بقلم : محمد حبوشة
في مصر عباقرة وعلماء مصريون غيرو مجرى التاريخ، ومع ذلك فقد ظلوا خارج دائرة الضوء الإعلامي، وظني أنه من العيب أن تكون مصري ولا تعرفهم أو تقرأ عنهم، فقد حظيت مصر فى العقود الأخيرة بعدد كبير من العلماء البارزين فى شتى المجالات، وتفوق المصريين لم يكن محليا، بل انتقل بهم وبمصر إلى المحافل الدولية، وتقلدوا أرفع المناصب، ونالوا أعلى الجوائز والأوسمة العلمية على مستوى العالم أجمع، وتلك آفة مصرية تتجسد في (إعلام العار) الذي ينشغل بالتفاهات بينما ساهم علماء ومفكرون ومخترعون في بناء الحضارة الإنسانية بافكارهم وأبحاثهم ودراساتهم واختراعاتهم، ربما نتذكر الآن بعضا من منجزاتهم، لكن وراء كل إنجاز، قصة ومعاناة تحتاج إلى أضواء كاشفة كي يعرف شبابنا أن هذا البلد (مصر مهد الحضارة الإنسانية) هى ولادة بالفكر والعلم والإنجاز الذي يضعها في مصاف الدول بجدارة واستحقاق.
رجال ونساء قرروا أن يكونوا من أبرز الشخصيات في العالم، قرروا أن يكون لهم تأثير يتذكره العالم أجمع باختراعاتهم وانجازاتهم، هم علماء وأساتذة مصريون قرروا أن يكون لهم بصمة مختلفة، ومع ذلك فهم بعيدون كل البعد عن عدسات وفلاشات القنوات الفضائية الغارقة في الهزل والترسيخ للعنف والفوضى والعشوائية والبحث عن الفضائح، ولم ينتبه إليهم أحد، فقط قناة (سكاي نيوز) هةى من تقوم بمهمة إبراز إنجازات المصريين في العلم والتكنولوجيا والرياضة وغيرها من أفكار واختراعات تضيئ سماء العالم، بينما نحن نغض الطرف عن أجمل مافينا.
بينما نحن مشغولون بالاهلي والزمالك وخناقة (شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب)، كانت قناة (سكاي نيوز – عربية) على الطرف الآخر من الإعلام العربي قد أعدت تقريرا يتصبب الوجه له عرقا وخجلا من جانب قنواتنا الفضائية المشغولة بالسفاسف – عدا برنامج (التاسعة) الذي استضافه على استحياء بعد تقرير سكاي نيوز – المهم أن تقرير القناة العربية ركز على أن هنالك عالم مصري شاب اسمه (محمود جعفر) يبلغ من العمر 34 سنة يعمل باحثا في (جامعة هامبورغ للتكنولوجيا) بألمانيا، استطاع تحقيق أنجازا للعلماء كانوا يعتبرونه دربا من المستحيل من قبل هذا الشاب المصري العبقري الذي توصل لآلية تمكنه من تخزين المعلومات بصورة ضوئية وليست إلكترونية، وهذا سيجعل سرعة نقل وتحميل البيانات تماثل سرعة الضوء التي تساوي 300 الف كيلو متر في الثانية الواحدة .. هل نحن متخيلون ذلك ؟!
العالم الشاب (محمود جعفر) استطاع أيضا التحكم في سرعة الضوء وضغطه وبالتالي استطاع نقل كميات كبيرة من البيانات في وقت واحد بدون أي تداخل وبدون اختراقها، وهذا يمثل ثورة علمية في مجال تكنولوجيا نقل المعلومات، الموضوع كبير لدرجة إن دورية (نيتشر) العالمية، وهذه من أكبر الدوريات العلمية في العالم احتفلت بهذا الإنجاز واعتبرته من أكبر انجازات القرن، فأين نحن بفضائيتنا الجرارة من هذا الشاب الذي يحتاج إلى إعلام بلده من تسليط أضواء كاشفة على إنجازه الكبير، ليس من باب الفخر فقط بل على الأقل نقدم نماذج شبابية ناجحة تبعث بالأمل في نفوس شبابنا الغارق في اليأس والنقمة على بلده الأم مصر التي تشهد تطورا ملحوظا في التنمية التي تحققت خلال السنوات الثمانية السابقة.
نموذج آخر لفخرنا نحن المصريين وهو أن مصر أنجبت مجدي يعقوب آخر للعالم، فقد استطاع الطبيب المصرى ابن محافظة أسيوط (مركز القوصية) قرية (السراقنا) الدكتور (أنيس سامح أنيس حنا) الباحث فى كلية (ألبرت آينشتين بنيويورك بأمريكا، البالغ من العمر 28 عاما ، والذي أمكنه التوصل للجينات المتحكمة فى علاج جلطة القلب القاتل الأول للبشر فى العالم، ألا يعد هذا نموذجا مشرفا و فخرا مصريا بعلمه ودراسته وتعبه ومجهوده، لماذا لا يكون قدوة لأولادنا، ألا يستحق ربع التسليط الإعلامي المصري في وقت نحن بحاجة فيه إلى تصدير طاقات إيجابية بدلا من تصدير العنف والقتل ونشر الفضائح لسفهاء من الفنانين ونجوم الكرة، وغيرهم من نماذج سلبية يتم تصديرها لنا عبر الفضائيات بحجة التركيز على الواقع، ألا تكفينا مسلسلات التفاهة والبلطجة والغيبيات التي أدمن الشباب على مشاهدتها، فضلا عن الطوفان الموجود على السوشيال ميديا.
يؤسفني جدا أن تنشغل السوشيال ميديا بتلك الأخطاء المهنية التي ارتكبتها لميس الحديدي خلال مداخلة شيرين عبد الوهاب، حيث ذهب كثير من رواد (مواقع التباعد الاجتماعي) – على حد تعبير كاتبنا الكبير حسين نوح – إلى شرح أبعاد الأخطاء التي ارتكبتها لميس الحديدي خلال المداخلة الهاتفية، والتي عددها الدكتور محمود شهاب الدين عضو هيئة التدريس بكلية الإعلام بالأزهر والكاتب الصحفي، بـ 6 أخطاء مهنية، تتمثل في الآتي:
1- إثارة الرأي العام بقضية خاصة تعكس خلافات زوجية وأسرار أسرية لا يجوز موضوعيًا طرحها ولا الخوض فيها على شاشات الفضائيات التي تحترم الجمهور والذوق العام.
2- دعم المذيعة للضيفة ومنحها فرصة للتشهير بمواطن وأسرته وسبهم وقذفهم علنا على الشاشة.
3- غض الطرف عن عوامل المهنية لتحقيق أرباح تجارية مجردة من احترام المسؤولية والقيم المجتمعية بما يصنف ضمن التجارة غير الأخلاقية لمنافع وقتية على حساب المجتمع والقيم.
4- إثارة الفتنة وتأجيج الصراع بين الأطراف المتنازعة في قضايا شخصية ودعم العنف والكراهية والعنصرية والتطرف.
50- التحريض على الجنس الآخر وزعزعة الأمن الأسري والسلم المجتمعي.
6- استعمال ألفاظ خادشة لحياء المجتمع وتعبر عن دونية ثقافية لا تليق بالعمل الإعلامي.
وربما يكون مع الدكتور (شهاب الدين) كل الحق في التصدي للظواهر السلبية لإعلامنا الغارق في الجهل والتجهيل بحقائق الأمور، لكن يبقى على عاتقه كأستاذ أكاديمي وكاتب صحفي أن يدير دفة نقده إلى رصد الإيجابيات من أمثال العالمين الشابين المصريين (محمود جعفر، و أنيس سامح أنيس حنا) لتسليط أضواء كاشفة على انجازهما العلمي من خلال عرض السير الذاتية لهما بحيث يرسخ في أذهان شبابنا القيمة والقدوة، وحري به أن يتجاهل موبقات الإعلام وأخطائه الفادحة، خاصة أن برنامج لميس أذيع وزال أثره بعد أن تجرعنا مرارة كأس السم الذي تدسه يوميا كأفعي تتلوي في طرق ومنحنيات تبعد عن جوهر الإنسان المصري الطبيعي والبسيط عبر قناة مصرية ينبغي لها أن تحرض على الإيجابية بدلا من السلبية الغارقة فيها إلى جانب أخواتها من قنوات أخرى تحرض على المهالك.
رحمة بنا من أمثال هؤلاء الإعلاميين الذين يتلذذون بتصدير اليأس والإحباط في نفوس شبابنا الذي يقع بين مطرقة هذه القنوات وما تبثة من سموم قاتلة، وبين منصات رقمية تتفن يوميا في بث الرعب والعنف والمثلية وغيرها من موبقات أشرار العالم الذين يستهدفون عقول شبابنا بالتخريب والعبث بالمعتقدات وتفكيك الأديان تحت دعوى تجديد لغة الخطاب المزعومة .. رفقا بشبابنا الطامح نحو الحرية الجديدة التي تنسف أسس المعتقدات وتهدم القيم وتقتل التقاليد بدعوى التجديد.