كتب : محمد حبوشة
انطلقت أولى الجلسات الافتتاحية للحوار الوطني في مصر يوم الثلاثاء الماضي، الخامس من يوليو 2022، بانعقاد مجلس الأمناء لبدء التنسيق مع تيارات وفئات المجتمع كافة من قوى سياسية وحزبية ونقابية بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب (تأسست عام 2017 وتتبع رئاسة الجمهورية)، بحسب ما أعلنت اللجنة المسؤولة عن الحوار في البلاد، ويأتي هذا الانطلاق بعد أكثر من شهرين من دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى حوار شامل تحت مظلة (وطن يتسع الجميع) آواخر أبريل الماضي، وأعلن المنسق العام للحوار (ضياء رشوان) أن (انعقاد مجلس الأمناء هو البداية الرسمية لأعمال الحوار التي سينظر المجلس خلال جلسته الأولى في تفاصيلها ومواعيدها ويتخذ القرارات اللازمة في شأنها ويعلنها للرأي العام، ليتيح له التفاعل مع الحوار والمشاركة فيه بمختلف الوسائل المباشرة والإلكترونية).
وبحسب رشوان خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية، فإن (الحوار لا توجد فيه كوابح أو جوامح على مستوى المواضيع أو المشاركين سوى من رفض الحوار بأن لجأ إلى القتال والعنف، فلن يوجد له كرسي على طاولة الحوار وهو غير مدعو إليه)، في إشارة لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السلطات (إرهابية)، وأشار رشوان إلى أن أحد أهداف الحوار هو (إعادة اللحمة لتحالف 30 يونيو (حزيران) الذي بات يستعيد عافيته بانطلاق جلسات الحوار).
ورغم كلام (رشوان) المبشر حول سير الحوار بطريقة ديمقراطية في إطار من الشفافية والجدية المطلقة، إلا أن هذه الديمقراطية في طرح الأفكار والرؤى غابت تماما عن الفضائيات المصرية التي على مايبدو لاتعرف وظيفتها في نقل فعاليات الأحداث المهمة التي تتعلق بمصير الأمة مثل (الحوار الوطني) ولو بصورة ملخصة على مدار اليوم، حتى يتنسى للمواطن الوقوف على تطورات الحالة السياسية في البلاد، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت تقاذفت المعارضة الداخلية والخارجية والقوى المعادية في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها مصر حول الجدل الدائر في شأن (جدية الحوار الوطني في البلاد)، في وقت تدعى فيه بعض القوى الدولية أنه لا يزال الغموض يكتنف قضايا كبرى في شأن الحوار، تشمل وفق مراقبين غير حياديين (تنوع وشمول القضايا التي سيتضمنها وملف الحقوق والحريات وفتح المجال العام، والإفراج عن سجناء الرأي وأولويات المرحلة المقبلة، فضلا عن مستقبل تيارات الإسلام السياسي).
فقط الصحف الورقية الإلكترونية هى من تفاعل مع مستجدات الأحداث حيث تنقل على مدار الساعة وقائع مايحدث داخل الجلسات المهمة التي أهم ماتهدف إليه أن الحوار الوطني بين مختلف قوى المجتمع هى مناقشة أولويات العمل الوطني في الفترة المقبلة نحو المضي في بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة، وأن السلطات المصرية ترحب بجميع الأطراف والأطياف للمشاركة في الحوار وحتى تيارات الإسلام السياسي، عدا جماعة الإخوان التي تلوثت يداها بدماء المصريين.
لكن كان ودي أن يكون إعلامنا الفضائي الوطني على مستوى المسئولية في نقل وقائع النقاشات التمهيدية التي سبقت انطلاق الحوار الوطني بين المعارضة المدنية والحكومة وتحليل المستجدات أولا بأول من خلال الخبراء والمراقبين في ظل توسيع هامش الملفات المطروحة للحوار والشخصيات المشاركة به من دون استثناءات، وعدم استبعاد أي تطور قد يطرأ على مجريات الحوار الوطني خلال الفترة المقبلة وفق ما تقره الأمانة العامة للحوار الوطني، فمن خلال قراءتي للمشهد ألحظ أن الأمانة العامة ملتزمة بمرجعية (ثورة الـ 30 من يونيو وكل مخرجاتها)، وهى ثورة شعب يجب أن يعلم من مجريات الأحداث في ظل أنه تم التواصل بالمشاركة الفاعلة مع جميع الأحزاب والحركات السياسية والمجتمع المدني والقوى المتنوعة والنقابات ومراكز الفكر، فضلا عن القيادات الطبيعية من شيوخ وقبائل ورموز مجتمعية، فلا توجد محافظة واحدة (عدد محافظات الجمهورية 27) لم يتم تقديم طلبات اشتراك منها في الحوار الوطني.
لماذا لا تصدر تعايمات واضحة وصريحة بتخصيص ساعات قليلة من البث اليومى لتغطية فعاليات الحوار الوطن؟، أليس من حق هذا الشعب أن يعرف مايدور في الغرف المغلقة، خاصة أنه خلال الأيام الأخيرة تواردت أنباء عن احتمالات مشاركة (ممثلين قريبين من فكر جماعة الإخوان المسلمين)، حتى خرج الرئيس المصري وشدد قبل أيام على أن الحوار سيشمل الجميع (من دون استثناء وباستثناء) في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، بسبب غياب الأرضية المشتركة للحوار بينها وبين السلطة المصرية، لأنها اختارت (القتال) على حد تعبيره، وقال في لقاء مع عدد من الصحافيين على هامش افتتاح محطة (عدلي منصور) وتشغيل القطار الكهربائي الخفيف: (أطلقنا الحوار من أجل المثقفين والنقابات والقوى السياسية من دون استثناء ومع استثناء) طبعا يقصد من تلوثت أيديهم بدماء المصريين.
ظني أن الإعلام المصري يجب أن يفيق من غفوته الحالية وينتبه إلى فعاليات الحوار الوطني التي ستظهر جدوى وأهمية الحوار القائم خلال الأيام المقبلة، وفي المخرجات التي سترشح عنه ومدى تنفيذها، حيث يتزامن الحوار الوطني في مصر مع أزمة اقتصادية طاحنة عكسها ارتفاع الأسعار ونسب التضخم في البلاد فضلاً عن انخفاض العملة، إثر تأثر الاقتصاد بتداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية المشتعلة منذ الـ 24 من فبرايرالماضي.
وفي الوقت الذي أشيد فيه بالصحافة الورقية والإلكترونية، فإنني ألوم فضائياتنا الغارقة في التفاهات على عدم اهتمامها إلى أن الحوار الوطني فرصة مهمة حتى نسمع بعضنا ونتبادل الرؤى والأفكار، لكن يبقى الأمر في جدية التعاطي معه وتطبيق مخرجاته فإن البلاد تواجه تحديات داخلية كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما ينبغي أن يكون السبب وراء انطلاق الحوار الوطني، وليس تحسين صورة الحكومة أمام الرأي العام الخارجي أو العمل على تخفيف حدة التوتر مع بعض أطراف المعارضة المدنية في الداخل عبر إشراكهم في حوار وطني.