شروطا صارمة تعلقت بمواعيد الخروج والعودة وعدم الاختلاط مع الفنانين وتبادل الزيارات معهم.
** لم يساعدني أحد نهائياً على مدى مشواري الفني، لكني أدين بالفضل لأساتذتي بالمعهد العالي للفنون المسرحية وفي المسرح القومي مثل (حمدي غيث ونبيل الألفي ونور الدمرداش وعبد الرحيم الزرقاني)، فهؤلاء الفنانون هم الذين اكتشفوا قدراتي وأخذت من كل منهم أفضل ما عنده، ومن بعدهم عملت مع (كرم مطاوع و(سعد أردش).
** ليس حقيقياً أن صوتي جميلا، فقد كنت مثل أي إنسان يحب الغناء مع نفسه وللأسف الشديد أنهم قالوا عني (صوتي حلو)!، لكن والدي رفض الغناء وقال لي: (شغل العوالم ده أنا مش عاوزه!)، والمرة الوحيدة التي غنيت فيها كان في فرح ابنة خالة زميلتي بالمدرسة وتصادف وجود الفنان (يوسف عوف) فأعجب بموهبتي وأخذني ليقدمني لركن الهواة بالإذاعة المصرية ومن خلاله شاركت في برنامج (ساعة لقلبك) الشهير الذي خرج منه نجوم كبار أمثال فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي.
** عملي في فرقة (الريحاني) عام 1958 جاء بالمصادفة، حيث كانت الكليات الجامعية آنذاك تستعين بطالبات وطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية في حفلات نهاية العام الدراسي، فأرسلت لي كلية الآداب للمشاركة في عمل مسرحي وعملت مع (محمد عوض وجمال إسماعيل)، وقدمنا رواية على مسرح الريحاني، وتصادف وجود (بديع خيري) وطلبني للعمل معه فأرسلوا لكلية الآداب في طلبي وكان العميد هو الدكتور(عبد القادر القط)، ورد عليهم بأنني لست طالبة بالكلية، وإنما بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وبالفعل التقيت ببديع خيري والتحقت بمسرح الريحاني لمدة عام فقط، وبعدها غلبني عشقي للمسرح القومي فالتحقت به، وقدمت أدوارا صغيرة بعضها صامت وتعلمت من خلال تلك الأدوار أصول التمثيل من أساتذتي، وأدين بالفضل للمسرح القومي في صقل موهبتي لإتاحته الفرصة لي أن أعمل مع أساتذة كبار وهم الذين وجهوني بشكل صحيح في التمثيل.
** طلبوني في المسرح القومي لأنهم كانوا يحتاجون إلى فتاة في مثل سني أي حوالي 17 سنة وهو سن لم يكن موجودا للممثلين في المسرح القومي وقتها، وتكلمت أمام (عباس فارس وعدلي كاسب) فشجعاني ونجحت في الامتحان، ومن يومها وأنا عضو بالمسرح القومي، ولكن التحاقي به أثار غضب الكثيرين وانتقاد البعض لي بسبب العمل به قبل تخرجي من المعهد، واعترضوا على وجودي بجوار (سناء جميل وسميحة أيوب وأمينة رزق وسهير البابلي وحسين رياض) وغيرهم من أقطاب الفن المصري.
** كانت الفنانة (ماري منيب) تدربني على أدوار زوزو شكيب، والحقيقة أن لها فضل كبير ووجهتني كثيرا على المسرح وتعلمت منها الكثير وكذلك (ميمي شكيب) كانت تعلمني، وكلهم ساعدوني كثيرا وجميعهم كانوا أناسا رائعين لم يكن بينهم الحقد الموجود حاليا، وكان هناك احترام متبادل بين الناس ولم تكن تعض في بعضها كما هو الآن، لذلك كان المناخ مناسبا لإنتاج وتقديم أجمل الأعمال وأعظمها،
ولكن للأسف لا يوجد ذلك الآن فهذا الجيل لا يرغب في التعلم ولا سماع النصائح، ويغضب لو حاولت أن أمنحه بعض خبراتي، بل يمكن أن يسخر مني ويقول لي: (هتعملي على أستاذة)؟!، وهو ما تعرضت له شخصيا من فنانين صغار للأسف ولا يعرفون أي شيء.
** سناء جميل سبب في معرفتي بزوجي الفنان (سيف عبدالرحمن) حيث كنت أمثل معها عام 1963 في مسرحية (الناس اللي فوق) على المسرح القومي، وكانت تمثل في نفس الوقت فيلم (فجر يوم جديد) ليوسف شاهين، بطولتها مع (سيف عبدالرجمن) وبعد انتهاء عملها في الفيلم كانت تصطحب (سيف) معها إلى المسرح، وتقابلنا وأحببنا بعض وتزوجنا في شهور قليلة.
** بصراحة رغم كوني مؤمنة جدا بقضاء الله وأن الموت حق علينا جميعا وأن أمي وأبي وإخوتي ماتوا جميعا ورغم أني سيدة عاقلة وحججت بيت الله الحرام 11 مرة بخلاف عشرات العمرات، إلا أن خبر استشهاد ابني (كريم) أصابني بصدمة غير طبيعية لأن (قلبي شافه قبل عيني)، وكنت أنتظر أنه هو الذي يحملني للقبر فإذا بي أفاجأ أنني أنا التي أحمله لقبره، فما أصعب تلك اللحظات على قلب الأم، وكان بيني وبين الجنون لحظة، وكنت أدعو الله اللهم اربط على قلبي كما ربطت على قلب (أم موسى) عندما ألقت ابنها في اليم، وسأظل متألمة بفراقه حتى ألقاه، وجزء من إيماني هو اليقين بأنني مهما عشت من عمر فلا بد أن أذهب لله لأن كل من عليها فان، وكلنا إلى زوال.