بقلم : علي عبد الرحمن
ظلت مصر رائدة في دنيا الإعلام، سبقا وبثا وإنتاجا وتوزيعا وتدريبا منذ دخول البث الإذاعي في منتصف الثلاثينيات، ومع دخول البث التليفزيوني في بداية الستينات وحتي بداية عصر القنوات الفضائيه في مطلع التسعينات، وظللنا نردد كلمة الريادة وكانت لها تبعاتها من سبق وإنتاج وتوزيع وتدريب وخبرات، ولكن مع دخول دول المنطقة عوالم البث الفضائي والأقمار الصناعيه ومدن الإنتاج والشبكات الدولية الكبرى أصبحت كلمة الريادة موروث بلا أدلة، فلا محتوي ولا سياسه تحريرية ولا انتاج ضخم تنافسي.
وأصبحنا نتلقي أخبارنا من حولنا ونستمتع بمشاهدة ما ينتجونه ويذيعونه، وتم سحب بساط الريادة تدريجيا، ونحن نشاهد ذلك رغم تعدد نوافذنا الإعلاميه وضخامة إنفاقنا الاعلامي ولم نستغل فرص المنافسة هذه في تجويد محتوانا أو في صياغة محددة لسياساتنا التحريرية أو في تدريب الكوادر أو إصلاح بيئة العمل، وانسحب هذا السلوك على صناعة الأخبار في مصر سواء جمعها أو صياغتها أو توزيعها أو تحليلها أو تحقيق السبق فيها.
وحاول الإعلام المصري على مدى سنوات ووزارات ووزراء تطوير مايذاع إخباريا، بداية بتطوير النشرات أو بث برامج إخباريه أو تعاون مع الـ BBC، ثم إطلاق (قناة النيل للأخبار)، ثم محاولة تطويرها ثم إطلاق (النايل تي في)، ثم إنشاء موقع ومركز أخبار مصر، وصاحب ذلك استقدام خبراء ومعدات وديكورات وغيرها من أدوات العمل الإخباري، ولكن لم نصل لسبق أو منافسة أو إشباع لهفة مواطنينا حول معرفة مايدور من حولنا، وتشتت أهلنا بحثا وراء الأخبار بمهنية وموضوعيه في محطات إذاعية دوليه أو قنوات عالمية وعربية سبقتنا في عالم صناعة الأخبار.
ولما لم يحقق الإعلام الرسمي مانصبو إليه ومايلائم قيمة وقامة مصر في مجال صناعة الأخبار حاول القطاع الخاص الإعلامي سد هذه الفجوه بين أخبارنا وأخبار من حولنا، فجاءت قناة (إكسترا نيوز)، ولم تنافس ولم تسبق ولم تحلل ولم توثق فظلت الحاجه إلي صناعة أخبار مصرية مهنيه وموضوعية تحقق السبق والمصداقية وتجمع حولها ملايين المشاهدين في وطننا العربي الكبير، وظلت الدعوة لقناة إخبارية مصرية سلوك متكرر كلما سنحت الفرصه لإنقاذ ماء وجه الإعلام المصري، حتى أعلنت (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) عن تدشين قطاع كامل للأخبار، وكأنه ليس لدي مصر قطاع كامل وقائم للأخبار وتحت إشراف (المتحدة) شخصيا، بل وصاحب هذه الدعوة إطلاق قنوات إخبارية وليست قناة واحدة علي سبيل الإختبار، إن نجحنا فلنكثر من هذه القنوات، وإن شابهت أقرانها السابقين فلنا شرف تكرار المحاوله.
أما وقد أصرت المتحده علي إطلاق الإقليمية للأخبار رغم سلسلة القنوات الإقليمية التي لدى الإعلام الرسمي والتي يمكن لو تم حسن توظيفها وتجهيزها أن تكون مراكز تجميع الأخبار وتحقيق السبق وتزويد الإعلام المركزي بذلك، كما حدث في أحداث السيول والمعديات وحريق قصر ثقافة بني سويف، ولكن لم يفكر أحد في تحويل هذه القنوات لمركز إنتاج إخباري ووثائقي وبرامجي، كما أعلنت المتحدة عن إطلاق قناة (القاهرة 24) الإخبارية علي غرار فرنسا 24 وغيرها من قنوات الأخبار المهنية الشهيرة.
فهل قناة (مصر الإخبارية) أفضل لها أن تحمل اسم (أم الدنيا) أم تكون الإقليمية أو القاهرة!، وهل الأفضل مراجعة الإمكانات الإخبارية القائمة من قطاع وقنوات ومعدات وكوادر وأرشيف، ثم حسن توظيفها وتطويرها لإطلاق خدمة إخبارية عصرية مصرية مهنية؟، أم غض الطرف عن كل ذلك وإطلاق قطاع وقنوات جديدة بميزانيات باهظة لأن صناعة الأخبار مكلفة؟، وهل الضيف الإخباري الجديد سيقضي حتما على ماهو قائم من كيانات إخباريه، أم سيضمها إليه؟، أم سيعتمد على أرشيفها وهو عصب صناعة الأخبار؟.
وهل وضعت (المتحدة) يدها على سلبيات كل تجارب صناعة الأخبار المصرية السابقة؟، وهل أوجدت حلا للمحتوي الجيد؟، وهل وضعت سياسة تحريرية مهنية واضحة؟، وهل عالجت قصور تواجد المندوبين في دول العالم والنقاط الساخنة منه؟، وهل اقتنعت بأن ترتيب نشرات الأخبار يكون حسب الأهمية الجماهيرية؟، وهل جهزت أفلاما وثائقيه تخدم ماوراء الخبر؟، وهل ستجد حلا لما هو قائم من قطاع وقنوات ومعدات وكوادر؟.
كل ذلك كان محور الصالون الثقافي الشهري لـ (المنتدي المصري للإعلام) والذي تم عقده في (مكتبة مصر الجديدة) حتي يكون لمصرنا منتدي كما سبقتنا دبي بمنتداها الاعلامي، وأيضا ليعود للمكتبات وقصور الثقافة دورها التنويري، ولقد اجتمع في هذا الصالون ساسة وإعلاميون ونخب مصرية متنوعة وتحدثوا دون مجاملة من واقع الغيرة الوطنية على مشهدنا الإعلامي، وعلي أمل بخدمة إخباريه مهنيه مصرية، وكان من بين الحضور السيد عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق، والمستشار الجليل عدلي حسين قاضي براءات قضايا الرأي والحريات ونخبة من رجال السياسة ومن مثقفي مصر وكثير من أبناء الاعلام الرسمي المصري وخبراء التدريب أيضا.
وكان المتحدثون هم السيد اللواء طارق المهدي المشرف على اتحاد الإذاعة والتليفزيون أثناء ثورة يناير 2011، والمهندس أسامه الشيخ رئيس إتحاد الاذاعة والتليفزيون الأسبق وخبير الإعلام العربي، والأستاذ الدكتور حسن عماد عميد كلية الاعلام جامعة القاهرة الأسبق، والأستاذ إبراهيم الصياد رئيس قطاع الأخبار الأسبق والمتحدث الإعلامي للمنتدي المصري للإعلام، وقد أجمع الخبراء من المتحدثين وكذا مداخلات السادة الحضور من ساسة ومثقفين وإعلاميين على عدم ملائمة مشهدنا الإعلامي للريادة، إضافة إلي غياب المحتوي الجيد والسياسه التحريرية والمهنية والموضوعية، وأكدوا على منطقية استغلال وتجويد ماهو قائم بدلا مما هو قادم.
فهل يمكن التفكير في استغلال وتحسين ماهو قائم ودمجه في كيان واحد قوي ومنافس؟، وإن لم يكن فهل يمكن التفكير في إطلاق قناة واحدة علي سبيل التأكد من النجاح والمنافسة، ومن ثم نكمل سلسلة القنوات الإخباريه في قطاع أخبارها؟، وماهو مصير ماهو قائم؟، هل يتلاشى أم يتم دمجه، أم يترك ليموت واقفا؟ .. لحظة تفكير وتقرير واجبة الآن من أهل الإعلام وخاصته أعلي الله صوت مصر ووفق إعلامها.. وتحيا دوما مصر.